مواضيع اليوم

السحر.. والخلل الاجتماعي

nasser damaj

2010-06-17 04:50:50

0

السحر.. والخلل الاجتماعي 
خليل الفزيع 

فوجئ أهالي الأحساء شرق المملكة العربية السعودية بوجود ساحرة بينهم، لتصبح حديث الناس، وقد ألقي القبض عليها، لتنال الجزاء العادل على أيدي الجهات المختصة، بعد أن عاثت فسادا في مجتمعها، والله وحده يعلم عدد ضحاياها، وما جلبته عليهم من الويلات والمآسي لتفوز بحفنة من المال وتخسر دناها وآخرتها، لقيامها بعملها الإجرامي الشنيع، المنافي لتعاليم الدين، وما استقر في المجتمع من عادات وتقاليد وقيم ترفض ممارسة السحر والشعوذة وما دار في فلكهما.
ووجود السحر في المجتمع ليس فقط دليلا على الجهل وضعف الإيمان، ولكنه أيضا دليل على خلل اجتماعي يستوجب العلاج، وربما اقتصادي، وربما نفسي، لدى من يتعاطى السحر ويعتقد بجدواه، فعلى المستوى الاجتماعي إذا تفشى الجهل وغابت التوعية، يمكن لأي ظاهرة سلبية أن تسيطر على عقول الناس، خاصة إذا اقترنت بأوهام تصل إلى مستوى اليقين لدى من يدورون في فلكها، فالجهل عادة يغيب الشعور بأخطار الحاضر والمستقبل، اكتفاء بلحظة الفعل دون أدراك لعواقب هذا الفعل وآثاره المحتملة على مرتكبيه وعلى المجتمع، وإنسان يعتمد على الغيبيات في تحقيق حلمه دون جهد، سيظل طوال عمره غافلا عن حقيقة الفعل ورد الفعل، بل هو أشبه بالمنون مغناطيسيا عما يدور حوله، وفي حالات يقظته النادرة يظل واهما في انتظار الذي يأتي ولن يأتي.
على المستوى الاقتصادي يلعب الفراغ الناجم عن البطالة دوره في دفع الإنسان إلى حافة اليأس، والتعلق بأي بصيص أمل يعتقد أنه سينقذه من يأسه، دون أن يدري انه كمن يمشي فوق الرمال المتحركة، التي تبتلعه مع كل خطوة يخطوها، أو كمن يشرب من الماء المالح ليرتوي فيزداد عطشا، فهو لا يحقق هدفه بل يزداد بعدا عنه، ولا شك أن الضغوط الاقتصادية والعجز عن توفير شروط الحياة الحرة الكريمة تفرز حالات اليأس التي تدفع صاحبها للتعلق بالأوهام والخرافات، وفي السحر والشعوذة ملاذ لاحتضان تلك الأوهام والخرافات وتفريخها.
على المستوى النفسي لا يمكن للناس الأسوياء التعاطي مع السحر والشعوذة، وإنما هما ملجأ للمرضى النفسيين الذين يحاولون التشبث بالقشة، وهو يجدون أنفسهم في انحدار نحو الهاوية، أما من خلال عزلتهم عن الناس، أو من خلال بحثهم اليائس عن طوق نجاة مما يعانونه من آثار تلك العزلة، وما يعشش في عقولهم من أوهام إنما هي أوهام تتعمق حين تغيب التربية السليمة، وحين يتلاشى الأمل في حياة طبيعية يوفرها المجتمع والدولة، وعدم توفر هذه الحياة الطبيعية يعني ظهور العقد النفسية التي يمليها العجز عن مواجهة ضغوط الحياة وإشكالاتها المستعصية.
عدم الإيمان والجهل.. هما عاملان أساسيان لتفشي السحر والشعوذة، وهو يتفشى في المجتمع النسائي أكثر، حيث تتعرض المرأة للظلم والتعنيف والهجر وعدم الشعور بالأمان، وهي حالات موجودة في مجتمعنا بشكل واضح، نتيجة التسلط الغاشم من الأب أو الأخوان، ثم من الزوج أو الحماة، وتكتمل الصورة بعقوق الأبناء لأمهاتهم، فلا عجب لأن تبحث المرأة في هذه الحالة عن طوق نجاة، فلا تجد من مؤسسات المجتمع ما يعينها على ذلك، وربما يدفعها اليأس إلى الممارسات المحرمة ومنها اللجوء إلى السحر والشعوذة، والأحساء ليست وحيدة في هذا لأمر، لأن السحر يوجد أينما وجد الجهل وضعف الإيمان، والظلم والقهر واليأس من العدالة الاجتماعية التي تضمن الحقوق الكاملة للجميع.. وليس لفئات دون سواها.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات