السعوديون ينحازون للملك، فمتى ينحاز الملك للسعوديين؟

ليس كل استفتاء نتيجة طبيعية لصناديق الاقتراع أو استمارات يتم توزيعها، ثم اعلان النتيجة دون قراءة فحواها كما يحدث في معظم الاستفتاءات في عالمنا العربي المعَوّق ديموقراطيا.
ليس على الإنترنيت خطوط حمراء، وكل الأنظمة لها معارضون، وكل المعارضين يملكون الآن القدرةَ على مناهضة أي حكم حتى لو اختبئوا خلف أسماء وهمية.
يُجمع أكثر السعوديين على أن أملا كبيرا سيشرق ذات صباح جميل على المملكة عندما يكتشف الملك عبد الله بن عبد العزيز أن المسافة بينه وبين شعبه أقصر من المسافة التي تفصله عن أقرب مستشاريه.
لم تكن دهشتي كبيرة عندما تَجمّعت لدي في العام المنصرم نتائج مذهلة كأنها استفتاء على محبة السعوديين لمليكهم، لكنها مشروطة بتعرف خادم الحرمين الشريفين على مطالب شعبه.
حتى عندما اعطى الملكُ اشارة للقوى الدينية أنه لن يتخلى عنها فأمر بعدم نشر صور النساء، وتبعه الأمير نايف بن عبد العزيز فأرسل إشارة أخرى تبهج المؤسسة الدينية وهي رفض قيادة المرأة للسيارة بحجة أن المسافات شاسعة بين مدن المملكة وداخلها، فلا يعقل أن تتعرض المرأة لهذا الخطر، رغم أن وزير الداخلية يعلم أن الخطر الحقيقي على الأطفال السعوديين يأتي من سائق محروم جنسيا يهتك عرض طفلة أو طفل في دقائق معدودة، سواء في الطريق إلى المدرسة أو العودة منها.

مقالاتي عن سطوة المؤسسة الدينية وقوتها بل وسيطرتها على القرار الأمني والسياسي كانت استفتاءً من نوع جديد يؤكد أن الأمل لدى السعوديين في تحريرهم هو الملك نفسه، وأن عبد الله بن عبد العزيز لايزال في قلوب أبناء شعبه القادر على انقاذ الدولة قبل أن تصنع المؤسسةُ الدينية العقولَ الجماعية المفخخة.
حتى الذين يناهضون حُكمَ آل سعود الكرام أجمعوا على الصفات الحميدة والنبيلة لزعيمهم، ولم يفقدوا الأمل بعد.
دولة تتعرض لخطر الارهاب، وتسعى للحفاظ على هذا الحد المعقول من الأخلاق التي تحفظ للمجتمع تماسكه ودوره الروحي توافق سلطتها التنفيذية على السماح بأكبر مدخل للارهاب بعد عالم الفتاوى.
اخفاء وجه المرأة دعوة للارهاب، وموافقة صريحة على أن الدولة ستغمض عينيها عن أيّ ارهابي يرتكب جريمة أخلاقية أو أمنية ثم يتخفى خلف خمار أو نقاب ويتحرك رافعا رأسه أمام الجميع، فالمؤسسة الدينية خَدّرّت المجتمع كله عندما كذَبّت وأدّعَت أن هذه توجيهات نبوية أو أوامر إلهية أو رغبة السماء لأهل الأرض.
عدد هائل من السعوديين شدّوا أزري، وفتحوا صدورهم لتخرج منها صرخةُ غضب لن يسمعها الملك ما لم يُقرّب أذنيه لتلتقط أوجاع وآهات وآلام أبناء شعبنا السعودي الطيب.

