بسم الله الرحمن الرحيم
السجل المدني مشروع التحدي
بدا جلياً في الاونة الاخيرة وبعد التطور الكبير الذي حدث في مجال صناعة اجهزة الكمبيوتر وملحقاتها من جهة وصناعة البرمجيات من جهة أخرى أن عملية جمع وحفظ المعلومات عن مجتمع ما اصبحت ضرورة حتمية لاغنى عنها للمساعدة في وضع الخطط الاقتصادية والسياسية والامنية والاجتماعية واتخاذ ما يلزم من اجراءات وتدابير في الوقت المناسب بحسب ما يملكون من معلومات يمكن الوثوق بها والاعتماد عليها. وعلى المستوى العالمي أصبحت تقانة المعلومات من أرحب مجالات النشاط الاقتصادي لكثير من الشركات والتي حققت جراء ذلك ارباحاً تفوق ميزانيات بعض الدول النامية .
والسجل المدني أحد المشروعات الضخمة التي تُُعني بتوفير المعلومات الخاصة بأي فرد يعيش داخل حدود السودان الجغرافية سواءً كان سودانياً أو غير ذلك ، وقد سعت لتنفيذ هذا المشروع وماتزال جميع مؤسسات الدولة ، خاصة وزارة الداخلية والمؤسسات ذات الصلة حتى يصبح واقعاً معاشاً ، إلا أن الكثير من المعوقات قد برزت لتعيق التنفيذ الكامل لهذا المشروع الاستراتيجي . ولئن كان هناك الكثير من المال الجهد قد بذلا في سبيله إلا أن ما نفذ ليس بحجم الطموحات التي تسعى لها الدولة وترغب بها مؤسساتها.
بالنسبة لنا في السودان حيث يعتقد الكثيرين بأننا مانزال بعيدين لتحقيق هذا الحلم إلا أنني وبالعكس أرى أننا قريبين من تحقيق هذا المشروع وذلك لسبيين رئيسيين ، أولهما أن التكاليف المادية لمدخلات تقنية المعلومات قد انخفضت كثيرا مقارنة بما كانت عليه في السابق ، وثانيهما أن الكادر البشري المحلي المدرب القادر على تنفيذ هذا مشروع أصبح متاحاً فالكليات المتخصصة في مجال تقنية المعلومات بفضل الله تقوم بتخريج المئات منهم سنوياً حتى ضاق بهم سوق العمل .
ولكننا في السودان لا نجيد استخدام أدواتنا المتاحة لإحداث تغيير ايجابي وسريع في مجال السجل المدني والاحصاء ، حيث يعتقد الكثير أن تنفيذ مشروع بهذا الحجم سيكلف الدولة جهداً أموالاً كثيرة لاسبيل لهما في الوقت الحاضر ، بدءً من توفير الكادر الذي سيقوم بتنفيذ هذه المهمة إلى توفير وسائل الحركة والتنقل ومعدات الإتصال وأجهزة الكمبيوتر وإنتهاء بالنثريات والحوافز المالية للفنيين الذين سيقومون بإنجاز هذا العمل . إلا أن الأمر يبدو أبسط مما يظن الكثير . فمقار العمل متوفرة ولكننا لا نلقي لها بالاً فدور اللجان الشعبية المنتشرة بكل احياء السودان يمكن استخدامها مقارأ لانجاز المشروع .
أما الكادر البشري المتمكن فنياً فهو أيضاً متوفر وبين أيدينا، ولكننا لانحسن استخدام هذا الكادر وتوظيفة التوظيف الامثل فبدلاً من توزيع خريجيّ الجامعات والمعاهد العليا، وخاصة ممن تخرج منهم في كليات تقانة المعلومات ، وعلوم وهندسة الحاسوب ، الاحصاء، على وزارات ومؤسسات الدولة المكتظة اصلاً بموظفيها والتي لا يحصل فيها الخريج على الساعات الكافية للتدريب وممارسة التخصص وإكتساب الخبرة ، فلماذا لايتم توزيع هؤلاء الخريجيين لأداء الخدمة الوطنية باللجان الشعبية داخل احيائهم للانخراط في تنفيذ هذا المشروع الهام والحيوي مما يتيح لهم الفرصة الكافية لممارسة تخصصاتهم على أرض الواقع وإكتساب الخبرات الحقيقية ، كما أن الاعتماد عليهم لأداء هذا الواجب له العديد من المزايا التفضيلية ، فالخريج أبن الحي تجمعه وبدون شك صلات قوية وعلاقات اجتماعية مميزة بالأسر داخل الاحياء ومكوناتها السكانية مما يجعل عملية الحصول على المعلومات من مصادرها مباشرة أمراً في غاية السهولة واليسر وفي وقت وجيز ، كما تنتفي الحاجة هنا إلى توفير ميزانية ضخمة لابد من رصدها لتسيير العمل . فهنا لايوجد أي إلتزام مادي بين الجهة التي ستشرف على المشروع -والتي أرى أن تكون منسقية الخدمة الوطنية -والطلاب القائمين على تسجيل المعلومات باستماره تعد سلفاً من قبل جهة فنية متخصصة يراعي عند تصميمها توفير كافة المعلومات المطلوبة ، بعدها تبدأ عملية ادخال هذه المعلومات وحفظها على أجهزة الكمبيوتر بطريقة مرتبة ومنظمة تجعل من عملية استخراج المعلومة من جهاز الكمبيوتر أمراً في غاية السهولة واليسر .
