مواضيع اليوم

السعودية: موت الحاكم لا يحيي امة

منير مصطفي

2011-07-25 13:45:31

0


تشغل مراكز الابحاث الغربية وبعض وسائل الاعلامية العربية بتكهنات عن الحالة الصحية لابرز الشخصيات السعودية المسؤولة عن ادارة دفة الحكم من الملك الى ولي العهد مرورا بالنائب الثاني فمع كل رحلة علاج الى الخارج وفترة نقاهة في هذا المنتجع او ذاك تمتلئ صفحات الجرائد ومواقع الشبكة العنكبوتية بتساؤلات عن قدرة هؤلاء على التعاطي مع الاحداث الداخلية السياسية والتطورات الاقليمية والاحلاف العالمية بينما تلتزم الصحافة السعودية الرسمية الصمت ما عدا اعلانات السفر التي تسبق شد الرحال الى المستشفيات العالمية خاصة في نيويورك حيث يقضي بعض الشخصيات السعودية فترة العلاج واجراء العمليات او في جنيف حيث يخضع البعض الآخر للفحوصات الطبية والتي توصف بأنها روتينية. ومؤخرا خرجت تكهنات واشاعات غير مؤكدة عن وفاة ولي العهد سلطان بن عبد العزيز والتزام النظام بعدم الاعلان عن هذه الوفاة. لا نعير أي اهتمام الى مثل هذه الاشاعات حيث انها لا تقدم ولا تؤخر في مسيرة الامم الحية ولا يمكن لموت حاكم ما ان يحيي امة او ينفخ فيها روحا جديدة. ولا نتمنى الموت لاي كائن حي حيث ان مسيرة الحياة تنتهي عندما يأتي الاجل الحتمي والذي لا يقرره البشر فكل ما عليها زائل بمشيئة خارجة عن الارادة البشرية.
ولكن نطرح الموضوع من باب تعمير على ربط هذه التكهنات والتي بالطبع تشغل شريحتين اولهما اولئك الامراء المنتظرون دورهم في اعتلاء المناصب ووراثتها والثانية هي شريحة الاخوية البيروقراطية والقبلية والمشيخية المرتبطة بالامراء والتي تطلب الاطمئنان على موقعها من الاعراب في الحقبة القادمة ومع كل تغيير سياسي في رأس الهرم لا بد ان تأتي جوقة جديدة مع العهد الجديد تتربع على مناصب مساعدة او استشارة او خدمة مما يؤدي الى ازاحة الطاقم القديم واستبداله بطاقم جديد يكون قد اثبت ولاءه لصاحب المنصب القادم. ومن هنا تكثر التكهنات والترقيات وكلها تتمحور حول مستقبل شخصيات معروفة منها من يرث خدمة بعض الامراء عن ابيه تماما كما هو حال مساعد الملك وذراعه الايمن خالد التويجري وقد اعتمد النظام السعودي على بعض العوائل لتزويده بطيف كبير من المساعدين الموثوقين فرفع بعض هذه العوائل الى درجات عالية واغدق عليها من الاموال والعوائد ما جعلها تتمركز في محاور مفصلية تعتمد عليها الدولة وقد اصبحت بعض هذه الشخصيات كبيرة قادرة على تفعيل مصالحها ومصالح عوائل كبيرة لمجرد اقتراحها من الشخصيات الحاكمة منذ اكثر من نصف قرن. وبعض هذه العوائل يتخصص في تدبير الشؤون المالية او الاعلامية او الاجتماعية او الدينية مما يجعل اسمها يرتبط باقطاعية واستفراد في مفصل من مفاصل الدولة واذا نظرنا الى مثل هذه الحالة الفريدة نجد ان موت احد رموز النظام واستبداله برمز آخر قد يؤدي الى ازاحة بعض الشخصيات المعروفة واستقدام اخرى تكون على علاقة قديمة ووطيدة مع الرمز الحاكم الجديد وقد يفسح هذا الموت المجال لظهور شخصيات شعبية جديدة على حساب اخرى استمتعت بمنصب كبير لفترة طويلة ومن هنا تكمن اهمية التكهنات وتشعبها وقد تصبح هذه الشخصيات الشعبية واجهة تمتص حالة التذمر او النقد الموجه لسياسة الدولة.
وهناك مثالان اولهما الهجوم الشرس الذي تعرض له غازي القصيبي عندما كان سفيرا للمملكة في بريطانيا او وزيرا للعمل بعدها في عهد الملك فهد وبعده عبدالله حيث حمّل مسؤولية البطالة وغيرها من تقصير شعر به المجتمع في مرحلة الطفرة النفطية الثانية والتي فشلت في القضاء على البطالة والمثال الثاني هو ما يتعرض له خالد التويجري الذي يدير مكتب الملك حيث يتهم هذا الاخير من قبل التيار الاسلامي بممارسة عملية تغريب للمجتمع واستهتار بقيمه وهي اتهامات توجه ايضا لوزير الاعلام ومن قبلها الى وزير التربية.
