الزّواج المنقطع بين التّحليل والتّحريم
ومتطلّبات الواقع العصري
متابعة: حسين أحمد سليم
الزّواج المنقطع, أو ما يسمّى بالزّواج المؤقّت, أو ما يتمّ التّداول به على ألسن العامّة بزواج المتعة... هو قضيّة هامّة من القضايا الفقهيّة الشّائكة والمعقّدة, التي أهرق حولها من حبر الطّباعة, ما لم يهرق حول مثيل لها من القضايا الأخرى المعقّدة والشّائكة, والتي كثر فيها وحولها الجدل والإجتهاد, والمواقف المتطرّفة, بين مذهب أهل السّنّة ومذهب أهل الشّيعة, فأهل السّنّة حرّموها... وأهل الشّيعة أباحوها... ولكلّ منهجه الذي يتحصّن خلفه, وموقفه الذي يعتمد عليه من الرّوايات وغيرها في اجتهادات وفتاوى التّحريم واجتهادات وفتاوى الإباحة...
وليست قضيّة زواج المتعة, سوى واحدة من تلك القضايا الخلافيّة, التي تلقي الضّوء على أزمة معيّنة, قائمة بين رؤى طائفتين كبيرتين, والتي دفعت إلى قلب الحقائق, وتحويل الفروع إلى أصول, وخلط الفقه بالعقيدة, من أجل الإحراج والإرهاب, بحيث دخلت هذه القضيّة في دائرة الأصول والعقائد... ممّا دفع بالكثير من المجتهدين, إلى الفرار من ساحة الإجتهاد حول هذه القضيّة, وغيرها من القضايا التي يتطلّب الخوض فيها, كسر العديد من الحواجز والرّوايات...
وما دام قد تساوى الموقفان, فإنّ القضيّة بهذا, تدخل في الدّائرة الفقهيّة الإجتهاديّة, التي يجوز الأخذ والرّدّ فيها... والتي توجب من باب الموضوعيّة والأدب العلمي, الوقوف عند الحاجة العصريّة, لوضع الضّوابط الكفيلة بشرعيّة هذه القضيّة, وكيفيّة تطبيق زواج المتعة وفق إجراءات صحيحة, ليبرز من جديد, ويؤدّي دوره ورسالته التي شُرّع لأجلها, والتي بات مجتمعنا اليوم, بأمسّ الحاجة لها, أمام التّحدّيات العصريّة, التي تقف بالمرصاد... لأنّ الدّين هو نظام سير صحيح للإنسان في هذه الحياة, وهو ما جعله الله لليسر وليس للعسر... وعلى جميع الفقهاء والمجتهدين من كلا الطائفتين, التّعاون بالإجتهاد والتّكامل والتّنسيق, بما يكفل الحياة المشروعة للنّاس, فيما يتعلّق بهذه القضيّة الإنسانيّة الإجتماعيّة الدّقيقة والمعقّدة والشّائكة, وهو دورهم الرّياديّ والقياديّ, الذي بوّؤوا أنفسهم له, ونصّبوا أنفسهم للنّاس أئمّة وقادة, تكليفا وليس تشريفا...
فالزّواج أساسا, شُرّع لتحقيق تكوين الأسرة من جهة, ومن جهة أخرى, تحقيق الإشباع الجنسي... لأنّ الله خلق المرأة سكنا للرّجل, كما خلق الرّجل سكنا للمرأة... وليس من المعقول, إغفال العامل الجنسي, ودوره في استقرار الأسرة, واستمرار الزّواج, ونحن لا نواجه رسلا معصومين, وإنّما نواجه بشرا مخلوقين, لهم غرائزهم وشهواتهم, التي تشكّل الدّافع الأكبر نحو الزّواج, فإذا ما حدث خلل أو تقصير في الجانب الجنسي, فإنّ مستقبل هذا الزّواج سوف يكون مهدّدا, ولم ولن ولا تفلح المثاليّة والقيم في تحقيق الإستقرار والدّيمومة له...
الدّافع الجنسي الغريزي هو الدّافع الأوّل, الذي يدفع بالرّجل نحو الإقتران بالمرأة... يأتي بعده الدّافع الأسري, أي الإنجاب وتكوين الأسرة... ولا يمكن القول أنّ الرّجل المتقدّم للزّواج اليوم, قد وضع في حسابه أهداف الزّواج ورسالته, أو هو على وعي بهذا الأمر... كذلك حال الفتاة التي سوف يقترن بها... بل هو حال أسرة الزّوج وأسرة الزّوجة... فالجميع قد أغفل هذا الأمر الهامّ, وصبّ اهتمامه وتفكيره في المحيط المادّي, أي توفير الإمكانات المادّيّة لمثل هكذا زواج, فالزّوج الصّالح في نظر الأسر والعائلات اليوم, هو الزّوج القادر على القيام بأعباء الزّواج وتكاليفه... أمّا ثقافته ووعيه بأهداف الزّواج ورسالته, فتلك قضيّة لا تشغل بال القوم ولا تعني بال العائلات بشيء...
