هل بالفعل تحولت السلفية تحت مظلة النظام السعودي الى مشروع قطع آذان أو قبض على كتاب أو تجسس على المواطنين؟
هل تحولت الى خطاب قمع للمجتمع وتزكية للقائمين عليه؟ هل تطورت السلفية على يد الوهابية الجدد الى سجالات حول الاختلاط والخلوة والتي كان آخرها ما اتحفنا به أحد الرموز الجديدة والتي تحرم الخلوة بين الأب وابنته، حيث انه أتته أخبار ـ والعياذ بالله ـ تفيد أن البيدوفيليا والزنا بالمحارم قد ضرب أطنابه في مجتمع الجزيرة، وذلك لسبب وجيه وهو ان بنات العصر الجديد يلبسن البلوزات القصيرة، فمن أجل حماية الآباء المجرمين، يجب على البنات عدم إظهار زينتهن لآبائهن، وكأن الفتيات يقمن يوميا بعرض أزياء أمام آبائهن؟
هل السلفية الجديدة تجرم الضحية لتحمي نفوسا شريرة وعقولا مريضة أفرزتها أزمة ذكورية تلجأ الى العنف لاثبات الذات، بعد أن داس النظام القمعي على رقاب رجال الجزيرة؟
نعلم أن حالات الاعتداء على البنات من قبل الأقارب ما هي الا افرازات مرضية لذكورية مأزومة ونفوس مريضة تبحث عن السلطة المفقودة على أجساد فتيات يانعات. وهل تحولت السلفية مؤخرا الى سلاح ديني في يد الملك العضوض ليمرر مشاريع الخنوع، ولماذا تشظت السلفية وانفرط عقدها وتحولت الى تيارات تتصارع وتتحارب على مرأى ومسمع من السلطة؟
لا نتكلم هنا عن السلفية القديمة التي انبثقت في عصور مضت والتي ارتبطت بابن حنبل وابن القيم وابن تيمية، وإنما نتحدث عن سلفية جديدة أفرزتها مرحلة الحداثة التي مرت بها المنطقة العربية خلال القرنين المنصرمين.
جاءت السلفية خارج السعودية لتعيد للاسلام بعض ما فقده من وضوح الرسالة وصفائها وتزيل عنه تخلف المجتمعات ومحدودية علمها وثقافتها فاستثنت ما علق بهذا الاسلام من ممارسات وطقوس عكست انغماس المجتمعات العربية في مرحلة التخلف الاجتماعي لتظهر كمشروع حضاري جديد فيه بذور النهضة التي لا تمثل قطيعة مع الماضي بل تمثل عملية ترشيد لهذا الماضي حتى يمكن احتواؤه مع متطلبات العصر الحديث. جاءت السلفية هذه كافراز حداثي نهضوي يرجع للنصوص ويفهمها حسب ما تمليه معايير الفهم والعقل البشري.
ولو قدر لهذا المشروع ان ينتصر لما وجدنا انفسنا اليوم وجها لوجه امام سلفية متخلفة متحجرة تنفي العقل في سبيل مشروع سياسي صرف هدفه الاول والاخير التنظير والتبرير للممارسات السياسية واحكام القبضة على المجتمع حتى لا يتحرك مطالبا بحقوقه ومتصلا مع العالم ليس مقاطعا له وشاجبا لما يمكن ان يقدمه لنا من معرفة وخبرة.
وبفضل النفط والدعم السعودي اصبح لهذه السلفية المتخلفة فروع في كل انحاء العالم، حيث نجدها في بركستون البريطانية وبيل فيل الفرنسية وجاكرتا الاندونيسية.
جاءت مدعومة ببعثات لدراستها والتمرس بها في عقر دارها حيث لها من الصروح العالية ما لها تحت ذريعة نشر الاسلام وأي اسلام هذا ارتبط بالبلاط وأهله وفقد استقلاليته بعد أن اختزل بمفت وحفنة من المساعدين والفقهاء الذين ينتظرون بفارغ الصبر توسع بيروقراطيتهم خاصة بعد المكارم الملكية التي اعلن عنها في شهر آذار (مارس) والتي بموجبها سيتم استيعاب العاطلين من منظريها ومشرعيها، خاصة وأن مهاراتهم تتحطم عند ابواب السوق العالمية والمحلية التي تتطلب معرفة غير معرفتهم والمنحصرة هذه الايام بفضائح زنا المحارم وغيرها من آفات استشرت في المجتمع.