من المؤكد ان وفاة احد الثلاثة القائمين على تدبير دفة الحكم في السعودية سيؤدي حتما الى تغييرات على مستوى البيروقراطية والقائمين عليها مما يجعل خبر وفاة هذا او ذاك تحيل الصدارة على مستوى الثرثرة الاجتماعية لما في ذلك من شغف وتشوق لمعرفة مصير المناصب ووراثتها اما على مستوى الامراء او البيروقراطية الشعبية المتصلة والموالية لها كالوزارات غير السيادية والديوان الملكي والسكرتير الاول الى ما هنالك من مناصب مستحدثة. لذلك تظل اخبار الوفاة والاشاعات تثير المخيلة السعودية الجمعية وتحبك التوقعات والتمنيات عسى ولعل ان يحصل تغيير ما والكل له طموحاته الشخصية والجماعية التي يعلقها على موضوع الوفاة المرتقبة. اما على المستوى العالمي فتظل التكهنات هي ايضا الشغل الشاغل لما يسمى بالمحللين والمراقبين للشأن السعودي فينسج هؤلاء سيناريوهات من نسج خيالهم وليس من معطيات الواقع فيتوقع احدهم انحسار فرص الاصلاح السياسي وترجيح كفة التيار المحافظ الديني ان جاء وزير الداخلية نايف بن عبد العزيز الى الحكم كملك مطلق وكأن السعودية اليوم تعيش احسن فترات اطلاق الحريات العامة والشخصية وتستحدث الالقاب والصفات حسب تصنيفات غير واقعية. فنايف يعتبر مثالا للرجعية والمحافظة اما سلمان امير الرياض فيروج له على انه امير الثقافة والانفتاح وطلال هو امير الاصلاح والملكية الدستورية ومؤخرا برز نجم تركي الفيصل في الصحافة العالمية والامريكية خاصة كأمير متعلم في الغرب ويفهم اساليب الخطاب الحداثي وتزداد قدرة المخيلة الغربية عندما تقفز الى الجيل الثاني فيظهر علينا محمد بن نايف كمروض للقاعدة والارهاب مستعملا العصا والجزرة.
اما محمد بن فهد فيصور انه مؤدب لتلك الشريحة الشيعية في المنطقة الشرقية الذي يتعامل مع حراكها كما يمليه على واجب حفظ الامن في اهم مناطق النفط السعودية فهو العلامة العرافة باسرار حسينياتهم وقيادتهم ووجهائهم.
اما في المنطقة الغربية فحكمة خالد الفيصل وقفزاته بالفكر العربي تصور انها جريئة تحدث هزات فكرية في منطقة ترزح تحت ثقل الفكر المتحجر والدين الذي يضيق على العباد ويقيد حرياتهم. وتعتبر مثل هذه الصور التي تهيمن على الخطاب الغربي هي محاولة للتعريف ببعض الشخصيات السعودية وتسويقها في محافل صنع القرار الغربية والشركات العالمية ومنذ اكثر من سنة لا تملّ هذه الخطابات الدعائية المختبئة خلف اساطير تنسجها مخيلة الكتاب الغربيين وكأنهم في حملة انتخابية يروجون فيها لمرشحهم ويبقى المجتمع السعودي بمعزل عن مثل هذه الصور والتي لا تغير حقيقة انفصاله عن القرار السياسي وتهميشه وان كان البعض يعول على تغيير جذري قد يتزامن مع انتقال المناصب الثلاثة المهمة الى شخصيات جديدة بسبب الوفاة او المرض سيجد هؤلاء انفسهم وقد تحولوا الى مستهلكين لخطابات دعائية جديدة عندما تأتي اللحظة الحاسمة وان كثرت التكهنات اليوم الا ان الحقيقة المرة يعرفها الجميع وهي ان المجتمع منعزل تماما عن العملية السياسية وهو ليس الا متلقيا لآخر القرارات وليس صانعا لها او مؤثرا فيها خلال المرحلة القادمة.
وان كان المجتمع يطلب حياة جديدة بعد وفاة احد المسؤولين الكبار فعليه ان يصل الى قناعة راسخة مفادها ان التاريخ الماضي ومعطيات الحاضر لا تجعل امة تحيا بعد ممات قادتها.
الامة الحية هي التي تصنع مستقبلها بنفسها فتقرر ما هي اولوياتها وتعرف كيف تدير شؤونها وأهم من ذلك نجد ان الامم الحية لا تعتمد على الشخصيات الفريدة او الخارقة الا في افلام هوليوود التي تروج لمنظومة السوبرمان وهو الرجل الخارق الفذ.
ففي عالم الواقع وبعيدا عن مغالطات الفن الهوليوودي نجد ان الامم تحيا باستمرارية مؤسساتها وتحديث هذه المؤسسات فالشخصية الخارقة قد ولى زمنها وقد استبدلت اليوم بطولات تلك الشخصيات التي تصورها الآلة الاعلامية السعودية على انها المعجزة العصرية ببطولات الامم ان هي اجتمعت على كلمة حق ومصلحة عامة ورؤية واضحة لمصيرها ومصير ثرواتها الطبيعية والبشرية. وان كانت امة ما تعول الامل على موت حاكم وتنصيب آخر لينتشلها من مأزقها الوجودي فهي تعلن مسبقا وفاتها هي اذ ان الامم لا تحيا الا بارادتها وارادة ابنائها ولمثل هذه الامم استمرارية تتجاوز الشخصيات البائدة.
د. مضاوي الرشيد
كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !