الصورة لمبنى السرايا .. سجن اربد القديم .. الذي تحول الى مركز ثقافي وحضاري ...
في مساء خريفي رائق ، وفي باحة سجن اربد ( القديم ) كان لنا لقاء .. هنا في جنبات وأروقة وباحات وأقبية هذا المكان المظلم من تاريخ بلدنا .. ومن تاريخ مبدعينا الأوائل ..هنا وفي افياء حضارة عمرها من عمر الزمن يضج بها المكان ..وشواهدها وآثارها شاهدة على حقب زمنية سحيقة .. من معصرة الزيتون بالحجر البازلتي الأسود .. الى البوابات الحجرية .. بإحجامها المختلفة .. الى طريقة البناء المعماري الفريدة التي بني بها هذا المكان والذي يمتد الى ما قبل أيام الدولة العثمانية .. حيث كان محطة للرعاة وعابري السبيل ..ومن تقطعت بهم السبل .. ليكون من بعد ذلك تحت السيطرة العثمانية .. وليحول الى سجن بغيض في أعلى منقطة في اربد ( التل ) ليشرف على المدنية وكأنه يركبها ولعل في هذا رمزية يضج بها العنوان ..
القاص والروائي هاشم غرايبة وثلة من المبدعين .. كانت لهم تجربتهم الخاصة في أقبية السجن وجنابته .. واليوم نتذكر جميعا .. كيف رد هاشم على والده وهو ينصحه خوفا عليه من لسانه : ( ولك انت مجنون حتى تدفع عشر سنين من عمرك علشان تكتب سطرين ) ..... ليرد عليه هاشم في مقولة تدون الان في ( القط الذي علمني الطيران ) .. ( طيب ليش ما تكون الحكومة هي المجنونة حتى تحكمني عشر سنين علشان انا كتبت سطرين ) .. يتذكر هاشم مع ثلة من الرفاق في باحة السجن الذي سجنوا فيه فقط لأنهم قالوا كلمة أو كتبوا سطر .. ليقولا كلاما كبيرا وكثيرا ويكتبوا من بعد ذلك رواية .. بل روايات وقصص كثيرة .. لينهض احد الحاضرين ويعلق قائلا :
لو كانت الحكومات تدرك أن السجون من الممكن أن تتحول الى مراكز إشعاع وحرية وتعبير عن الرأي .. ومنارة فكر وثقافة .. وستحتفي هذه السجون بالذين سجنوا من قبل فيها لم فكرت ببناء السجون والمعتقلات ..
كان المساء ينذر بالمطر في بداية حفل توقيع الكتاب ( رواية القط الذي علمني الطيران - للاستاذ هاشم غرايبة )
ثم انقلبت الحال وبتنا نتفيأ الظلال تحت جدارن السجن الذي تحول الى مركز ثقافي وحضاري مهم في مدينة اربد . حينما اعتلى هاشم المنصة ..اخذ يوصف السجن وكأنه لم يخرج منه بعد ..وكأن الأمس هو اليوم وكأن اليوم هو الأمس .. في جو لم يخلو من الطرافة والغرابة والمرح أيضا ..
أضاف هاشم الى سلسة رواياته المتميزة عملا إبداعيا متميزا آخر .. فإلى جانب أوراق معبد الكتبا .. وبترا.. والشهبندر .. تصطف أختهم ( القط الذي علمني الطيران ) ...وكان التحليق اليوم في زمن بعيد ... يطل عليه هاشم من فوق تلة سامقة .. ليشرف على الحريات وهي تتفتح في أرجاء الوطن العربي من تونس كانت البداية .. والى محمد بوعزيزي . .كانت الهدية والإهداء .. في إشارة الى احترام الشباب وتطلعاتهم ...
ولنا لقاء ..
التعليقات (0)