من هنا, فإنّ حالة الزّواج اليوم, هي حالة مادّيّة بحتة, تقوم على أساس المادّة والشّهوة الجنسيّة, ولا تضع في حسابها أهداف الزّواج ورسالته, والأهليّة لتحمّل المسؤوليّة... ممّا نتج عن هذه الصّورة من التّطبيق العشوائي للزّواج, الكثير من المشكلات التي تؤدّي غالبا إلى الإنفصال بين الزّوجين, وسقوط الأسرة بعد فترة قصيرة من تأسيسها... ونحن اليوم نواجه, حالات كثيرة من الزّواج الدّائم, سرعان ما تتحوّل إلى زواج مؤقّت, بسبب خلافات وتنافر وعدم وعي وخلافه...
من هنا, يمكن القول أنّ مستقبل الأسرة, أو مستقبل الزّواج أمر لا يرتبط بمسألة الدّيمومة بقدر ما يرتبط بمدى وعي الزّوجين وتمسّكهما بالأخلاق الكريمة والمناقب الرّفيعة في رضى الله وتقوى الله وعلى سنن الله وشرائعه...
فالوعي والقيم والأخلاق الكريمة والمناقب الرّفيعة... هي التي تحفظ الزّواج وتحقّق الإستقرار والدّيمومة له... ومثل ذلك ينطبق بحذافيره على الزّواج المؤقّت, أو الزّواج المنقطع, أو ما يسمّى بزواج المتعة... فإنّ الوعي الباطني والعرفان الذّاتي, وعقلنة القلب وقلبنة العقل, والإستنارة بالإستبصار, والقيم العالية والأخلاق الكريمة والمناقب الرّفيعة هي التي تحفظ هذا الزّواج ولا تخرج به عن هدفه ورسالته...
إنّ زواج المتعة, إنّما يقوم على وضوح الرّؤية والهدف من البداية, بينما الزّواج الدّائم الذي هو الأصل, لا يضع في حسابه شيئا من الوعي والوضوح بمسألة الكفاءة, وتحمّل المسؤوليّة والوعي بأهداف الزّواج ورسالته...
المشكلة الجنسيّة فرضت نفسها على واقعنا العصري, وبات من الضّروري مواجهتها وحسمها, لا التّهرّب منها ومحاصرتها بشتّى المواعظ والزّواجر... وقد زاد هذه المشكلة حدّة حالات الإختلاط بين الشّباب والشّبات والرّجال والنّساء في شتّى الميادين والمجالات والأعمال...
والإسلام كدين سماوي مقدّس, لا ينكر الطّاقة الجنسيّة, ولا يكبتها, ولا يحاربها, بل يعترف بها, ويُيسّر السّبل لها, لتفريغها بالطّرق المشروعة, التي تحقّق المصلحة وترفع الضّرر... والغريزة الجنسيّة لا يمكن مقاومتها, بل يجب الإعتراف بها كغريزة فطريّة, جبل عليها الإنسان واعترف بها الإسلام والقرآن...
وحسما للفوضى الجنسيّة وإشاعة الإباحيّة والحيلولة دون الإنحراف نحو الزّنا, فإنّنا نقف أمام عدّة حلول... تقضي إمّا بكبت الشّهوة الجنسيّة, وهو ما لا يتطابق والفطرة التي فطر الإنسان عليها, عدا ما تؤدّي من مضاعفات سلبيّة وأضرار نفسيّة واجتماعيّة, تؤدّي بصاحبها إلى الإنتحار أو إحداث ردود فعل عكسيّة, تدفعه نحو ممارسة الإغتصاب وارتكاب الجرائم الجنسيّة, وهي حالات تزداد يوما بعد يوم على ساحة المجتمع الإنساني...
وإمّا تحقيق النّكاح الدّائم, الذي تعترضه الكثير من الصّعوبات, ولو كان ميسورا لما كانت هناك مشكلة... ثمّ أن الزّواج الدّائم في حالة تحقيقه, قد لا يحلّ المشكلة الجنسيّة, وبالتّالي تبقى المشكلة قائمة, رغم تحقّق الزّواج, ممّا يدفع بالزّوج أو الزّوجة إلى الإنحراف أو الإنفصال...
