الزواج يجعل الإنسان يعيش في جو أسرة بدل أن يعيش وحده
ليس هناك في الوجود شيء يعيش وحده، والله سبحانه هو الواحد، وما عداه فكله أزواج، وخلقناكم أزواجا، {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[الذاريات:49]. وهذه حقيقة قرآنية سبق الإسلام وسبق القرآن بها العلم الحديث، كل شيء في الكون له زوج، ليس الإنسان فقط ولا الحيوان فقط، ولا بعض النبات فقط كالنخيل، كما كان يتصور الناس قديما، وإنما النباتات كلها ذكر وأنثى، بل تجد ذلك في الجمادات، فالكهرباء فيها الموجب والسالب. والذرة التي هي أساس هذا الكون المادي، مكونة من شحنات كهربائية موجبة، وشحنات كهربائية سالبة، كما يقولون: الكترون وبروتون.
الكون كله قائم على أساس الازدواج، وصدق الله العظيم إذ يقول: { سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}[يس:36].
ولذلك فإن الإنسان لا يَشِذ عن هذا النظام الكوني، ويعيش فردا، فالانفراد عقوبة، يعاقب بها الناس في السجون، وهي عقوبة بالغة، مؤذية؛ لأن الإنسان خُلق اجتماعيا، كما قال القدماء: الإنسان مدني بالطبع. وكما يقول المحدثون: اجتماعي بالفطرة.
الإنسان اجتماعي لا يستطيع أن يعيش وحده، ولهذا لما خلق الله أبا البشر آدم، لم يدعه وحده، ولو أنه كان في الجنة، وفيها كل شيء، يستطيع أن يعيش فيها ويأكل منها رغدا، ولكنه سبحانه لم يدعه وحده، خلق منه زوجه ليسكن إليها، خلق له حواء منه، أي: من جنسه، تلائمه ويلائمها، تؤنسه ويؤنسها، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}[النساء:1]، فلا معنى للجنة إذا عاش فيها آدم وحده، ولهذا خلق له من نفسه حواء، وقال له: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا}[البقرة:35].
وهذا هو الوضع الطبيعي للإنسان، فالزواج تكملة للإنسان، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده، إنما لا بد له من شريك، الرجل في حاجة إلى شريكة حياته، والمرأة في حاجة إلى شريك حياتها، والحياة بينهما مشتركة، والله تعالى يصوِّر العلاقة بين الطرفين، تصويرا كريما بليغا، فيقول سبحانه: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ}[البقرة:187]، المرأة من الرجل، والرجل من المرأة بمنزلة اللباس، من حيث اللصوق والزينة والستر والدفء، إنها مهمة كل من الزوجين للآخر، أن يكون بمنزلة اللباس الذي يلبسه الإنسان، يستره ويقيه ويحميه ويدفئه ويجمله ويتلاصق به، وهذه هي الزوجية.
التعليقات (0)