كما أن الحاجة لاستخدام المركبات في الطواف داخل الاحياء لجمع المعلومات تكون معدومة ومايقابل ذلك من توفير للوقود وقطع الغيار وسائقين للمركبات لأن عملية جمع المعلومات تتم داخل مساحة محدودة ومحددة بالحدود الادارية لكل حي.
أما فيما يخص توفير أجهزة الكمبيوتر فيمكن الزام اللجان الشعبية بتوفير هذه الاجهزة من ميزانياتها ، خاصة إذا علمنا ان اللجان الشعبية تفرض مبلغ خمسة جنيهات على المواطنين كرسوم لاستخراج شهادة السكن كما يمكن التنسيق مع المحليات لاستقطاع نسبة لا تتجاوز الـ 5% من رسوم النفايات المستخلصة من كل حي لتمكين اللجان من شراء جهاز كمبيوتر واحد على الاقل.
وبعد الانتهاء من عملية أدخال المعلومات وحفظها بجهاز الكمبيوتر الخاص بكل لجنة حي يتم نسخ المعلومات على اسطونات وتسليمها لامانة المؤتمر بالحي والذي لابد أن يكون مشاركاً مع ورئيس واعضاء اللجنة الشعبية بالاشراف على خطوات تنفيذ وسير العمل والذي يقوم بدروه بتسليمها لأمانة المؤتمر بالمنطقة التابع لها إدارياً ، والتي يكون دورها هنا تجميع المعلومات المتحصل عليها من الاحياء التابعة لها وحفظها بجهاز كمبيوتر خاص بها، ومن ثم نسخ المعلومات على اسطونات وتسليمها لأمانة المحلية والتي يقع عليها عبء تجميع وحفظ المعلومات الواردة لها من أمانات المناطق، ومن بعد إيصالها لامانة الولاية التي تعمل على تجميع المعلومات الواردة لها من المحليات ومن ثم تمليك هذه المعلومات إلى الجهات المختصة .
في الختام لا بد من الاشارة هنا إلى أن عملية تحديث المعلومات لابد أن تتم سنوياً من اجل تسجيل المواليد الجدد والوفيات التي حدثت خلال العام الماضى وتحديث المعلومات الاخرى الخاصة بكل مواطن ، عندها فقط لن نكون في حاجة لاجراء تعداد سكاني تكون مخرجاته النهائية ليست بمستوى الجودة المطلوبة رغم ما أنفق عليه من وجهد واموال طائلة يمكن توجيهها لمشاريع اخرى . ليس هذا فقط بل إن فسيفساء هذه المعلومات ستشكل خارطة السودان السكانية ومايتبعها من تحديد للانشطة الاقتصادية لأي مجتمع ومعرفة الفئات العمرية الغالبة على تجمع ، وتحديد نسبة النمو السكاني والوفيات والامية والبطالة بدقة ، ومعرفة العدد الحقيقي لحملة الشهادة الجامعية ومافوق ذلك وما دونه ومعرفة التخصصات الاكثر انتشاراً ، والكثير من المعلومات المهمة التي تدخل في عملية التخطيط الاستراتيجي للدولة وبهذا نكون قد خطونا خطوات واسعة للأمام نحو تحقيق مشروع الحكومة الالكترونية بما توافر لدينا من بنيات تحتيه وخبرات لازمة للمشروع.
خالد محمود سليمان
التعليقات (0)