السعودية لم تعد كالسابق
في أشهر قليلة تغيرت السعودية ولم تعد مثلما عهدها العالم ، نفضت عن نفسها غُبار التشدد وأرتدت رداء الحياة بعدما أغتسلت من الآثام وسط عويل المتشددين الذين لم يعجبهم ماحدث ، المجتمع كان ينتظر تلك الفرصة التي لم يكن يتوقع حدوثها فبعض أفراد المجتمع عايش التحول الفكري الخطير الذي سيطر على البلاد والعباد طوال أربعين عاماً والذي يسميه من أطلقه الصحوة ، بعد حادثة جهيمان واحتلاله للحرم "1400 الأول من محرم " تغيرت السعودية فرجال الدين الرسميين صوروا ما حدث على أنه عقوبه ربانية بسبب الآثام والمعاصي وليست حادثة سببها الفكر والرغبة في تطبيق ما بالعقل من أفكار وأحلام موحشة ، تخلصت السعودية من جهيمان وزمرته الباغية لكنها طبقت ما آمن به جهيمان في حياتها اليومية ، قبل جهيمان كانت الفنون والموسيقى والحياة الطبيعية تتمدد لا يستنكرها أحد أما بعده فكل ما سبق آثام وذنوب وكبائر تستوجب التوبة ، الفنون والموسيقى حرام وعمل المرأة وخروجها حرام والحياة الطبيعية السوية محرمة منعاً للإختلاط والتفكير والتطلع للمستقبل حرام لأنه يُفضي إلى إنكار القدر الرباني والخروج من دائرة الاستسلام والتسليم ، تعايش المجتمع مع تلك الأفكار ولم يخرج من دائرتها إلا بشق الأنفس بعدما وصل لمرحلةِ فكرية لا يستطيع معها تقبل ما تربى ونشأ عليه ، السعودية دولة مدنية هكذا بدأت في الأشهر القليلة الماضية هي تعود لأصلها فأصل الدول مدني وليس ديني كما يعتقد الظلاميون المؤمنون بسلطة رجال الدين المُطلقة ، الدولة المدنية دولة علمانية تقف على مسافة واحدة من الجميع لا تفرض رأي أيديولوجي ولا تمنع حق بمبرر أيديولوجي ، تضع الحقوق بسلة التطبيق وتمنع التأثير على الناس بأي شكلِ من الأشكال ، المجتمع السعودي تنفس الصُعداء بعد أن فُتحت له نوافذ الحرية التي كانت مغلقة بوجهة فالمؤسسات الحكومية والسُلطة السياسية أدركت أن الماضي لا يمكنه أن يستمر وأن المجتمع مجتمع إنساني يؤمن بقيمة وليس بحاجة لوصي يُحدد له قائمة الحلال والحرام ، لولا الوعي المجتمعي لم يكن للحرية أن تتنفس في بلدِ يستمع مواطنوه للمواعظ ليل نهار وهذا يجعل المسؤولية جسمية أمام صُناع ذلك الوعي فما تغير يعد مكتسباً يجب حمايته وصيانته وطلب المزيد من الإنفتاح والتحديث على كافة المستويات فما تم لا يحتمل التفريط فيه لأن التفريط فيه والإستسلام للصوت المتشنج المتشدد يعني العودة إلى الوراء وليس ذلك فحسب بل يعني مزيداً من التشدد والتزمت وتحديث قائمة المُحرمات لتشمل ما كان مُباحاً قبل الصحوة من الصحوة ؟
سعودية اليوم تحلق عالياً تخلصت من الأوهام ونفضت غبار فكرِ كان يحسبه البعض أنه سيبقى ويدوم إلى الأبد ، ما حدث ليس سوى مقدمة لما سيتم لاحقاً فالعجلة لن تتوقف والمجتمع سيتغير ليبرالياً وعلمانياً بعد مخاضِ عسير ينتهي بولادة الحياة وموت أفكار الظلام إلى الأبد .
التعليقات (0)