مواضيع اليوم

الزعيم عبد الكريم قاسم حقيقة التاريخ وتاريخ الحقيقة كتاب ل...عبد العباس عبد الجاسم

عمار العراقي

2013-04-02 15:35:36

0

 الزعيم عبد الكريم قاسم حقيقة التاريخ وتاريخ الحقيقة

تأليف/ د.عبد العباس عبد الجاسم

عرض/كرم الله شغيت

في اقصى ربوع ريف جنوب العراق ، وفي صبيحة رمضانية ، هرع من في الدار على صوت العم (ابو كاظم) وهو يجهش في بكاء مرير ممسكا في يده المذياع موجها له الضربة تلو الاخرى ، ويقول له ( اخطب....أخطب...اخطب...)يكررها غير مصدق ان الزعيم الذي حرره من الاقطاع سوف لن (يخطب) ثانية عبر هذا المذياع ، مرعوبا من عودة الشيخ وسركاله .

 عادت الى ذاكرتي هذه القصة التي سمعتها من ابي وهو يستذكر قريبه الذي كان يعشق الزعيم بجنون ، تذكرتها عندما انهيت قراءة كتاب الدكتور عبد العباس عبد الجاسم ( الزعيم عبد الكريم قاسم حقيقة التاريخ وتاريخ الحقيقة)، وابتداء ً من العنوان اراد الكاتب ان يقول ان للتاريخ كلمته وان مصدر كتابته هو الشعب ، ونحن منه، وليس هناك في الدنيا كلها كلمة اصدق من كلمة الشعب يلهج بها الكبار الذين عاشوا حقيقة التاريخ بكل ما فيه من حقيقة . اذن فما دام الشهود احياء فلا بد من تسجيل شهاداتهم، وهذا الكتاب يلحق بالفرصة الاخيرة كي لا تضيع من اجل تسجيل الحقيقة فقام بسماع شهادات عائلة الزعيم وجعلهم يحدثونه ، وتحدث بلسانهم عن عمهم من هو وكيف ولد وكيف عاش وماذا انجز وكيف مات.

على الرغم من ان اهل الزعيم وعشيرته لا وجود لهم  في اذهان العراقيين، فلم يعرف العراقيون عنه شيئا سوى اسمه واسم ابيه اما جده وعشيرته وارضه فلا وجود لها الا في الميراث الذي ورثه منهم وهو حب العراق ، وليس غريبا على الكاتب عبد العباس عبد الجاسم وهو الذي يملأ  حب العراق كتاباته ان يوجه لهم السؤال التالي: من اين استقيتم حب العراق؟ وكأن الجواب قد سبقه في حوار سابق للشخصيات عندما يسأل احدهما الاخر: هل تحتفظ بسند من ابيك او جدك ؟ ويجيبه : اجل ولكنه ضاع مع كثير من الاوراق والذكريات ولم يبق منها الا الالم واخوف والضياع. نعم ، هذا هو الناقوس الذي يدقه الكاتب عند آذاننا هل نحتفظ بسند من آبائنا واجدادنا ؟ هل لا نزال نضع ارثهم نصب اعيننا ام ضيعناه مع الاوراق والذكريات ؟ هل ضاع الارث وبقي الالم والخوف والضياع ، ربما، لانهم اورثونا ما لا نستطيع اظهاره الى العلن لان ذلك يؤدي بنا الى الهلاك. لكن الزعيم حمل كل تراثه معه فعاشه خطوات وتصرفات وعاشته معه عائلته غير ان ميراث عائلته لم يكن سوى حب العراق، وتراكم هذا الموروث في دمائه وظل يخوض غمار دمه من خلال المشاعر فكان غاية في الانضباط حتى في مشيته وفي مدرسته وموعد درسه وواجباته ولم يفرط بدقيقة واحدة من وقته، وقد قاده هذا الانضباط الى ابواب الكلية العسكرية تدفعه انشودة العراق التي حفظها في وجدانه ورسم خارطته على صفحات قلبه وشعوره، وما سمعه من حكايات من امه وابيه عن الرجال الذين سبقوه بالحمية والغيرة  من اقاربه ومن عاش معهم في مدينته (الصويرة) ، تلك التجربة التي لم تغير فيه شيئاً فقد كان منضبطا مرتبا محبا للتطور تواقا اليه فكرا ومعرفة وهنداماً، قبل دخوله الكلية العسكرية واثنائها وبعد تخرجه منها .

فلنعد مع الكتاب الى البداية حيث لحظات ولادة الزعيم التي يصورها لنا الكاتب في اداء قصصي جميل مظهرا لنا قلق المخاض وألمه على شخصية الاب بدل الام ويرينا اياه وهو يذرع الدار جيئة وذهابا يتمتم بدعائه فيما ترتفع صيحات نسوة الجيران اللواتي احطن بزوجته. كما صور لنا لحظة تسميته وتحدث عن تسلسله في العائلة وصفاته الجسدية لا سيما عيونه التي ظهر ذكرها على طول صفحات الكتاب كأحدى خصائصه الجسدية المهمة التي شكلت تعابيرها ملمحا مهما من ملامح شخصية الزعيم، فنقرأ:  (نحيف البنية، الا من عينين تجوبان الزقاق يمينا وشمالا) ص39 (وعيونه يحجن) ص40 (عينيه اللتين لا تستقران على حال واحدة) ص41 (لأن عينيه ترصدان تقدم القطعات) ص66 (وقد ظلت عيون الزعيم مشدودة شدا) ص96.

