لم يكن لفريق عصابة السرقة ان يقلق من الشرطة ، لانهم كانوا هم الشرطة في ذلك الحي ، وكان العديد من افراد العصابة من حراس للرجل العراقي القوي النفوذ ، نائب الرئيس عادل عبد المهدي ، بحسب صحيفة النيويورك تايمز . وكانت خطة العصابة وحشية ببساطة وغبية بحمق : فقد ربطوا ثمانية حراس - وبعضهم ممن يعرفونهم - في فرع الزوية من مصرف الرافدين ، وقاموا بقتلهم باعصاب باردة وبالاسلحة (الكاتمة) . وبعدها اخذوا حمولة سيارتين من المبالغ النقدية التي تساوي اربعة ملايين وثلاثمائة دولار . ولكن العصابة لم تأبه لكاميرات المراقبة ، ولم يأبهوا لشروق الشمس ، التي بدأت بالشروق قبل ان تستكمل مهمتها في 28 تموز ، ولذلك فعندما غادرت ، كان ضوء النهاركافيا للناس في المنطقة لرؤيتهم ، لرؤية ملابسهم الرسمية وسياراتهم التي فروا بها . وفي يوم الاربعاء وبعد محاكمة قصيرة ، حكمت محكمة في بغداد على اربعة من تسعة من المشكوك بانهم المجرمون بعقوبة الموت بسبب اقترافهم هذه الجريمة . هذا الحكم بدا منسجما مع رغبة رئيس الوزراء نوري المالكي في ان يستاثر بقضية العدالة التي بدت مفقودة في العديد من حلقاتها بينما لايزال موقف خصمه عادل عبد المهدي والمرشح لمنصب رئيس الوزراء للدورة القادمة ضعيفا. وقد تم تبرئة احد الاشخاص ، والاربعة الاخرون هم من الهاربين ، ولكن القضية هي ابعد من ان تكون قد انتهت ويتردد صداها بشكل عال فيما يقال من الفساد الكبير جدا والتطبيق غير المنتظم للقانون في العراق . وفي هذه القضية ، فان هؤلاء التابعين المهمين للمسؤولين ، سيعدمون . ولكن الزعماء المشكوك بهم ، بعلاقاتهم المعروفة للنخبة السياسية الشيعية ، قد فروا . ومع ذلك ، فان عملية سرقة مصرف الزوية ، قد اظهرت ايضا بطريقة كسيحة بان المؤسسات الوليدة العراقية ، القضاء ، وسائل الاعلام والسياسات الديمقراطية المتصاعدة ، جعلت من الصعب حتى للاشخاص الاكثر قوة في العراق ، تحريك اصابعهم بخفة وجعل القضية المحرجة تمضي في طريقها . ومع انكشاف التفاصيل ، فان نائب الرئيس وحزبه ، المجلس الاعلى الاسلامي العراقي ، عانى من عاصفة كبيرة في علاقاته العامة ، الامر الذي يمكن ان يترك تأثيرا في احد اوجهها على طموحات عبد المهدي لكي يصبح رئيس الوزراء المقبل بعد الانتخابات العامة القادمة في شهر كانون الثاني . ويقول احمد عبد الحسين وهو الصحفي الذي تم تهديده بسبب كتابته مقالا عن القضية :" انا متأكد بان عادل عبد المهدي لم يكن ضالعا ، ولكن الشعب العراقي يجب ان يفكر ، هل يريدون قائدا يملك حراسا خاصين سرقوا بنكا وقتلوا ؟" وخلافا لحال الامور في ظل صدام حسين ، فقد كانت هناك محاكمة حرة مفتوحة لاي شخص لينتقد - وقد فعلوا - حتى مع توقيع عقوبة الاعدام فقط بعد يومين ونصف . وقال المحامي غالب الربيعي ، وهو محامي احد المتهمين :" لم تكن هناك ابدا أي قضية حدثت بهذه السرعة ". وبحسب النيويورك تايمز فان الوحشية الدموية باعصاب باردة للجريمة وقتل الحراس الذين لاسند لهم ، جعلتها قضية صعبة لكي يمكن تجاهلها . وبعد ثلاثة ايام من السرقة المسلحة ، اعلن وزير الداخلية جواد البولاني بان السلطات قد شخصت المجرمين واستعادت الاموال ، وقال بصورة محددة بان " احزابا متنفذة " كانت ضالعة في الجريمة . وكان المعنى واضحا : بانه ايا كان الذي فعلها كان طرفا في الاجهزة الامنية - ربما هؤلاء المرتبطون بحزب عادل عبد المهدي ، والمنطقة كلها كانت تحت سيطرة فوج من الحرس من لواء حماية الرئيس ، المخصصين لحماية عبد المهدي وعائلته ومساعديه . وقد خبأت العصابة الاموال في البدء في احد البيوت القريبة المملوكة من صحيفة عبد المهدي استندوا على نظرية بان لا احد سوف يجرؤ على التفتيش هناك . وقال السيد البولاني :" لدينا اتصالات مكثفة مع بعض الاطراف ، ولذلك فانهم سيسلمونا الافراد الضالعين ". وهكذا بدأ زحف من الاتهامات والدفاع الذاتي من حيث جذلت سرقة المصرف الوسخة مع السياسات الوطنية الشيعية العليا وسلطة العلاقات الدموية في مجتمع مازال عشائريا الى حد كبير . والسيد بولاني ، مثل