.
السادس من أكتوبر .. وجيل النصر العظيم
أسود يوم في حياتي هو يوم 9/6/1967 يوم أن علمنا أن إسرائيل وصلت إلى شاطئ القناة ، ذلك كان يوماً رهيباً لا يمكن أن يتحمله قلبي بمواصفاته الحالية .. وأحلى يوم في حياتي على الإطلاق هو يوم 9/10/1973 عندما رأيت بعيني ومن فوق سطح منزلنا ( في عزبة موسى بالجمالية دقهلية ) طائرات العدو تهوي أمام عيني في حقول الأرز الممتدة مئات الكيلومترات ، والملايين تجري وتصفق وتهتف وتكبّر تحت المعركة على السطوح وفي الحقول ، يا لها من ساعات جميلة لا يضاهيها إلا أن تدخل المعركة وتستشهد بنية خالصة لإعلاء كلمة الله ، وتستقبلك الملائكة وترى جعفر الطيار رحمه الله يطير في الجنة بجناحيه محلقاً فوق رأسك .
في السادس من أكتوبر 1973 عبرنا أكبر مانع مائي وخلفه أعقد خط دفاعي – عبرنا قناة السويس وأنزلنا الساتر الترابي الرهيب وحطمنا خط بارليف الحصن الحصين ، ولقنّا العدو الصهيوني درساً لن ينساه ، فقد أفقدته المباغتة توازنه وحطمت الطائرات مواقعه وأغلقت الصاعقة أنابيب ( نابالمه ) المعدة لإشعال القنابل ، وجرفنا الساتر الترابي ، وفتحنا ثغرات فيه ، ونصبنا الكباري لعبور الدبابات ورفعنا العلم على أعلى مكان في سيناء على شط القناة وأفزعنا العدو وأبكينا قياداته السياسية والعسكرية وأرعبنا الصهاينة وفاجأنا الأمريكان ، وتضامنا تحت قيادة الملك فيصل والرئيس السادات رحمهما الله ، وغسلنا عار هزيمة 1967 ، وإن كانت نهولها يصعب علينا إزالة تداعياتها ونتائجها داخل فلسطين ، ومؤهناً على العملاء من العرب الذين كانوا يبلغون العدو بمخططاتنا وعبرنا الهزيمة ، وتغلبنا على الحصار التسليحي السوفيتي والأوربي والأمريكي ، وفاجأنا العالم بالنصر العظيم في العاشر من رمضان العظيم الموافق السادس من أكتوبر 1973 م .
يحلو للبعض – كعادتنا في جلد الذات – أن يهوّن من هذا النصر العظيم ، فأطلب ممن يستهين بهذا النصر أن يرجع إلى مقال محمد حسنين هيكل الذي كتب قبل المعركة وبيّن أن 85% من العابرين في الدفعة الأولى من الجيش المصري سوف يبادون .. أتمنى على الكاتب محمد حسنين هيكل عند حديثه عن أكتوبر 1973 في برنامج ( تجربة حياة ) أن يظهر هذا المقال ويذكرنا به ونعلم ماذا كتب فيه بالضبط ، فيوم أن قرأنا هذا المقال اجتمعنا في دكان عبد القادر لاشين عاشق هيكل ، وأخذنا نتحاور ونتناقش وكنت أبكي على أمي عندما تسمع عن هذه المقال وأبناؤها كاظم وخليل وأبو العطا ومحمد وحازم في المعركة ، وأن المقال يقول إن ثلاثة أرباع أبنائها سيقتلون لحظة عبور القناة ، يا للهول ، أي قلب بشري يتحمل ذلك .. لكن علمت أمي بالمقال وقالت : ( يا أولاد ، الله كريم وكبير ، والمقدر لا بد أن يكون ، فهونوا عليكم ، فهذه كلها تحليلات جرايد ) ، وكانت أمي مثقفة لم يفتها سماع نشرة أخبار ، وحتى في أيام الموت والفرح كانت تسمع الأخبار وتسمع من لندن والقاهرة وصوت العرب ، رحمة الله عليها ، عندما مات أخي ميسرة رحمه الله أشفقنا عليها لأنها كانت قد أجرت عملية جراحية في عينيها ، وعندما نقلنا أخي ميسرة من الإسكندرية إلى البلدة نامت على السرير بجواره وهو مكفن ، وقالت : ادعوا الله له بالجنة ، وعندما مات والدي وأخي إبراهيم رحمهما الله أخفينا عنها موت إبراهيم لأنها كانت طاعنة في السن وخشينا عليها من هول الصدمة ، وعندما أصيب أخي أبو العطا في حرب أكتوبر 1973 وأحرقت دبابته ونقل إلى القصر العيني بالقاهرة ، لم تضجر بل قالت : الحمد لله ، الحمد لله ، الحمد لله .
هكذا عاش الشعب المصري أيام النصر العظيم ، وهكذا كان يوم السادس من أكتوبر 1973 من أعظم الأيام ، لكن للأسف يحلو للبعض أن يهوّن من هذا النصر ويطمره ، لكن ستظل وقائع العبور العظيم شاهدة على هذا النصر العظيم في السادس من أكتوبر 1973م العاشر من رمضان العظيم .
بقلم : د . نظمي خليل أبو العطا
أخبار الخليج – منتدى الجمعة – العدد ( 10423 )
التعليقات (0)