ذاكرة الشعوب لا تمحى بسهولة وإن تلبدت بعض الغيوم في فضائها فهي ذاكرة حية تنبض عشقاً للحرية ولتقرير المصير، هذا المصير الذي أصبح في يوم ما أضحوكة تربع على قمته الكثير من الأنظمة الحاكمة التي أرادت تسويق الاستسلام والانهزام أمام قوى الشر والعدوان. الشعب العربي المسلم لا يمكن في أي حال التأثير عليه، مهما عظمت الممارسات القمعية، في أن يختار مساره الصحيح في رحلة الانعتاق من الأوصياء المنهزمين أمام الطغاة الذين يمثلهم بكل تأكيد الكيان الصهيوني المستبد في المنطقة. هذا الكيان مستبد في استباحة رجولة وشرف الأنظمة الحاكمة ولكنه في نفس الوقت عاجز عن ذلك أمام قوى المقاومة المسلحة في كافة مواقعها.
إسرائيل المتصهينة تعلم علم اليقين أن وجودها في قلب الأمة العربية هو مشروع استعماري تدفع ضريبته جميع الشعوب في المنطقة وبما فيهم الشعب اليهودي المستوطن في فلسطين، لذلك أحكمت السيطرة بقوة على دائرة التسريب الإعلامي للمعارك التي دارت في غزة ضد فصائل المقاومة الفلسطينية بحيث لم يصل للرأي العام الاسرائيلي الداخلي سوى ما أرادت له أن يصل قيادة الدفاع الاسرائيلي. فحكومة الكيان الصهيوني تدرك أن الاسرائيليين غير مقتنعين أن لديهم قضية عادلة في فلسطين، وأن رؤيتهم لهزيمة أخرى للجيش الذي طالما تغنوا بقوته سيفقدهم عنصر الثبات والوجود في فلسطين. إن الحكومة الاسرائيلية التي انهزمت في عدوانها على لبنان في تموز/يوليو 2006 نجحت أن تستوعب جزئية واحدة من تقرير لجنة فينوغراد الاسرائيلية وهي أن لا تمكنوا الشعب الاسرائيلي من أن يرى انهزام مغامراتكم على الشاشات ووسائل الاعلام المطبوعة.
ولكن، الأنظمة العربية ترى خلاف ما يراه الكيان الصهيوني، فَهُّم أي الانظمة العميلة ترى أن بقاء العروش هو من بقاء اسرائيل في المنطقة العربية، فسوقت الانظمة العربية فكرة القومية ومبدأ رمي الاسرائيليين في البحر ليأكلهم السمك بعد أن تواطأوا مع الانكليز والماسونية العالمية، في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، على انشاء هذا الكيان الصهيوني في المنطقة. وبعد ثلاثة حروب ذات طابع مسرحي هزلي ثبتوا هذا الكيان في الوجود، وفي سبعينيات القرن الماضي بدأت مؤامرات كامب ديفيد في رحلة مفاهيم السلام مع العدو الصهيوني متذرعين بعدم تكافؤ القوة العسكرية من جهة وأن الحروب التي خيضت لم تسترجع ما سلب من جهة أخرى... فلنجرب طريق السلام هذه المرة!! أمضوا ثلاثون سنة حروبا وثلاثون أخرى سلاماً، عفوا استجداء للسلام، والمجموع ستون عاماً زائدة عشرون عاماً لم نحسبها فقط كي يبقوا على عروشهم وتوطئة على أعناق الشعوب العربية وللأسف ما زالوا يسوقون علينا أجندات المستعمرين بأشكال مختلفة بالشكل ولكنها متفقة بالمضمون.
ومن وسط هذا التزييف والخداع الذي مورس على الشعوب العربية ظهرت فصائل مقاومة أخذت على عاتقها تبيان وفضح عورات الحكام، وبالتحديد منذ أن جاءت الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الخميني. تشكل في البدء حزب الله اللبناني بعد أن تنازلت قوى العمل الفدائي في منظمة التحرير من خلال فصيلها الأساسي حركة فتح عن العمل النضالي لتحرير فلسطين بعد انغماسها في المهاترات الشخصية في بناء كيان بديل لها في غير فلسطين. فذهبت شرقاً إلى الأردن وافتعلت حرب أيلول/سبتمبر عام 1970 وبالطبع فشلت لأن اسرائيل لم ولن تسمح يوما ما اسقاط حكم الهاشميين شرقي النهر إلا عندما تريد اسرائيل ذلك. وبعد فشل دويلة حركة فتح في الأردن ذهبت حركة فتح شمالاً جارة وراءها ذيول الخيبة إلى لبنان مستفيدة من حقبة سبعينيات القرن الماضي حين كان لبنان وبيروت بالأخص منارة المد القومي العربي بجميع أفكاره ورموزه خاصة بعد تضعضع هذا المد في مصر بعد اغتيال الرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر.
لبنان في ذلك الوقت كان تربة خصبة وحاضنة طبيعية جاهزة لاستقبال الفكر الثوري الفلسطيني الذي ادعته منظمة التحرير، ولكن في ذات الوقت كان هذا الفكر الثوري يتعرض لاغتيال منه معلن وغير معلن على يد الموساد الذي استطاع أن يخترق حركة فتح وبمساعدة بعض الأطراف في الأردن. ففي بيروت شهدت حركة فتح فرز لكوادر كثيرة من الحركة كانت تقف في طوابير طويلة أمام مكتب الموساد الاسرائيلي في بيروت الذي كان يتخذ من أحد فنادقها مقراً له تحت مسميات كثيرة ومتنوعة سوف نذكرها لاحقاً. ولعل سلطة أوسلو الحالية هي أبلغ دليل على تلك الكوادر التي لا يزال الشعب الفلسطيني ينزف من جراء عمالتها مع الكيان الصهيوني بهدف تصفية القضية العادلة في حق شعب شرد وهجر من وطنه ليحل محله شعب مستورد من الخارج حين لفظت أوروبا اليهود من قلبها وإلى فلسطين.
جاءت المقاومة الاسلامية اللبنانية (حزب الله) ليبدأ مقاومته من عاصمة العروبة بيروت ليدحر الغزو الاسرائيلي ثم يلاحقه إلى جنوب لبنان ليخرجه منه عام 2000 ثم يتوج قمة انتصاراته في حرب تموز/ يوليو 2006 ليذيق الجيش الصهيوني أول طعم الهزائم العسكرية على يد قوى المقاومة الشعبية. ولا ننكر أن إيران هي الداعم الرئيسي لحركات المقاومة الشعبية في المنطقة ولا ننكر أيضاً أن سوريا هي صمام الأمان لقوى الممانعة العربية ولكن عزيمة المقاومة في التصدي والصمود والثبات كانت الفاعل الواقعي على أرض الميدان. فالشعوب لا تقاوم إلا إن كانوا أصحاب حق وقضية عادلة، وهذا ما كان من خلال حركة المقاومة الاسلامية في فلسطين (حماس) وفصائل المقاومة الأخرى الشريفة والمعتزة في أنها ترابط في أرض الرباط دفاعاً عن القدس والمسجد الأقصى الشريف.........
وللحديث بقية.......... "سنموت يوماً ما .. فلنموت بعزة"
سالم أيوب - "لا مجال للصمت بعد الآن"
التعليقات (0)