انضم شهر شباط الى سلفه ليثبت سوداوية سنة 2016 لبنانيًا، حيث قررت المملكة العربية السعودية في 19/2/2016 وقف هبة المليارات الأربعة للجيش وقوى الأمن ردًّا على خروج لبنان المُهين على الإجماع العربي في تمنّعه المُشين عن إدانة حرق السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في "مشهد"، كما منعت مواطنيها من التوجه الى لبنان ولوّحت ودول مجلس التعاون بإجراءات أكثر تصعيدًا قد تطال ترحيل لبنانيين عاملين في الخليج فضلا عن مراجعة التبادل الاقتصادي والتمثيل الدبلوماسي وسواها من الإجراءات المؤلمة ما لم يعتذر لبنان عما بدر منه، واضعة كل ذلك تحت عنوان "مصادرة ما يسمى حزب الله لإرادة الدولة اللبنانية، ومواقفه ضد المملكة".
لسنا ممن ينطبق عليهم المثل اللبناني الشعبي "طعمي التم بتستحي العين"، فصحيح أن للسعودية أيادٍ بيضاء كثيرة على لبنان وشعبه يُملي علينا الواجب الأخلاقي شكرها عليها، غير أن إحسان السعودية لا ولن يجعلنا نتحرّج أو نستحيي من تسليط الضوء على الدور السيّئ الذي تلعبه في لبنان من حيث تدخلها في سياسته الداخلية والخارجية عبر فريق سياسي ارتضى لنفسه أن يمثّل مصالح المملكة في بلده على حساب شعاره الميكافيللي والتضليلي "مصلحة لبنان" و"لبنان أولاً"، وهو تدخل يصبّ مباشرة لصالح دعم الاحتلال الإيراني للبنان، ما يعني أن أي إجراء عقابي يتذرّع بمصادرة الحزب قرار الدولة إنما هو عقاب من السعودية للسعودية نفسها.
فبمراجعة سريعة لأبرز القرارات المصيرية التي ساهمت في تعاظم نفوذ الحزب الإرهابي ومكنّته من تحويل لبنان ولاية إيرانية تدريجًا منذ عام 2005... نجد أن المسؤول عنها وبشكل مباشر "تيار المستقبل" بناء على أوامر سعودية. وإذا سلّمنا أن ما قبل غزوة 7أيار 2008 الإرهابية كان مرحلة مواجهة، فما بعدها هو مرحلة انبطاح واستسلام بامتياز. فبعد فوز 14آذار بانتخابات 2009 النيابية تحت شعارات أن لا للسلاح ولا لولاية الفقيه ولا للثلث المعطل ونعم لحكومة أكثرية، إذ بالحريري يخون 14آذار وناخبيه بإعلانه المفاجئ عن مد اليد لحكومة ما يسمى "وحدة وطنية" ضمّت الحزب الإرهابي وشرّعت له سلاحه بـ"ثلاثية العهر" ومنحته الثلث المعطل المضمر الذي ما لبث أن خلع قناعه وأسقط الحكومة عام 2011 وأتاح لنصرالله شخصيًا تعيين نجيب ميقاتي لرئاسة حكومة إيرانية ذات لون واحد.
عهد الحريري الحكومي الذهبي بالنسبة للحزب الإرهابي لم يقف عند هذا الحد من تمكين إيران في لبنان، فقد حفل بقرارات مفاجئة تخالف ما سبق للحريري أن أعلنه وتعهّد به لجماهيره وحلفائه، قرارات لا تفسير لتغيّرها الجذري بين ليلة وضحاها واستدارتها المفاجئة بنسبة 180 درجة إلا بوصول الأوامر الملكية، ابتداءًا من الس-س بتسليم لبنان رسميًا الى السعودية وسوريا الإيرانية، مرورًا باعتذار الحريري من الأسد على اتهامه إياه باغتيال والده عبر صحيفة سعودية، وزيارته الودية الحميمة الى دمشق ومبيته عند الأسد، والإقرار بوجود شهود زور في التحقيق الدولي.
بعد إخراج الحريري من الحكومة ونفيه من لبنان استمرّت الإملاءات السعودية الانهزامية، فقَبِل بمعاودة حوار التقية مع الحزب الإرهابي بعد دعوة علنية لاستئنافه من الملك الراحل عبدالله للرئيس ميشال سليمان، فمُنِح الحزب بالتالي فرصة لتضييع الوقت وغطاء التحضير لاغتيالات وسام الحسن ومحمد شطح، ثم أعلن الحريري وبشكل مفاجئ كالعادة من باب المحكمة الدولية في "لاهاي" استعداده للدخول في حكومة ائتلافية مع الحزب الإرهابي، فغطى احتلال الحزب وإرهابه في الداخل والخارج لا سيما في سوريا، واستمر بتشريع سلاحه في البيان الوزاري كما تولى منصب "الصحوات" لصالح الحزب من خلال خطط أمنية لا تطال إلا البيئة السنية، والأخطر من ذلك كله أنه كشف لبنان الرسمي دوليًا وعرّضه لتحمّل تبعات سياسة الحزب الإرهابية، إذ بعد أن كان احتلاله مكشوفًا بحكومة لون واحد انقلابية ميقاتية بات بإمكانه ممارسة إرهابه بغطاء وطني وحصانة رسمية عبر حكومة متعددة الأطياف، وبالتالي لم يعد التمنّع عن التضامن مع الاجماع العربي فقط قرار حكومة الحزب الإرهابي بل أصبح قرار الجمهورية اللبنانية ممثلة بحكومة متعددة الأطراف تعمل لصالح إيران، ليست السعودية طرفًا مشاركًا فيها فقط بل عضو مؤسِّس أيضًا!
يبدو أن تسليم إيران الحكومة ومجلس النواب غير كاف، لذلك قررت السعودية إكمال "معروفها" بمحاولة تسليمها رئاسة الجمهورية أيضًا! فبعد فيتو من الراحل سعود الفيصل عطّل صفقة الحريري مع عون، نجحت صفقته مع سليمان فرنجية ونالت مباركة السفير السعودي علنًا من بكركي، وتمّ دعم وتسويق المرشح الأسدي-الإيراني كي يترأس الجمهورية المحتلة بـ "مكرمة" من الملك سلمان هذه المرّة.
بعد كل تلك التدخلات السعودية في لبنان لصالح الإحتلال الإيراني، هل يحق للمملكة أن تعاقب لبنان متذرّعة بأنه أصبح ولاية إيرانية؟! ألا يستحق لبنان اعتذارا أيضًا؟
التعليقات (0)