السقوط الحتمي!
لا يمكن تعطيل الدورات التاريخية التي تجدد الحياة البشرية وأساليبها الدورية المستخدمة مهما كانت الوسائل المستخدمة في التعطيل والتأخير والتحريف،فالنهاية الحتمية هي ان الزوال والتغيير النسبي والمطلق هو مصير كل كيان يجمع حوله فئات متعددة!.
ساد على طبيعة انظمة الحكم وعلى مدار التاريخ،صفات الطغيان والظلم والفساد اكثر من افساح المجال للحريات واحترام حقوق الانسان وتداول السلطة،وتلك حقيقة مؤكدة!... ولكن تبقى الحقائق الثابتة هي ان تلك الوسائل اللااخلاقية والمنافية للطبيعة الانسانية السوية كلما ازدادت توغلا كلما ساعد على انهيارها بسرعة والعكس صحيح ايضا اي ان السماح بالتغيير والاصلاح والمشاركة ولو بصورة نسبية يزيد من اطالة عمر الانظمة الحاكمة الى آجال غير محددة!.
التأسيس المبكر!:
لقد كانت الانظمة العربية الراهنة مثالا واقعيا على التأسيس المبكر لنظم تحكم بلادا مستحدثة غير واقعية ولا تستند على اسس تاريخية او جغرافية قوية بل لا تملك اسس الدولة المدنية التي تحكم امة تضم تحت جناحها بعض الاقليات!... فأغلب الدول العربية الراهنة هي مؤسسة وفق رغبات المستعمر الغربي ومصالحه التي تلائمت مع توجهات بعض القوى المحلية المتحكمة! فأعلنت عن تأسيس تلك الدويلات التي اخذ المنضمون تحت لوائها وبمرور الزمن يؤمنون بوعي هزلي زائف بأنهم شعب وامة مختلفة عن الجوار وعليه فأن الحفاظ على المكون اولى من تأسيس حياة حرة كريمة تقوم على اسس سليمة وتناسوا ان من لا يحترم شعبه لا يمكن توقع احترامه لغيره! وعليه فأن الاستيلاء والتسلط على انظمة تلك الدويلات هو النتيجة الحتمية التي تتفرع منها حقائق وسمات ثبت للجميع قوة دلالاتها وسطوتها من خلال التاريخ الطويل لها والتي من بينها بقاء الصراع الحتمي الخالي من كل اخلاق الفرسان الرفيعة بينها وبطريقة لا يمكن استثنائها!. ومن هنا تأسس الطغيان الجديد بوسائل مستحدثة،مرعبة لا يمكن تصورها واهم عمل لها هو مسخ شخصية الفرد وتحويله الى تابع ذليل لا يستطيع التفكير بأسس بدائية ولو بحقه الازلي وهو حق البقاء!.
الحرب الوحشية التي يقوم بها النظام البعثي الوراثي السوري ضد شعبه الاعزل لغرض فرض وجوده واطالة بقاءه هي نموذج مثالي لنهاية كل الانظمة المستبدة التي ينخرها الفساد التي انتهى عصرها وزمن بقاءها وحان وقت رميها في مزابل التاريخ مهما كان حجم المساعدة الخارجية المقدم لها لغرض انعاشها لاطول فترة ممكنة!....لقد كشف القمع الرهيب الذي يقوم به هذا النظام الغبي بمؤسساته العسكرية والامنية المتعددة عن التاريخ الدموي الطويل له منذ استيلائه على السلطة بغفلة من الزمن عام 1963 وانهارت على أثره كل الشعارات الفارغة التي آمن بها المغفلون والسذج والمنحرفون وضعاف الحصانة الفكرية!كما اظهر مدى انكشاف هذا النظام وضعفه امام كل عدو خارجي مادام سلاحه موجه بالاساس الى الداخل!...انه مثال نموذجي لانظمة الشرق الاوسط المتهرئة بعد الحرب العالمية الثانية التي تأسست وفق نظريات واسس فارغة لا تصمد امام المنهج العلمي الصارم المستند على قواعد ثابتة يتفق بشأنها الجميع.
