مواضيع اليوم

السجينة الهاربة

دانيا الديب

2011-09-15 10:10:51

0

 

 

 الحلقة (الثالثة)


كان ذلك عقابا بربريا ذو طقوس بورنوغرافية مشبعا بالسادية لكل سيدة كان لها فيش بسبب معارضتها لنظام الطاغية الإجرامي وأيضا لكل سيدة رفضت أن تقول حاضر سيدي عندما أعلن عن اسمها. أنا لم يذكر إسمي لأنه لم يكن لي أي فيش لدى المخابرات الأسدية القذرة ولو ذكر اسمي، لكنت بالطبع من زمرة هؤلاء النسوة اللواتي مورس عليهن تعذيب وحشي وسادي هدفه أن يحط من قيمة وكيان الإنسان الوجداني والأخلاقي. على كل حال، هذا لا يعني أني أنا والبقية كنا مستثنيين من حفل ومراسم الإستقبال الدموي بل عملت تلك الساقطة (السجانة) التي تبين فيما بعد أنها مريضة نفسيا وجيء بها من مشفى الأمراض العقلية والنفسية لتمارس ساديتها القميئة وإنحرافها المخزي على المعتقلات الشريفات اللواتي اعتقلن فقط لأنهم شاركوا بالمظاهرات العارمة التي تعم المدن والأرياف السورية. هذه الحقيرة عملت كل جهدها لتجمعنا مع سجينات داعرات كن يعملن كفنانات استعراضيات في الكازينوهات والملاهي الليلية في دمشق وغيرها من المدن-هذه النوادي الليلية- يملكها أشخاص يعملون رجال أعمال متنفذين وضباط مخابرات في النهار وللأسف يعملون في الليل كقوادين بحجة جلب الإستثمارات وتشغيل الأيدي العاملة وطبعا لتشجيع السياحة وبالأخص السياحة الجنسية. هؤلاء الداعرات كن من مختلف الأعمار والخلفيات والمنابت و الجنسيات جيء بهن إلى المعتقل لأنهم حاولن التمرد ويعرفن الكثير من أسرار ملفات الفساد والصفقات المشبوهة التي كانت وما زالت تقوم بها الدوائر المقربة من الطاغية بشار (لا أريد ذكر أسماء لأن أسمائهم النتنة معروفة للجميع) هذه الصفقات كانت تتم عبر أجساد هؤلاء الداعرات مع رجال أعمال عرب وأجانب حديثي النعمة وقديمي النعمة ومن جماعة البيترو-دولار والمافيو-دولار و التيليكوم-دولار الهيروينو-دولار ولا ننسى مافيات تجار التحف والنساء والأثار القديمة إلخ..... وبعد أن انتهيت طقوس تعذيب المعتقلات اللواتي اشبعن ضربا بالسياط وتدوشن ببول هؤلاء الوحوش من الذكور تركن ينازعن في زاوية القبو وما زالت عيونهم مغلقة وأيديهم مربوطة خلف ظهورهن.



