من الناس من يسبق عصره وتكون نظرته المستقبلية التي تعبر عن رؤيته المتقدمة للأحداث التي سوف تحدث والتي يتوقعها ببصيرته لعمق تفكيره في مقدمات تحدث ويرى نتائجها حيث يراها بعقله ولا يراها الناس لأنهم لا يجهدون عقولهم في استقراء ما يأتي في قابل الأيام كما أنهم لا يتدارسون أحوال الأمم وأحداث التاريخ ولأن الغرق في الحاضر المشاهد يبعد عن الاستشراف للمستقبل القريب والبعيد ولكن التوقعات المبنية على دراسة التغير في الأمم وحياة الشعوب كما دعا إليها القرآن في مواضع كثيرة بالسير والدراسة في أحوال من سبق من الأمم وكيف اندثرت حضاراتهم سواء لأنها مثل كل كيان له أجل ينتهي أو لأنها تتوقف عند الشعور بالتفوق فيقل عطاؤها وتركن إلي الراحة حتى يتقدم عليها سواها في نفس المسار أو في غيره فمثلا إذا كانت الحضارة في البناء تقدمت عليها حضارة أخرى في الطب أو الهندسة أو الفلسفة حتى يصبغ العصر بنوع حضارته ولأن الفكر الإنسانى محدود بطبعه وفي نطاق خبرته وتفوقه وخبرة رواده هو بذلك محدود في نطاق تمليه عليه ضرورات الحياة وإمكاناتها كالبترول مثلا في حقبة من الزمن وقد تتلو هذه الحقبة حقبة الطاقة الشمسية فتنشأ حضارة وصناعات تعتمد علي مصدر الطاقة الجديد وهكذا ومن هنا نجد أن مجال الحضارة محدود ومنقطع ومنته وتمضى عجلة التاريخ متغيرة وتتغير معها وجوه الحضارة وقد شهدنا تغير الحضارة في عدة عقود انتهت بحضارة انتشار المعلومات وسهولة الحصول عليها وانتقالها من دولة إلى دولة بعد أن كانت ظواهرها في الأبنية الفخمة من المساجد أو الإنشاءات الضخمة ...إن الحضارة الحالية التي تعتمد علي الشبكة العنكبوتية مثل كل ما سبقها من الحضارات تحمل في طياتها وسائل اضمحلالها وموتها وتحمل من التشوهات التي تصيبها مما يعجل بفنائها فمثلا هي تحمل معها ما يشغل الشباب ويحتوى علي تسطيح الأفكار فبذلك تكون آيلة للسقوط نتيجة سهولة الحصول علي المعلومات فيتكاسل من يطلبها لأنها مبذولة بغير حدود وهي كالهواء رغم حيويته وأهميته للحياة لا يلتفت إليه كل باحث حتى صار الهواء مقتلا للبشر بالتلوث وأيضا لأن كل سهل مهمل وكل صعب محل اهتمام كالماء والجواهر فالماء الذي تحيا به لا يساوى جوهرة مدفونة في الرمال وهذه نظرة قاصرة لا تأخذ الأهمية في عين الاعتبار
التعليقات (0)