ويبقى الحلّ الذي يتمثّل بالزّواج المؤقّت, أو الزّواج المنقطع, أو ما يسمّى بزواج المتعة, فارضا نفسه على الواقع كبديل شرعي وواقعي, لمواجهة حالة إجتماعيّة قائمة, تتفاقم بشكل مستمر, وتتركّز في تلك القطاعات الشّبابيّة, التي تأخّر بها سنّ الزّواج رغم أنفها, نتيجة لمتغيّرات العصر وقلّة الحاجة وضيق السّبل...
إنّ الزّواج المؤقّت, إنّما يفرض نفسه إجتماعيّا, كحلّ جذري وبديل واقعي, لحالة متفاقمة, تهدّد أمن المجتمع وتفتح الأبواب أمام الإنهيار الإخلاقي وشيوع الفاحشة... ومفهوم الزّواج بشكل عام هو الوطء الجنسي, أو اللقاء الجنسي, وما هو إلاّ التّطبيق الحقيقي للزّواج وبدونه يصبح الزّواج هامشيّا...
ومن هنا, إذا كان الوطء هو هدف الزّواج المؤقّت أو الزّواج المنقطع أو ما يسمّى بزواج المتعة, فإنّ هذا الزّواج لا يخرج بالتّالي عن الرّسالة الحقيقيّة للزّواج... فكم من حالات الزّواج الدّائم لا يتحقّق فيها الوطء... فهل هذا يعني أنّ مثل هذه الحالات لا ينطبق عليها مفهوم الزّواج... وكم من حالات من الزّواج الدّائم لا تتحقّق لها الدّيمومة, فهل يعني هذا أنها تخرج عن مفهوم الزّواج؟!...
الحقيقة أنّ الزّواج المنقطع, أو الزّواج المؤقّت, أو ما يسمّى بزواج المتعة, ما هو إلاّ زواج شرعي كامل, لا يختلف عن الزّواج الدّائم بشيء, سوى مسألة التّأقيت... ويشتمل على كافّة الشّروط الشّرعيّة, التي أمر بها الله وفق سننه وشرائعه, وعلى رأسها الإيجاب والقبول وتسمية المهر وخلوّ الزّوجة من الموانع الشّرعيّة, وبهذا لا يخرج هذا الزّواج عن رسالة الزّواج في شيء...
هذا وقد شُرّع زواج المتعة للعانس المتقدّمة في العمر, وللثيّب ولمواجهة حالات إجتماعيّة قائمة وطارئة تتمثّل بكثرة الثيّبات الأرامل, والمطلّقات في مواجهة كثرة من الرّجال, لا يملكون الباءة, والقدرة على القيام بأعباء الزّواج الدّائم... وهنا يكمن الحلّ في مواجهة هذه الحالات, هو الإتّجاه نحو الزّواج المؤقّت المشروع بكافّة ضوابطه الأخلاقيّة والدّينيّة, الذي لا يكلّف مؤنة ويحصّن هذا الكم من النّساء من الإنحراف...
هذا ويعتبر الزّواج المؤقّت, هو زواج تجربة بين طرفين, ضاقت بهما السّبل, نحو تحقيق الزّواج الدّائم... وهي تجربة مشروعة, تقوم على أساس الوعي والوضوح... الوعي بعلاقة كلّ طرف بالآخر وحدود العلاقة... والوضوح بأهداف هذا الزّواج ورسالته... وقد ينتج عن تجربة هذا الزّواج المنقطع, الوئام والإنسجام بين الطّرفين, فيتّجهان نحو الزّواج الدّائم, وقد يحدث التّنافر فيذهب كلّ منهما إلى حال سبيله... ومثل هذه التّجربة تعتبر أفضل بكثير من تجربة الزّواج الدّائم في زماننا هذا, والتي تقوم على أساس الغموض, وعدم معرفة ووعي كلّ من الطّرفين بالآخر, ممّا ينتج عنه, أن تصبح الزّوجة مهدّدة باطّلاق في أيّ وقت, وأحيانا ما تقود الخلافات الزّوجيّة إلى قتل الزّوج أو قتل الزّوجة...
