..كانت البداية حين دخل وأنصت .. فالهمس عنها جميل..بل الأجمل حين يكون وفقط عنها.. إنها مَعْلمة، بل هي المعالم حين تكون أنثى..إنها التاريخ والحضارة وكل الدنيا..كل شئ يوحي بها ..هنا وهناك..كل شئ يتحدث باسمها..لوحاتها وابتسامتها حتى وقع خطواتها وهي ترحب بضيوف معرضها..
كان حديثها سريالي، كفنها تماما حين تبدع تبدع وبغموض فيه من الجمال ما يضاهي كل الفنون الجميلة.. وحين تتحدث تسحر بل تنحت الكلمات في الذاكرة المأخوذة إعجابا بها .. حتى حديثها الباسم بين جموع المعجبين كان كاف أن يميته ويحييه ألف مرة في الثانية عشقا وهياما..
وكم علت الإبتسامة شفتيه وهو يتذكر أنه جاء لتحرير مقال ثم عاد لمكتبه دون أثر للحرف في مسودته عنها..
إلا أن نفسه المعجبة وهذه المرة أوحت له ببدل الكلمة جملا وبدل العبارة أسطرا، ثم صفحات حتى كادت لكثرتها أن تصبح كتابا..كتابا عن التي نحتت في الفن التشكيلي تاريخ امرأة عربية ..وفي ذاته معنى آخر لأنثى أخرى .. أنثى من الزمن الجميل ..
ثم بدأ الكتابة عنها:
"...تجسد لوحاتها إيمانها العميق أن الذات الإنسانية بحر من العقد ما إن تنفك عقدة حتى تبرز أخرى وأن تلك العقد هي ما يعطي للذات وجودها ..إحساسها وعظمة إبداعها..إنها تؤمن باستحالة فهم النفس البشرية.. وأن الغموض جمال في حد ذاته وهو سبب من أسباب الإبداع وفي الفن التشكيلي خاصة.. وفي محاولة منها للوصول إلى الحقيقة غاصت الفنانة في عالم ما فوق الحقيقة البصرية الظاهرة..إنها السريالية بريشة ناعمة .. معرض فنانتا اليوم عالم من الرموز الغامضة والتي تجسد الحالة النفسية الداخلية التي تعيشها امرأة عربية ..
وبابتسامة مرفقة بنظرة عميقة صرحت من خلال بعض الشروحات التي قدمتها بالمناسبة:" معرضي اليوم لوحات من أشكال ورموز قد تبدو غامضة ومعقدة ولكنها خفايا أنثى تحمل في أعماقها جذورا عربية وفي عقلها ثقافة غربية وفي نفسها من الألم حين يتضارب داخلها بمبادئ الماضي وما يقتضيه الحاضر وحين تئن الأنثى داخلي من قهر الألم وظمأ الحب..باختصار لوحاتي في معرضي هذا أحتفي فيها بتجربتي كامرأة في عقدها الرابع دفعت غاليا ثمن نجاحها من حياتها الشخصية.." "
...ثم أنهى المقال بعد ذلك..وفي قرارة نفسه كم تمنى لو أنهما تبادلا الأدوار وأصبح هو الفنان وهي الصحفية المعجبة لكان قد أسعد نفسه برفقتها وأنعمها بوجودها معه.. ليصبح له في فنه بها خصوصية "فوق الجمال" لا "فوق الحقيقة"، ويبدع في رسمها، ثم يجعل كل لوحاته واجهتها الخلفية..فلا شئ يستحق أن يَخْلُدَ سواها.. في ذاكرته وفي ذاته وفي مشاعره التي طربت لوجودها ويئست حزنا لغيابها الذي بدأ ثم طال حتى صار لقلمه عنها دمعا..
التعليقات (0)