فقط وخلال دقائق معدودة جائت هذه السجانة القذرة والتي تفضل أن يناديها المعتقلات والسجينات بالمدام روعة طبعا هذا ليس هو اسمها الحقيقي لأن اسمها الحقيقي كان اسما شعبيا ريفيا ويبدو أنها كانت تفضل لقب مدام روعة عن مناداتها بالست روعة لأن وقع كلمة مدام كان يشبع فيها عنوستها الجائحة ويملأ عقد النقص والدونية التي كانت تشعر بها وتسقطها بشكل عنيف وسادي على المعتقلات وبخاصة السياسيات والتي كانت تعتبرهن مندسات و جواسيس يردن إسقاط النظام الذي يحمي حمى سوريا والأمة العربية وحتى الإسلامية!!! على كل حال، صرخت المدام روعة بصوتها الرجولي والذي زاد من جهوريته هو أسلوب تدخينها النهم و الفاحش للسجائر المستوردة وشربها التشيفيز ريكيل المستورد مع بقية الضباط..... عندها قالت هذه المدعوة روعة: الآن جاء دوركم يا خونة! ومن دون أي تردد لفّت السياط على يدها وبدأت بجلدنا من دون أي رحمة وبدأن الداعرات اللواتي تبين فيما بعد أنها تعاملهن معاملة خاصة Exclusive "يرقصن ويرددن: بص شوف مدام روعة بتعمل إيه" وكانت قهقهات الرجل التمساح ومعه قطيع من العناصر الذكور تملأ الزنزانة......وبعد أن انتهى هذا الطقس التعذيبي المقيت، كان الكثير منا قد أغمي عليه وأنا منهن، ومن ثم جاء أبو هادي وعناصره بمياه مضاف عليها على ما يبدو كلور الصوديوم وسكبوها على أجسادنا شبه العارية التي تكسوها ثياب شبه ممزقة.....كان الألم رهيبا ولا يوصف لذك قفزنا من الألم كالطيور المذبوحة وبدأنا بلعق جراحنا الملتهبة. الحمد للله أن شعري الكثيف قد حمى وجهي وصدري من لسع السياط أما أطرافي السفلية فنالت نصيب الأسد......قلت في سري "الله يسامحك يا دانيا لو كنتي لطيفة مع هذا الضابط ما كان صار معك هيك" وفجأة قلت الله يلعن أبوه كلب كان بس عبيجربني وبدو يتسلى وشافني بنت مهضومي و حلوي متل القمر وأكيد عرف إنو زوجي متوفي لهيك قللي ما تخافي رح وصي العناصر فيكي.....رجعت قلت بنفسي الله يبعتلو حمى - شكلو وصاهن وكتر- لكن صراخ السجينات وصراخ جسدي المبتل ولسعات السياط الحارقة جعلتني أكره هؤلاء الحثالة التي تحكمنا أكثر وأكثر......في برهة من الزمن خيم على المكان هدوء مطبق وغطسنا في نوم عميق أشبه ما يكون بسبات ذوات الدم البارد تماما كما تفعل الأوفيديا في فصل الشتاء.