كل القادة والزعماء تتاح لهم بين ألفينة والأخرى فرصة الانحياز لنبض الشعب، لكن أكثرهم يظنون أن خَدّم َالقصر من المدراء والمساعدين والاستخباريين والأمنيين هم الأقدر على نقل الصورة الصحيحة، والواقع يؤكد أن التزييف يبدأ عند باب القصر، وأن الأيدي المرتعشة والخائفة والأسنان المصطكة ببعضها فور الاقتراب من الزعيم ليست أمينة على تصوير المشهد الوطني.
المؤسسة الدينية ليست هي الدين، فإذا توصل الملك إلى هذه القناعة فإن تحرير شعبنا السعودي بثورة يقودها الملك نفسه تصبح أقرب إلى أماني الشعب من حبل الوريد.
رائع أن يفتح الملك مئة مصنع، وأن يقص الشريط لسبعمئة مشروع، وأن يأمر بتسهيل شؤون المواطنين، لكن الأروع هو حماية السعودية لحقب طويلة قادمة وتلك لعمري لن تحدث مادامت المؤسسة الدينية تمسك رقاب المواطنين، وتصدر فتاويها في كل شيء من غرفة النوم إلى مشاهدة التلفاز، ومن الدراسة إلى عمل المرأة، ومن صوتها ووجهها وحيضها وسفرها إلى عنوستها التي تشاركها فيها ملايين من السعوديات اللائي صمتن خجلا وحياء وطاعة وذلا و.. وخوفا من عصا المؤسسة الدينية.

أجدد للملك مطالب شعبه التي لا يملك المحيطون به شجاعة الإيمان بحب الوطن وطاعة الدين ليهمسوا له بها:
رفع القيود عن الشعب السعودي، واعتباره قد بلغ سن الرشد مع وجود مئات الآلاف من الأكاديميين والمثقفين والعلماء والخبراء السعوديين الذين أرسلتهم الدولة إلى أركان الأرض كلها، ليتعلموا ويعودوا لوطنهم فيعطونه دَفعةً للأمام، وليس ليعطوا رقابهم للمؤسسة الدينية.

اعلان السلطة التنفيذية أن حماية الاسلام مهمة سماوية، وأن حفظ دينه الذي أكمله رب العالمين تعهد به العلي القدير، فليس للمؤسسة الدينية ومطاوعتها أي حق في اجبار المسلم على طاعة فتاويهم، ولينهل المواطن من كل العلوم الحديثة والفلسفات والمنطق والعلوم الاسلامية والانسانية والغربية، وأن يسمع الموسيقى والغناء، وتبني له الدولة بأمواله مسارح ودورا للعرض السينمائي ومعاهد للفنون والآداب ومتاحف، وأن يقرر ما يدرس، وأن يشتري الكتاب بدون رقيب، ويعبد الله دون أن يكون هناك سوط يلسع ظهره، وأن يتم حل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذه مهمة الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد ووسائل الاعلام والمحاضرات والندوات.

ستبقى المملكة في مهب الريح وعين العاصفة وفوهة البركان ما لم يتجدد فَهْمُ الدين، وتتخلص الدولة من عشرات الآلاف من الفتاوى التي صنعت المواطن الدُمية وليس الانسان الحر.
الاختلاط النظيف والحر والشجاع لشعب اختار الله أرضه لآخر الرسالات السماوية هو الحل قبل أن يتفجر طوفان من الهوس الجنسي يأخذ الدولة كلها من حيث لا تدري، ويقلب الحياة اليومية عاليها سافلها، ويكشف النفاقَ الاجتماعي الممثل باخفاء وجه المرأة خشية عيون الرجال، فيكتشف المجتمع أن صناعة الخمار والنقاب كانت للتغطية على الرذيلة وليس لحماية الفضيلة.
كل الناس يصبحون سواسية أمام القانون والدولة والسلطة والدين والحياة اليومية، ولا فرق بين شيعي وسني ، وبين متدين يبحث عن مخرج لعدم قناعته بالدين، وبين غير متدين يبحث عن الحقيقة ليعتنق الدين عن قناعة وإيمان وفهم وطاعة.
تغطية وجه المرأة جريمة أمنية، وأي عملية ارهابية يتخفى فيها المجرم خلف خمار أو نقاب فإن أرواح الأبرياء في رقبة السلطة التنفيذية ودعاة اخفاء وجه المرأة إلى يوم القيامة.
سياج سميك يفصل الملك عن رعيته وقد آن الوقت لتحطيمه، وابلاغ خادم الحرمين الشريفين أن شعبه في أشد الحاجة إليه، وأن ظلما شديدا يقع على من هو مسؤول عنهم أمام العزيز الوهاب يوم يأتي كل أناس بإمامهم وولي أمرهم وقائدهم وزعيمهم ، وحينئذ لن يقبل الله أن يتحدث خدم القصر نيابه عن سيد القصر!