ان ارتباط الاسلام بمشروع سياسي سعودي كان من أهم الضربات التي تلقاها هذا الدين وجعله اليوم موضع ريبة وشك وتحت سلطة النظام السعودي تحولت السلفية الى عنصر مشبوه يستحضر صورا تدور حول القمع والجبر والتخلف الفكري والتحجر ولو قدر للسلفية ان تنمو بعيدا عن سلطة هذا النظام لوجدنا مشروعا حضاريا يستوعب الحداثة ويقفز بها الى مستويات عالية، حيث ان في السلفية بذورا حداثية من أهمها أولا التركيز على العلاقة المباشرة بين العبد وربه دون وساطة العلماء والمريدين والمشعوذين وما أكثرهم هذه الايام وثانيا: تركيز السلفية على مفهوم الفردية في العلاقة والفهم الفردي للنص بما يتلاءم مع معطيات الحداثة، حيث لا تقبل السلفية الحقيقية بسلطة غير سلطة النص وفهمه، ولكننا مع الاسف نجد اننا نقف وجها لوجه مع قوى تحاول ان تتسلق على السلفية لتنحرف بها الى متاهات كالمتاهات التي ذكرناها، فتصبح سلفية مريدين وعلماء الفضائيات وفقهائها الذين تدرجوا في اختصاصهم وتحولوا الى علماء نفس يعالجون الاكتئاب ويخرجون الجن من نفوس البشر وكأننا أمام حلقة زار متلفزة ينتفض بها المريض خلف الكواليس، بينما يتبجح الطبيب العالم ويوزع العلاج، حيث يختص بنقع الآيات والاحاديث وشرب مائها بعد ان يختلط بالحبر والذي قد يؤدي الى فشل في الجهاز الهضمي والبولي معا.
يأتي هذا الطب الجديد بمباركة السلفية الجديدة المرتبطة بالبلاط السعودي والحمد لله قد وعد المجتمع بمستشفيات وأسرة جديدة من ضمن حزمة المكارم، حيث ان ردود فعل الطب الجديد المتلفز قد يحتاج الى اكثر من سرير في مستشفيات المملكة.
وتتصارع هذه السلفية الجديدة مع تيارات أخرى في العالم العربي، حيث ان للصراع على الاسلام ثلاثة محاور، أولها المحور السعودي وثانيها المحور المصري وثالثها المحور المغربي، وكلها تمثل الساحة السنية العربية وتشترك المحاور الثلاثة في ارتباطها بالسلطة، حيث ان الازهر المصري كان منذ اكثر من نصف قرن أداة بيد السلطة المصرية ويشترك في ذلك الاسلام المغربي، حيث ان السلطة السياسية تجمع بين المنصب السياسي والديني في مفهوم أمير المؤمنين.
ولقد اثبتت الاحداث الاخيرة والثورات العربية القائمة ان المحور الثلاثي هذا قد تم تحييده ولم يبق مصدر الهام او قدوة رغم ما يصرف عليه من أموال.
وقد نتج عن ذلك تشظ للمرجعية الدينية وبحث المجتمعات عن مصادر أخرى تتجاوز الديني المؤسساتي وتتجه نحو المقدس بطريقة فردية اختيارية طوعية وانتقائية، حيث ترفض المجتمعات العربية اليوم سلطة البشر على البشر، وخاصة أولئك الذين ارتبطت اسماؤهم بسلاطين العرب المنقرضين.
تبحث المجتمعات العربية الشابة عن المقدس وترشد علاقتها به بعيدة عن سلطة المؤسسات وفي حلقات درس تنتشر بعفوية وتنمو في البيوت والصالونات بعيدا عن مراكز المقدس المدعومة من مؤسسات الدولة. فكم حلقة درس تجمع تحت رايتها طوعيا شرائح شابة لا تتقيد بالجبر بل هي تأتي خيارا وليس قهرا.
وهذا ما هو اليوم حاصل على الساحة الدينية، حيث تنتشر مساحات حرة تختلف في عضويتها وتركيبتها، وتجد كل شريحة اجتماعية مثقفة كانت أو ذات ثقافة محدودة مكانها في حلقة درس تتجاوب مع تطلعاتها وفكرها، فمن الحلقات العقلانية المنتشرة في أوساط الشباب والشرائح الطلابية الى حلقات دروس دينية تقوم عليها مجموعات مهنية عالية الكفاءة مرورا بالزوايا والطرق الصوفية في المدن الى نظيراتها في الريف، حيث يتقرب البشر الى خالقهم بذبح الدجاجة وإسالة دمها.
نحن أمام تعددية دينية فاقت تصور الكثير من المحللين، لذلك يصطدم صراع السعودية مع غيرها من المحاور الدينية مع هذه التعددية في محاولة لفرض نمط سلفي واحد من أجل كسب المعركة.
ولكن ستظل هذه التعددية قائمة مهما سكب عليها من الحبر وصرف عليها من أموال، لأن الاسلام كدين مبني على النص سيظل قابلا للنقاش والتحليل والفهم المرتبط بقدرة البشر العقلية والتي تختلف من زمن الى آخر، ولن يستطيع البلاط ان يفرض سلفيته حتى في مجتمعه الذي ضاق بها، ناهيك عن فرضها على المسلمين في بقاع الارض
التعليقات (0)