في المملكة العربية السعودية الدولة الأعمق دينيّاً و الممتدّة فيها الجذور الإسلامية و الراسخة و المتمثّلة في الحرمين الشريفين , عاشت منذ أن وعى أهلها على حقيقة المتغيّرات من حولها عاشت صراعاً صنّف أو كان هدفه بالفعل أن يصنّف المجتمع في أوعية صحوية أو حداثيّة أو ليبرالية أو علمانيّة أو إسلامية و قس على هذا تعدد و تنوّع المسمّيات سواء ما يدخل في الإسلاميّة من فروع كـ السلفيّة و " الإخونجيّة " أو التيّار المحافظ الذي يتوجّس من أي خطوة جديدة أياً كانت ! وما نشأ من تيّارات فقست من تشدد الصحوة و عنتها كالتنويريين إن صحّ السياق و هم من كان يمثّل تشدد " الصحونجيّة " في فترة من الفترات على الأرجح .
منذ أن خلقت تلك التيّارات في المجتمع و هي تيّارات " صداميّة " مع بعضها البعض , الكل يريد أن يتزلّف و يتقرّب من السلطة أو السلطان ! فـ ضاعت حقوق البسطاء من المواطنين بين منبر جمعة و مقال ليبرالي ! و فضلاً من أن تقدّم هذه التيارات ( باختلافها في وجهات نظرها ) أن تقدم خدمات جليّة يستفيد منها المواطن و أن يكون هذا الصراع الفكري و العقلي صراح إحياء و وعي لا صراع " أكون أو لا أكون " كان و للأسف أصبح صراع مبدأه " أن اختلف معك أوّلاً ثم نتحاور " !
طيلة عقد من الزمان لم يستفد المواطن كثيراً أو لنقل على قدر المأمول أوعلى قدر صراخ هذه التيّارات , لم يستفد المواطن منها شيئاً غير الفرقة و الاختلاف و أن الرأي النقدي الذي يصيب به عقلك قبل لسانك و قلمك أي جهة حكومية أو مؤسسة دينيّة أو قطاع ثقافي فـ سوف تصب عليك أحد هذه التيّارات غضبها " و معها جمهورها " العريض الذي يرميك بالتهم و التجرّد من الوطنيّة و " العمالة للخارج " لمجرّد أنّهم أحسّوا أنّه بنقدك تلك الجهة تنتمي لتيّار معادي لهم ولو كنت غير ذلك تماما ً !
لذلك من أعظم الأمور السلبيّة التي خلقها هذا الصراع الغير مفيد أبداً هي التشكيك بالنقد العقلاني لأي جهة ما , و بالتالي لن يصل نقدك و قّوة حضورك لتعديل سلبيات عدّة في أي جهة حكومية و السبب بسيط جداً هو أنّك برأيك هذا في نظر التيّارات أو أحدها تنتمي إلى تيّار إمّا معادي و إمّا عميل ! لهذا ضاعت الكثير من فرص الحلول لـ غياب الاتفاق على القضايا .
أي حكومة في العالم سواء كانت ديكتاتوريّة أو دون ذك ستسعد بلا شك من هذا الصراع الدائم بين التيّارات الذي يخفف عنها أعباء المواجهة , و يسهّل من عملية الاختلاسات و انتشار الفساد المالي و الإداري و المحسوبيات و ناهيك عن العمولات الخارجيّة و يندرج تحت ذلك جشع التجّار و سرقة الوطن إن كان أراضي أو " حقوق " أو هشاشة البنيات التحتيّة و نحوه من مصائب تحدث في " أي بلد " حينما يكون الصراع بين نُخَبِه الثقافية و الحداثيّة و الاسلامية لا يتعدّى رفع الصوت و التخوين !
للأسف أن احتياجات المواطن و معرفته بحقوقه غائبة جداً و إن كانت تهبط عليه من مظلّة المكرمة ! و لكن هذا لن يدوم , فـ جهل المواطن بحقوقه و انشغاله بالحمق الذي تمارسه هذه التيّارات لن يكون من صالحه أبداً ! فالكل (أي من هذه التيّارات) يريد أن يأخذ نصيب الرضى من المواطن والكل يعزف على الوتر الحساس للمواطن , فالإسلاميين يعزفون على وتر الدين , و الليبراليين يعزفون على وتر التقدّم و التمدّن , و المواطن يعزف على أوتار كثيرة لعلّ أشدّها ألماً الفقر و الوظيفة و السكن !
التعليقات (0)