تكوين جيش سعودي قوي وقادر على حماية الوطن دون اللجوء إلى قوات أمريكية وغربية فالمملكة العربية السعودية كبيرة المساحة، وملايين من شبابها قادرون على حماية الوطن لو أتاحت لهم السلطة التنفيذية هذه الفرصة.
تجنيد إلزامي في الجيش ينسحب على الجميع من مواطنين وأمراء وشيعة وسُنّة.
صناعة وطنية للسلاح بجزء من أموال النفط بدلا من تلك المليارات التي تدخل في جيوب تجار السلاح وسماسرته والوسطاء الذين يحصون أرباحهم والمدة الزمنية الكافية لتجديد السلاح بعدما تنهي الرمال الصحراوية عمره الافتراضي.
إلغاء نظام الكفيل الذي أساء للمملكة وشعبها كثيرا فطارت فضائح الفساد والمعاملة القاسية والسُخرة والعبودية لتصبح حديث منظمات حقوق الانسان في كل مكان.
تفعيل الدور الذي يقوم به الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض ليصبح الرجل الثالث في السلطة، والثاني بعد ولي العهد فأمير منطقة الرياض قادر على أن يكون ذراع الملك في ثورته الاصلاحية الجديدة لتحرير شعبنا السعودي من قيود كبلته بها مؤسسة دينية تَحَوّل ظنها يقينا أنها هي التي تحكم وأن آل سعود يطيعونها مادام احتكار تفسير الدين حقا لها فقط.
الاعلام فن وذكاء قبل أن يكون مؤسسة تعريف بالدولة وانجازاتها، والصحافة السعودية اليومية لا يقرأها إلا من لا يجد غيرها أمامه، أو ينتظر صديقا أو لديه موعد فيضطر لتصفحها.
ينبغي أن تنتهي تلك الاهانة الموجهة لشعبنا السعودي والممثلة بصفحات كثيرة من ورق يكتب فيه حاملو رسالة الاعلام السامية وأصحاب القلم والباحثون عن المتاعب أخباراً عن لقاءات الأمراء، وعودة أمير، وعدد الواقفين في المطار لاستقباله، ثم أسماء الحاضرين لوداع أمير آخر، فشعبنا السعودي أكثر ذكاء من التوقف لحظة واحدة أمام هذا الكم الهائل من أخبار القُبلات والأحضان والاستقبالات.
إن بإمكان المملكة العربية السعودية أن تصبح قوة صناعية وزراعية وبشرية وفكرية وروحية يقف لها العالم احتراما وتوقيرا وأيضا خوفا من قدرتها على مواجهة خصومها.
والقوة تبدأ من هنا .. من ثقة بأن الشعب قادر على حماية مكتسباته، وأن الحرية كلما زادت جرعاتها تَحَمّل الشعبُ مسؤوليته، وتولّى حمايةَ وطنه، ونجح في تحصين انجازاته لأجيال قادمة.
الخطر من العراق قادم لا محالة، وإذا اضطرب الخليج كله وأقنع الانتهازيون مجموعات صغيرة في المعارضة في الداخل والخارج أن العدل مفتَقد، وأن حقوق المواطنة ليست متساوية لدى الجميع، فإن كوة نُطِلّ منا على الجحيم ستتوسع بقدر ما تستطيع القوى المناهضة للمملكة أن تتوحد.