لم أشعر بشيء وطبعا لم أكن أدري إن كان ليلا أو نهار ومضت أيام من القهر والتعذيب و الذل. بسبب ظلمة المكان كنا قد فقدنا التوقيت الزمني و التاريخ....وفجأة ومن دون مقدمات تبين لي أني كنت نائمة في زنزانة منفردة وحيدة بين جدرانها العالية وفيها شباك صغير في الأعلى يهرب منه النور الذي افتقدته لأيام أو ربما لأكثر من أسبوع. كنت على وشك الموت لأنه لم يقدموا لنا لا الماء ولا الطعام وفجأة سمعت صوت خطوات تمشي باتزان وجلجلة مفاتيح بالقرب من باب الزنزانة، وفجأة فتح الباب وكانت هناك المدام روعة وبيدها قنينة مياه معدنية باردة وكيس ورقي تفوح منه رائحة ساندويتشات شهية. تظاهرت بأني نائمة وتجاهلت وجودها.....هذه الساقطة لا تحترم حرمة المكان ولا طبيعة عملها كسجانة كانت ترتدي كعب عالي رفيع كراقصات البورنو و الستربتيز وغرزت كعبها العالي في ظهري وقالت لي "قومي ولي جاسوسي إنتي إمك رضياني عليكي قومي اتسممي الضابط ابراهيم درس ملفك وقللي هاي البنت ما في عندها أي خلفية سياسية" قلت بقلبي آآآه كيف لو بيعرفوا النشاطات إللي كنت قوم فيها شو كان صار فيني!! يالله يا بنت قومي شربي مي لإنو لو ضليتي هيك أكيد رح تموتي وهالشي كتير غلط لإنو في كتير ناس براة السجن بيحبوكي وأهم شي الثورة والثوار محتجينك...يالله قومي خليكي شاطرة وذكية واستغلي الظروف لصالحك ولصالح سوريا إللي عبتندبح كل يوم على إيدين هيك حيوانات ما بتخاف الله! عندها قلت لهذه السادية المنحرفة الله يخليكي بيكفي ذل أنا مواطنة سورية متلي متلك وما تفكري إنو إنتي بتحبي سوريا أكتر مني.....ثم قالت لي إخرسي أيتها العميلة أنت مندسة حقيرة قلت لها الله يسامحك هالوطن كبير بيسعني وبيوسعك وما فيكي تحتكري سوريا لا إلك ولا للجهة إلي عبتعملي عندها.....ثم صرخت كالكلبة المسعورة وقالت لي "إنتو جماعة المعارضة جماعة مندسين ومو شاطرين غير باللعي والفلسفي" قومي اتسممي، والله قسما عظما بخليكي تبوسي كندرتي من كتر الجوع والعطش....عندها قلت لها الموت أشرف وفجأة انقضت عليا بأسنانها و أظافرها المفترسة ورائحة الكحول والسجائر تملأ فمها فدافعت عن نفسي بالرغم من أني كنت شبه ميتة ولا أدري من أين أتتني القوة و تمكنت من غرز أظافري بوجهها وعندما رأت دمائها أصابها السعار وانقضت عليا بكل قوتها وفجأة سمعت صوت يشبه صوت الإنفجار في أمعائها كانت عبارة عن ركلة من قبل الضابط المدعي والمتظاهر بالحنان (الضابط ابراهيم) ثم جرها من شعرها وقال لها "أنا ما قلتلك بتعطيها الأكل والمي وبتطلعي لعندي" فقالت له نعم يا سيدي لكن هاي الجاسوسي استفزتني وعملتلي محاضرة بالوطنية وبالأخلاق! وبعد لحظات خرج هذا الضابط ومعه المدام روعة. أنا من شدة الإعياء والخوف والعطش فتحت قنينة المياه المعدنية وشربت حتى ارتويت وبالرغم من أن الجوع كان يفتك بي لم أثق بالوجبة الساخنة التي أحضرت لي بالرغم من رائحتها الشهية. في تلك اللحظة انفجرت بالبكاء تذكرت زوجي حبيبي المهندس غسان الذي مات بعد سنة من زواجنا بحادث أليم في دبي حيث كان يعمل في شركة مقاولات ضخمة....تذكرت أهلي وأصدقائي وجيراني وطبعا طنط سميحة السيدة الماركسية المثقفة الراقية التي اعتقلت معي والتي كانت على وشك افتراس هذا الضابط الغريب الأطوار ( الضابط ابراهيم ) الذي رأى نهودي العارية وحاول لمسهم أمام المعتقلات..... قلت في سري "يا الله شو بيكون صار فيكي هلق يا طنط سميحة....يالله... يا ريتها كانت معي هون بنفس هيدي الزنزاني كانت شربت مي وأكلت لإنو أكيد يا حبيبة قلبي هلق بتكون جوعاني وعطشاني بعد كل هالذل والتعذيب" وعندها تذكرت أن طنط سميحة كانت من ضمن النساء اللواتي غرقن في حمأة البول الذكورية التي تحمل رائحة الكحول الباردة.....من دون أدنى شك، كرامتي وعزة نفسي وكبريائي لم تسمح لي بالأكل لكن قلت في نفسي " لا.... يجب أن تأكلي لتكوني قوية ولنشوف شو آخرة هالإعتقال الوسخ هيدا! عندها بدأت بالأكل والبكاء بنفس الوقت.... كان بكاءً هيستيريا ممزوج بحرقة الإعتقال وكوني بعيدة عن أخبار الثورة والثوار وعن أهلي وبيتي وكمبيوتري وأخبار التنسيقيات والناشطين ومنظمي التظاهرات.....