ومثل هذه التّجربة هي أفضل كثيرا, من ذلك الوضع المهين, الذي تعيشه كثير من النّساء, السّابحات في بحور الرّذيلة, المتقلّبات بين شتّى الرّجال, دون ضوابط أو محاذير... ففي ظلّ هذه التجربة المشروعة, لن تخسر المرأة شيئا, بل سوف تربح علاقة شرعيّة, بزوج قد ينبني عليها مستقبل مشرق لها, في ظلّ أسرة مستقرّة ثابتة الأركان... ومن الخير للمرأة, أن تخوض هذه التّجربة بدلا من انتظار السّراب في ظلّ ظروف اجتماعيّة قاسية, قد تفرض عليها أن تكون عزباء طوال عمرها, أو تعرّضها للإنحراف في طريق الرّذيلة...
إنّ حالة تطبيق زواج المتعة, لا يمكن ضمان نجاحها وانضباطها بأحكام الشّرع, إلاّ إذا تحلّى طرفا الزّواج بقدر من الوعي الكامل والخلق الكريم, والتّمسّك بالقيم العالية والمناقب الرّفيعة, حتّى يحفظا هذا الزّواج, ويبتعدا عن الوقوع في المحظور, أو استغلال هذا الزّواج في مآرب أخرى, ما أنزل الله بها من سلطان...
إنّ سلاح القيم والأخلاق, هما الفيصل في العلاقات الإنسانيّة بصورة عامّة, وفي الزّواج بصورة خاصّة... فالقيم والأخلاق, يستقيم على أساسها الزّواج الدّائم أو المؤقّت... والضّابط هنا ليس عقد الزّواج المؤقّت المدوّن من قبل مرجعيّة دينيّة أو الجهات المختصّة... إنّما الأمر أوّلا وأخيرا, يعود إلى الخلق والقيم والوازع الدّيني, الذي يتحلّى به كلّ من الزّوج أو الزّوجة, في الزّواج الدّائم أو الزّواج المؤقّت... وسلاح القانون لا يكفي كأداة ردع في حسم الخلافات الزوجيّة في الزّواج الدّائم, والتي تكتظّ بها المحاكم الشّرعيّة اليوم... ويبقى سلاح الخلق والقيم هو الرّادع الأكبر, لحسم هذه الخلافات, وتحقيق الإستقرار والوئام بين الزّوجين... وهو ما ينطبق على الزّواج المؤقّت... ويبقى سلاح الخلق والقيم هو الفيصل, لا سلاح القانون... فالقانون لا يرقب سلوك النّاس ولا يرصد مواقفهم وممارساتهم, وإنّما الرّقيب الدّائم للمرء, هو إيمانه وخلقه ووازعه الدّيني...
مشروعيّة زواج المتعة, لو أنّ المسلمين عملوا بها على أصولها الصّحيحة, من العقد والعدّة والضّبط وحفظ النّسل منها, لانسدّت بيوت المواخير, وأوصدت أبواب الزّنا والعهّار, وقلّت أو انعدمت ويلات هذا الشّرّ على البشر, ولأصبح الكثير من تلك النّسوة المتهتّكات, مصونات, محصّنات... ولتضاعف النّسل, وكثرت المواليد الطّاهرة, واستراح النّاس من اللقطاء... وانتشرت صيانة الأخلاق, وطهارة الأعراق, إلى كثير من الفوائد والموانع التي لا تعدّ ولا تحصى...
والزّواج المنقطع, الذي يقرّه الفقه الجعفري, مستندا إلى كتاب الله وسنّة نبيّه, هو الحلّ لجميع مشاكل التّطوّر الإجتماعي في حياة الأسرة.. والزّواج المنقطع, هو الزّواج الكامل, مع فارق التّوقيت, وهو البديل الشّرعي عن الزّواج المدني, الذي يلجأ إليه الضّائعون, الذين يفتّشون عن صيغة للزّواج المناسب, لظروف المجتمع الذي يتطوّر بسرعة مذهلة...
إضافة للشّروط المعمول بها في الزّواج الدّائم, والتي هي نفسها في الزّواج المنقطع, ما عدا التّأقيت في الزّواج المنقطع, فقد اجتهد الفقهاء, فيما يُشترط في زواج البكر, سواء كان زواجا دائما أو منقطعا, فمنهم من اشترط إذن الأب أو الجدّ لجهة الأب في حال وفاة الأب, ومنهم من أعطى المرأة الرّشيدة البالغة, الحرّيّة في امتلاك قرار إبرام عقد الزّواج, سواء إذا كان دائما أو منقطعا, سيّما وإذا كان ليس لها أبّ أو جدّ لجهة الأبّ يعني ميّتان فهي حينئذ حرّة...
التعليقات (0)