لقد وقعت الثورة السورية كغيرها من الثورات المعاصرة تحت سيف المصالح الدولية المتغيرة والصراعات التي تتحكم في العلاقات...فليس كل من يخالف ويعادي الثورة هو شرير ومنحرف بحد ذاته والعكس صحيح ليس كل من يقف معها هو طاهر وبريء وهي تشبه حالة الفئات المتعددة المساهمة في الثورة والتي تختلف توجهاتها واساليب عملها فيما بينها!... ويمكن من خلال قراءة السيرة الذاتية لكل جهة،معرفة الاصول الفكرية والمصالح الانية والثابتة المتحكمة فيه وحينها يمكن تحديد اسباب الوقوف والاستفادة المستقبلية منه في بناء اي نظام جديد بعيدا عن تلك الاصول المتباينة التي تجعل الفرد والجماعة مسلوبان امام حالة يفترض ان يقف الانسان وبدون تردد مع كل فئة تسعى الى استعادة حريتها المسلوبة.
ان الموقف الروسي المعاند ليس غريبا فهو كان بالاساس ضد تغيير النظام البعثي العراقي كما هو مؤيد لنظام المعتوه القذافي من قبل ومؤيد لكل نظام استبدادي موالي له مثل كوريا الشمالية وكوبا ولو كانت هناك عقوبات ومقاطعة له على هذا التأييد الغير مقبول من قبل الانظمة الجديدة وشعوبها الحرة لما تجاسر بوقاحة على الوقوف مرة اخرى ضد توجهات ورغبات شعوب تسعى الى استعادة كرامتها!...وروسيا ذاتها محكومة بنظام ظاهره ديمقراطي ولكنه مؤسس وفق اسس ديكتاتورية وينخره الفساد ايضا كما انه لا يحترم حرية الفرد ولا يصون كرامته وعليه فأنها تختلف عن فرنسا التي وقفت من قبل بطريقة مخزية مع نظامي صدام وبن علي جعلت صورتها مشوهة فأضطرت الى المراجعة الذاتية والتصحيح ولو نسبيا في سياساتها المبنية على المصالح فقط دون ادنى اعتبار لحقوق الانسان...ومن هنا كان الموقف الفرنسي الجديد.
ان الدماء الغزيرة والعزيزة التي سالت في سوريا مثل بقية البلاد العربية الاخرى لن تقيد حركة الشعوب وتضعف همتها بل على العكس سوف تكون حافزا لها في تكملة المسيرة نحو النصر والحرية والديمقراطية وسوف تؤسس لنظام سياسي يقوم على اساس احترام حقوق الانسان وحرياته المتعددة والتي من بينها حرية العبادة والعمل والاختيار،كما ان الخوف المرضي من سيطرة العناصر التكفيرية المتطرفة يجب ان يراجع من قبل الاطراف كافة بما في ذلك اطراف المعارضة السورية لغرض ابعادها نهائيا من المشهد السياسي الحاضر وفي المستقبل حتى لا تشوه المسيرة الثورية وتحرف مسيرتها نحو المجهول...
تتحمل المعارضة السورية قسطا كبيرا في ادامة الصراع من خلال الانقسام الحاصل في صفوفها والذي لا يخفى على احد،كما انها لم تصدر خطاب سياسي معتدل يستند على منهاج فكري متين يمنح المواطنة والعدالة للجميع اعلى الدرجات مما يرفع الخوف والشكوك من الاقليات التي تشكل ثلث المجتمع السوري التي وضعت في موقف محير سرعان ما استغله النظام في تعبئة صفوفه للتشكيك في المقدرة على ادارة مجتمع متعدد الاتجاهات والفئات،ومن هنا كان الواجب هو التركيز على المشتركات والتضييق على مساحة الخلافات الى ابعد حد،حتى يمكن تحشيد الداخل والخارج لغرض القضاء على النظام الفاسد والبدء في تأسيس مرحلة جديدة.
ان نظاما فارغا من اي مضمون فكري او اخلاقي ومؤسس على الارهاب والقمع والفساد وقتل الاطفال وترويع الآمنين لا يمكن له الاستمرار مهما طال الزمن...
التعليقات (0)