الملك عبد الله بن عبد العزيز يملك الورقة الأخيرة والرابحة وهي محبة شعبه له، فتاريخه نظيف، ويده طاهرة، وعروبته تفرد جناحيها على الوطن الكبير كله، وإيمانه لا يقل عن إيمان المؤسسة الدينية كلها ولو اجتمع أفرادها في قلب رجل واحد.
ونحن لا نريد لهذا الزعيم العروبي المسلم السعودي أن يصبح أسير تقارير خدم القصر الذين لا يعرف الوحد منا إن كانوا لخدمة الوطن أم لحماية مصالحهم.
والملك عبد الله بن عبد العزيز يعرف سُنّة الله في خلقه، وأن العمر الافتراضي لنشاط العقل والجسد والصحة والقوة والسطوة لديه لن يزيد بأي حال من الأحوال عن أربعة أو خمسة أعوام هي أيضا العمر الافتراضي لثورة اصلاحية تقفز بها المملكة إلى الأمام، وتودّع الأمية، ويصبح وجود سعودي واحد فقير وصمة عار، ويدعو الملك لوضع دستور دائم للبلاد يحفظ للرعية حقوقها وللأجيال القادمة وطنا قويا وجسدا منيعا غير قابل للتجزئة ولو تمردت أي جماعة.
كل فكرة اصلاحية يشرق بها ذهن الملك ستموت قبل أن تولد ما لم يتم شطب عشرات الآلاف من الفتاوى القاتلة لملكة الابداع، والمخدرة لعقل الأمة، والمكبلة لقوى الحرية، والتي تصنع الفرد الخائف المستعبَد الذي تنفصل مفاصل ركبتيه إن أوقفه أحد المطاوعة وسأله عن هويته، وعن زوجته التي تسير بجانبه، وعن شعائر الاسلام التي يقوم بها وإلا فإن عصا الراعي فوق ظهور الغنم كفيلة بتعليم السعوديين آداب الحديث مع المؤسسة الدينية التي تصنع للسلطة التنفيذية المواطن المطيع.
هل يعقل أن يسـتأذن المواطن المؤسسة الدينية في أن تصحب زوجته شقيقتها معها في السفر لأنها ستقضي نهارات غياب زوجها في الدراسة بمفردها، فتقرر الفتوى أن سفر الأخت حرام لئلا يأتي زوج أختها فجأة، فيراها، ويقع المحظور.
هل يعقل أن يسـتفتي مواطن في دخول الشقة بمفتاح البيت بعد العودة من العمل ووالدته بمفردها؟
هل يعقل أن يستفتي مسلم في ارسال أموال لأخيه المغترب الذي هو بحاجة ماسة إليها، ويخشى المواطن أن يرتكب إثما، ويظن أن الحوالة البريدية حرام؟
أستطيع أن أحصي بنفسي عدة مئات من الفتاوى الخارجة من أعمق نقطة في الاعاقة الذهنية والعقلية والغباء والتخلف والحمق، وكلها تم خلطها بالحياة اليومية للمواطن السعودي الذي صنعوا له إلهاً خاصا بالمسلمين السعوديين لا يعرف غير إحصاء الذنوب، واعداد نار جهنم، ومتابعة المرأة، وارسال الثعبان الأٌقرع للذين كانوا يسمعون الموسيقى والغناء ويشاهدون وجه المرأة ويقرأون كتب ماركس وانجلز وهيجل وماو، وترفض زوجاتهم انتهاك السائقين الجنسي لأطفالهن الصغار الأبرياء، فيقدن السيارات بأنفسهن لحماية الأسرة.

تلك هي بعض خلجات نفسي، وأوجاع صدري، ورسائل محبتي لشعبنا السعودي، وما بقي لدي من أمل يكاد يبهت في أن يقوم الرجل القوي والأمين على الأمة الملك عبد الله بن عبد العزيز بثورته الاصلاحية قبل أن يقف أمام الله عز وجل، ويقف المؤرخون أمام عهده في حيرة مما يكتبون. أما قرار منع اخفاء وجه المرأة فسيأتي عاجلا أو آجلا، لكننا لا نتمنى أن يكون رد فعل بعد اكتشاف أن هذا العمل كان وراء هروب مئات من الارهابيين واللصوص وخائني الزوجات وبعض الذين تبحث عنهم العدالة.
الحرب ضد إيران على مرمى حجر، وتفكيك العراق حقيقة قائمة،وسينعكس على المملكة العربية السعودية، ونحن نريد أن يشعر كل مسلم شيعي سعودي أن حقوقه المواطنية والدينية لا تقل قيد شعرة عن حقوق المسلم السني، فكلهم مواطنون وأصحاب البلد ولو توارثنا عن أجدادنا ملايين من الكتب التي تبحث في الخلافات، فإن لغة التسامح والمحبة قادرة على أن تحمي الوطن أفضل مما يحميه جنود المارينز.

أوسلو في 5 يناير 2007

محمد عبد المجيد

رئيس تحرير مجلة طائر الشمال

أوسلو  النرويج