السيد عبد المهدي له طموحات ليصبح رئيسا للوزراء وفي اليوم التالي اعلن الناطق باسمه ، بان السلطات قد اعتقلت ثلاثة رجال - سمي اثنان منهم بانهم من زعماء العصابة - وتوقعوا باعتقال جميع اللصوص والقتلة . وقفز عبد المهدي بسرعة على الهجوم ، وقال بانه تحدث على الفور بعد علمه بالسرقة مع رئيس الوزراء نوري المالكي ، والذي اصدر بيانا قال فيه بان السيد عبد المهدي قد اعاد الاموال ولكنه لم يسلم جميع المجرمين . وكان المالكي قد هزم عبد المهدي على منصب رئيس الوزراء في سنة 2006 ، وهو ينوي الاحتفاظ بمنصبه . وزعم عبد المهدي ايضا بمصداقيته ، وقال بان المسؤولين عن تنفيذ القانون في حرسه حلوا القضية - وبان البولاني يلعب لعبة سياسية . وجاء في بيانه :" هذا النجاح في تنفيذ الواجب لوقف الجريمة المنظمة لم تخرب شيئا غير النشاط السياسي ". وتحت الضغوط اصدرت وزارة الداخلية توضيحا ، امتدحت فيه عبد المهدي بالمساعدة في القبض على " عصابة الحرس الخاص " وقد اجاب عبد المهدي بتقديم الشكر ، ولكنه اصر على ان واحدا فقط من المشتركين في الجريمة من افراد حرسه الخاص . والشهادات التي قدمت لاحقا في المحكمة ، اثبتت مع ذلك بان خمسة من تسعة من المتهمين الفعليين بارتكاب الجريمة هم من فوج الحرس الخاص للسيد عبد المهدي حقيقة . وقد اختفى الاربعة الاخرون واذا كانت السياسات حالكة ، فان مسلسل تحميل المسؤوليات قد دارت لتشمل حتى اكثر من ذلك . والرجلين اللذين اعتقلا كونهما من زعماء العصابة ، قد شخصوا بان الرائد جعفر لازم والملازم امين كريم وهما كليهما من الحرس الخاص بـ عبد المهدي ومن عناصر لواء حماية الرئاسة الخاص . وكلا الرجلين استنادا الى مصادر الشرطة التي طالبت بعدم الكشف عن هوياتها ، واستنادا الى شهادات الشهود يرتبطون بالعقيد علي لازم رئيس جهاز الامن المشترك في قيادة الكرادة العليا ، وهو الحي الذي وقعت فيه الجريمة . وذلك الجهاز يتحكم بكل الاجهزة الامنية العراقية في المنطقة ، ولم تستطع النيويورك تايمز الاتصال بالعقيد لازم للحصول على تعليق منه حول الموضوع . وبمرور الوقت فقد خمد القيل والقال بين السياسيين ، ولم يبد ان الرائد لازم ولا الملازم كريم بانهما مازالا في السجن . واحد المواقع العراقية الشعبية كثيرا بحسب النيويورك تايمز واسمه - كتابات - والذي يصدر تعليقات على الاخبار ، ذكر بانهم كشفوا جزءا من صفقة بين نائب الرئيس ووزارة الداخلية . وقال مكتب عبد المهدي بان الشخصين المذكورين قد هربا من العراق ، وعرض الموقع بان أي شخص يريد الرائد لازم خارج الصورة بسبب علاقاته القوية ، وكذلك خارج الخوف بانه سيزعم بانه كان يعمل لصالح حزب عادل عبد المهدي لجمع المال لحملته الانتخابية المقبلة . وفي محكمة خالية من المنظمين المشبوهين ، ومن الحرس القتلى للمصرف ، فقد تصرفت العوائل لمشهد المشتبه بهم الذين عرضوا في ثورة من الغضب ، وحاول شقيق احد الضحايا القفز الى قفص المساجين لمعاقبتهم ، وبصقت والدة احد القتلى وهي امرأة طاعنة في السن عليهم . واثنان من المتهمين وهما احمد خالد وعلي عيدان ، كانوا من حراس المصرف السابقين استنادا الى الشهود ، ويشك بان خالد هو الذي اطلق النار على الحراس لوحده مع الملازم كريم . وصاح احد الاشقاء :" كيف استطعتم وكنتم تنامون معهم وتأكلون معهم فكيف تقتلوهم ؟" وزعم كلا الحارسين بانهما اعترفا بعد تعذيبهما بايدي اللواء المسؤول عن فوج حماية عبد المهدي .وسخر قضاة المحكمة من اقوالهم ، مع ملاحظة ان الاسلحة التي استعملت في القتل تحمل اثارهم . وجاءت الاحكام بعد ايام من انتقاد منظمة العفو الدولية على عدد كبير من المدانين بعقوبة الموت ، وقالت المنظمة بان اكثر من الف شخص هم الان على قائمة الموت ، والعديد منهم بعد محاكمات سرية وسريعة كانت تحمل في الغالب اثار التعذيب . ولم يكن لخالد وعيدان محام ليمثلهم ، ولذلك ففي نهاية المحاكمة لليوم الثاني طلب القاضي من احد محامي الدفاع الاخرين للتوسط في قضيتهما . وكل الذي قاله :" دع العدالة تأخذ مجراها ".
الملف برس
التعليقات (0)