 

 

وبعد أن انتهيت من الأكل كان هناك صراصير في الزنزانة شعرت عليهم بالشفقة، وقلت ما ذنب هذه الحشرات أن تكون معي في هذا المكان الكئيب والمظلم وهم يملكون الحرية ولا يوجد أي ديكتاتور يحكمهم، لذلك كان هناك بعض كسرات الخبز التي وضعتها أمامهم حتى يأكلوا..... بالنتيجة كانوا حذيرين وبعد برهة، اقتربوا رويدا رويدا وبدؤوا بقضم كسرات الخبز هذه. كانوا عبارة عن ثلاثة صراصير أصبحوا من أعز أصدقائي فيما بعد لأنهم ملؤوا عليا وحدتي وكنت أستأنس بهم بالرغم من كرهي الشديد لهذه الحشرات (أي قبل أن أعتقل) وأطلقت عليهم ثلاثة أسماء نوسة ولوزا وصديقهم بندق! هؤلاء الثلاثي المرح والنشيط أصبحوا من أعز أصدقائي فيما بعد بشرط ألا يقتربوا مني وأنا نائمة. وبعد هذه المناجاة الميلودرامية زادت عتمة وبرودة المكان وفجأة سمعت صوت أقدام..... هذه المرة مختلفة عن المرة الأولى وكانت على الأغلب أصوات خطوات رجولية وبعد لحظات فتح باب الزنزانة وكان هناك الضابط غريب الأطوار(الضابط ابراهيم) عندها كنت مستلقية على ظهري وبسرعة انقلبت على جنبي. كنت ألبس ثوبا فضفاضا أبيضا (قميص نوم يوجد فيه فتحة طويلة من عند العنق إلى أسفل، هذا القميص كانت قد جائت به المدام روعة ومعه علبة بودرة أطفال (بيبي تالك) لأن ثيابي الممزقة والمبتلة بالمياه المالحة التي كنا نرشق بها كادت أن تلتصق على جسدي وتلتحم به. على كل حال، تظاهرت على أن لا وجود لأحد في الزنزانة ولا حتى أصدقائي لوزا ونوسة وبندق.....كان شعري الكستنائي الطويل والكثيف يغطي وجهي ويلتف على صدري و أكتافي كما يلتف الثعبان على فريسته، وفي لحظات شعرت بجسد ذكوري دافئ ممدد بجانبي يهمس في أذني ويقول لي "لا تخافي الدنيا ليل وما في حدا هون إلا أنا وإنتي وفجأة شعرت بيداه تزيل شعري عن وجهي وصدري وبدأ يقول لي بهمس ابتلعه صمت المكان وحيرة الموقف وقال: قومي يا صغيرتي قومي يا جميلتي لأن الشتاء قد مضى والمطر راح وزال.......عندها تنهدت في سري وقلت هل هذا الضابط منتدب أيظا من مستشفى الأمراض العقلية والنفسية؟ يالله شو هالمصيبة هي!!!! عندها وضع يده بقوة تحت كتفي وجعلني أستلقي على ظهري مجددا لذلك انتابني خوف شديد لأني لم أكن أرتدي soutien (لم يقدموا لنا أي ثياب داخلية) ولذلك اندلق نهداي كطائري حجل بكل حرية خارج القفص ولأن القميص كان واسعا وفضفاضا جدا ومصنوع من مادة الخام/الكتان القطني المخصص للسجينات جعل صوت طيران طائري الحجل مرئيا بالرغم من أن الزنزانة كانت شبه معتمة.....في تلك البرهة سمعت رعشة تخرج من جسد الضابط ابراهيم وتسرع في نبضات قلبه وبعدها تحول إلى ذئب كاسر محاولا أن يقيد حركة طائري الحجل بقبضته الحديدية.....


 

يتبع........



dêtre poursuivi

 

 

To be continued



 

 


أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر مدونات ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !