السلاحف في المتاحف.. والخنزير يكسر الزير من مقامات مجنون العرب
|
حرك الأرنب شواربه البيضاء.. ودون تردد أو إبطاء.. وقف مندهشا أمام سلحفاة.. لكي يسألها عن معنى الحياة.. وقبل أن تفتح السلحفاة فمها بكلمة واحدة.. أشار هو إلى حكمة خالدة.. مفادها أن الحركة بركة.. حتى لو كانت الخطوات مرتبكة.. ونظر إلى البحر وهو يشير إلى سمكة.. مؤكدا أن الحياة عندها تعني الحركة.. وأضاف أنه يفعل في البر.. ما تفعله السمكة في البحر.. فهو يقفز هنا ويقفز هناك.. حتى لو أفضى به هذا إلى الهلاك.. وهذا ما تفعله كذلك الطيور.. من أصغر عصفور.. إلى أكبر النسور. اندهشت السلحفاة مما قاله الأرنب.. وسألته بهدوء: ألاَ تتعب؟.. إني أفضل أن أكون بطيئة.. حتى لا أغامر فأقع في خطيئة.. كما أنني أحمل بيتي على ظهري.. لأنه ينفعني طيلة سنوات عمري.. وأحيانا أتفرج على من يتحركون.. لكني لا أحب أن أفعل كما يفعلون.. رغم أني أسمعهم يسخرون.. وهم يقولون عني إني متخلفة.. وعن ركب الحياة متوقفة! الجو كان على أحسن مايكون.. وشفاه الهواء تُقبِّلُ خدود الغصون.. والنسمات كانت تتحرك في نعومة الحرير.. بينما كانت أسراب من العصافير.. تؤدي زقزقاتها وهي في الجو تطير.. وفجأة ثار غبار.. وفرض على الكل حالة من الحصار.. واندفعت عاصفة قاصفة.. نحو بعض الاشجار الواقفة.. فتكسرت الغصون.. واحتجبت الرؤية عن العيون.. وهنا ارتسمت على الوجوه علامات سخط ومقت. بينما اختبأت السلحفاة داخل ما تحمله من بيت.. وتعالت صرخات مكتومة.. كانت بالشمع الأحمر مختومة: «ناب الخنزير يشق يدي ويغوص لظاه إلى كبدي ودمي يتدفق.. ينسابُ لم يغدُ شقائقَ أو قمحاً لكنْ ملحاَ...» والظلمة منها أرتابُ فضمير العالم أنيابُ تنقضُّ لِتُغرس في جسدي
تلاحقت الزوابع زوبعة في إثر زوبعة.. وتراءت خلالها أشكال مفزعة.. وتحولت الظلمة إلى ظلمات.. تكدست طبقات فوق طبقات.. ومن قبلها تحركت كائنات غريبة.. حركاتها كلها تدعو للشك والريبة.. وكان الأقوياء يتحركون في المقدمة.. ومعهم أجهزة وآلات متقدمة.. تحميهم من الغبار.. وتمنع وقوع الأضرار.. وظل المتنافسون يتنافسون.. كما ظل من يتراشقون. يتراقشون بينما شوهد من يتعثرون.. ومن يبطئون في خطواتهم ويتخلفون. فجأة أعلن خنزير شرير.. أن العلم يحب التطوير.. لهذا لا بد أن تهب رياح التغيير.. ولا بد أن يشرب الكل من المياه المعدنية. لأنها دائمة نقية.. فضلا عن أنها تفتح الشهية.. أما مياه الأنهار.. فإنها تتعرض دائما للغبار.. ونظر الخنزير حوله.. وهو يشير إلى الفرات ودجلة.. قائلا إن الماء فيهما يتكدر بين صبح وليلة.. وبشكل فجائي مثير.. اندفع هذا الخنزير.. لكي يكسر أكبر زير.. فاختلط الماء العذب بالطين.. وتصاعد من قلوب العطاشى أنين.. لأنهم لا يحبون المياه المعدنية.. وخصوصا المعلبة في بلاد أجنبية.. فضلا عن إنها غالية الثمن.. وهذا ما يضيف لرصيدهم محنا فوق المحن.
تلاطمت المخاوف.. في قلوب السلاحف.. عندما سمعت أن التغيير المطلوب.. يفرض عليها التخلي عن بيتها المحبوب.. ومما زاد من المخاوف.. أن كثيرين ممن يحبون البهرجة والزخارف.. أخذوا يتهيأون لوضع السلاحف داخل جدران المتاحف.. مؤكدين أنها لا يمكن أن تتغير.. طالما أنها ترفض أن تتطور.. وطالب آخرون بتنفيذ خطط جاهزة.. للقضاء على السلاحف الناشزة. اقترب الأرنب الطيب من السلحفاة.. وطالبها باليقظة والانتباه.. بينما أطلقت السلحفاة تنهيدة آه.. وهي تقول للأرنب بكل هم وضيق.. ألا يشفع لي تاريخي العريق... فوق سطح الكرة الأرضية.. بأن أظل حرة وحية.. وأن أظل أتأمل كما أشاء.. بعيدا عن جدران المتاحف الصماء.. وهنا قال لها الأرنب بإشفاق.. يمكنك بالطبع أن تتأملي جمال الآفاق.. بشرط أن تُقْبلي علي الحياة بقلب مشتاق.. وأن تبتعدي عن الانغلاق.. وهذا ما تستطيعين أن تفعليه.. لأن عقلك يقظ ونبيه.. ولأن تاريخك الماضي البعيد.. فيه صفحات مجد بكل تأكيد. استبد الزهو بالخنزير وانتعش.. عندما رأى كثيرين يموتون من العطش.. وهنا ارتفع صوت المجنون.. وهو يقول للخنزير الملعون: جئتَ بالبطش إذا البطشُ هَمي يا زمانَ الظلم باسمِ العولمة جئتَ مغروراً تسوق الغَنَماَ حيث تلقيها بقلب المفرمة وعلى إيقاعِ جازٍ.. جثما في زوايا ساحةٍ مستسلمة رحتَ تجتاز بحاراً وسَماَ بضمير كاذب.. ما أظلمه عندما الخنزير يلقَى الحمماَ سوف ينهار.. وتهوي الأوسمة أيها الرافع زوراً.. عَلَماَ سوف تجني ذات يومٍ.. علقمه |
التعليقات (0)