السخاء بين العرب والغرب:
ظهرت قائمة جديدة لمجلة فوربس الاقتصادية الامريكية،تتضمن اسماء اكثر الاثرياء سخاءا في العالم مع بعض الاشارات عن اوجه الصرف، وكما هو متوقع لم تتضمن القائمة عربيا واحدا! وهي دلالة على خرافة الكرم العربي المتوارث والتغني به...نعم قد يكون هناك استثناءات في الماضي ولكن نحن نعيش في الحاضر وتبعاته سوف تمتد الى المستقبل وعليه فلا فائدة من التبجح بكرم الاسلاف للتغطية على النقص الموجود في اجيالنا المعاصرة...صحيح ان الامر برمته لا يتعلق بتاتا بالاغلبية الساحقة لكونهم خارج نطاق الثراء وهم يصارعون من اجل البقاء ولكن التهمة موجهة لاصحاب الثروات الضخمة وبخاصة من يتربع على سلطة المال والجاه معا!.
الكثير من المؤسسات الخيرية بنيت في الغرب من اثرياء تبرعوا بأموال ضخمة والبعض منها لا يحمل اسم صاحب التبرع!والحكومات اساسا تشجع ثقافة التبرع والتطوع وبخاصة من خلال اصدار تشريعات الاعفاء الضريبي او القانوني مع فوائد الدعاية المجانية لصاحبها،وهو غير موجود عندنا بالرغم من وجود مؤسسات قديمة تعمل بنفس النمط من قبيل الاوقاف الدينية.
لم تخلو القائمة من اثرياء يتبعون بلادا اسيوية في طور النمو،مثل الصين والهند! فتلك البلاد تتقدم الان بنفس خطى الامم التي سبقتها واكيد ان اغلب اثريائهم كما هو الحال في الغرب حصلوا على ثرواتهم التراكمية بأبداعاتهم العلمية والادبية والمالية والاقتصادية بعكس حال المصادفة في العالم العربي،حيث المصدر الرئيسي هو الفساد والسلطة والوراثة والنفط! وعليه فأن ضعف عاملي الابداع الذاتي والعصامية يجعل من الصعب على صاحب الثروة ان يكون سخيا وقريبا في تصرفاته ومشاعره تجاه مواطنيه الفقراء فكيف في حالة المقارنة مع اثرياء القائمة الذين يتبرعون بمبالغ خيالية لبلاد بعيدة عنهم قلبا وقالبا بل ويبقون مجهولون لكافة الاطراف!...ان اجراء المقارنة والاستقصاء في هذا المجال لهو امر هزلي حقا وعليه فأن الابتعاد عنه سوف يريح البال والخاطر بلا شك!...
اذا تابعنا وسائل الاعلام العربية وهي تنقل اخبار تبرعات الاثرياء العرب على قلتها فهي بطريقة دعائية خالية من الروح الانسانية السامية،وهي تكون بعملات ضعيفة او انها بغير المقياس الموحد اي الدولار الامريكي! اي اننا نرى ان التبرع الدعائي يكون مثلا بالريال السعودي او الجنيه المصري او حتى بالليرة اللبنانية! وحينها نرى كيف تخرج للعلن الارقام الفلكية التي لا تدخل قائمة فوربس المسكينة!وعليه فأن من حق الاثرياء العرب الاحتجاج على المجلة لعدم ذكر اسمائهم! لانها تدخل حجم التبرعات حسب القيمة وليس حسب العملة ومقاييسها الغير ثابتة!ولو كان الامر كذلك لرأينا تبرعات بعملات منهارة يتم التعامل معها بارقام اكثر رعبا من العملات العربية!...اتذكر مثال للمقاربة،وهو تبرع الملك فهد ايام حرب البوسنة لشعبها الجريح بمبلغ 50 مليون ريال وفي نفس الوقت تبرع مايكل جاكسون بنفس الرقم ولكن بالدولار الامريكي! بالرغم من الفارق الكبير بين حجم ثروتيهما ونوعية مصادر تمويلهما!.
الامر المخزي ان بعض الاصوات النشاز في الخليج والتي تلقى احيانا اذنا صاغية،تطالب حكوماتها بالتوقف عن التبرع للخارج والاقتصار على الداخل! بينما تجهل بحماقة لا تجارى ان حجم التبرعات ليس كبيرا كما يشاع فالكثير من الكوارث الطبيعية فضحت سلوك الانظمة العربية المنحط،من قبيل كارثة التسونامي او ازمة الاونروا المالية او الزلازل والمجاعات في الكثير من دول العالم وهي بالمناسبة لا تسد حجم مشروع ضخم يطالب به هؤلاء ،بالاضافة الى ان بعض صناديق المساعدات الخارجية هي صناديق استثمارية تمول ذاتها بذاتها بل ان البعض منها اصبحت ارباحه تفوق انفاقه واخذت تنفق على الداخل!هذا بالاضافة الى انها ادوات لخدمة السياسة الخارجية...فالجهل ليس وحده قاتل هنا،بل ان انعدام اثر الدين والاخلاق والضمير الانساني الحي هو وراء تلك المطالب التي لا تدل سوى على ضحالة في التفكير وعلى ضعف انسانية صاحبها!.
اذا لا مجال للاستغراب في عدم وجود اسم عربي ضمن قائمة الاكثر سخاءا في العالم بل الاستغراب يكون اذا رأينا احدا ضمن هذه القائمة مستقبلا! فمازال مصادر بناء تلك الثروات غير شرعيا فليس من المعقول ان يتم تطهيرها وتطهير صاحبها من الآثام من خلال التبرعات التي لا تكون الا بقناعة تامة وبعيدا عن الاضواء،فالمال الحرام يسير في الانسان كمجرى الدم فيه!وقد رأينا بعد انتصار ثورتي تونس ومصر كيف كان الفساد مصدر لتكوين الثروات لفئات كانت وسائل الاعلام تتغنى بهم وبعبقرياتهم الفذة وبأمجادهم البطولية والتي هي مثال لكل طالب ثراء! .
انتظار متبرع اجنبي هو اجدى وانفع لفقراء العالم العربي من متبرع محلي!.
التعليقات (0)