كما تحدث لنا عن خط سير العائلة ورحيلها بدافع العوز المادي من بيت الى بيت وابرز تلك البيوت بيت عمه في الصويرة، وعن اول سطر خطه في رحلة المعرفة هناك وعن مسارح طفولته في عشرينات القرن الماضي وكيف شرب حب الوطن فيها، ودخوله دار المعلمين العالية وتخرجه منها وتعيينه معلما في قضاء الشامية، وكأن التعليم قد التصق به فكان واحدا من معلمي مدرسة اتسعت اركانها لتشمل حدود العراق من اقصاه الى اقصاه، غير ان قلبه كان مزحوما بتطلعات صوب بغداد لأكمال مشواره حتى فتحت له الكلية العسكرية في الرستمية أبوابها  وتخطاها الى كلية الاركان والتحق بدورة الضباط الاقدمين في انكلترا وتدرج في الرتب وحاز الكثير من الاوسمة ؛ لكن وسادته لم تكن نائمة تحت رأسه حين توكل على الله لتغيير مسار دولة العراق. ويروي لنا الكتاب قصة الثورة التي قادها الزعيم ابتداءً من مغادرته بعقوبه ودخوله الى بغداد حتى سماعه صوت عبد السلام عارف في المذياع وهو يقرأ بيان الثورة ، ونجحت الثورة وفقا لما خطط لها هو وزملاؤه الضباط الاحرار، وتتوالى انجازاتها ويحاكم المجرمون وتنداح الغمة عن صدور العراقيين، لكن اول عصىً وضعت في عجلة الثورة كانت فعلة عبد السلام عارف، ولم يأخذ الزعيم بنصيحة الجواهري حين قال: (فضيق الحبل واشدد من خناقهم/ فربما كان في ارخائه ضرر ) فكان جوابه (عفا الله عما سلف) . والى مزيد من الانجازات على جميع الاصعدة المحلية والعربية،ومنجزات ثورة تموز كثيرة حيث يسهب ابن اخ الزعيم (طالب حامد) في تعدادها، فقد شملت كل المجالات فهو عبد الكريم والعراق اكرم الكرماء تعلم منه الاباء والعفو عند المقدرة، تعلم منه حب الجميع عراقا واحدا بكل ما فيه من قوميات ، تعلم منه حب العروبة ومن والده ان الرجال لا يعرفون الا في وقت الشدة،واحبته الناس اي حب وتزاحم اسم كريم في سجلات النفوس، وظل حاضرا في وجدان الناس حتى في اذهان من لم يعيشوا عصره وتلك هي العاقبة الحميدة، كل هذا والزعيم يتلظى على جمر الغضا من غير ان يكون قادرا على اطفاء سعير الاطماع. وظلت النفوس المريضة تعلق التهم الواحدة تلو الاخرى على شماعة الثورة ، وتاجر (المخلصون) بصورته وهو لم يحمل قطيعة تجاه اي مكون من مكونات الشعب، وتدكد كت جبال طموحاته وسجرت بحار اماله فعروس الثورات استعاضت بدماء الاحرار غسلا بدل الماء، فكان رأسه اول رأس يحمل على رمح الخيانة وتبعه اخوانه في اليوم نفسه وكان الذي كان في ليلة رمضانية لم تنم بغداد كعادتها والزعيم ينتظر السحور ويقلب حسابات الشعب ، وتطاول الليل وصاح المؤذن (الله اكبر) ودعا ربه ان يحقن دماء العراقيين ، ثم اوى الى فراشه وهو يفكر في ما تحيكه الايدي لضرب العراق ومنجزاته، وكان له موعد مع الرصاص الذي صب فوق مبنى وزارة الدفاع وفي شارع الرشيد والصالحية وضاقت الشوارع بالشعب وهو يصرخ طالبا للسلاح ورفض الزعيم ان يعطيهم سلاحا  فهو لا يريد للشعب ان يذبح ، فهو سيعوض عنه، وظل الشعب اعزل من كل شئ الا اناشيده وجسده وحرصه على المنجزات ، فتراجعت صرخته لقوة البطش، وترجل الزعيم من دبابته امام دار الاذاعة ليلقى المصير المحتوم،فقد اقيمت المحكمة ونطق القاضي قرار الاعدام . وصام العراق بعد الزعيم ولم يفطر لان زعيمهم ذبح في رمضان.

لقد انصف عبد العباس عبد الجاسم الزعيم من حيث لحق بالفرصة فاغتنمها ودون آخر الشقشقات التي لم يتهيأ لها أن تهدر في سالف الزمان، وانصف نفسه وأدبه عندما بقي محافظا على ولائه لوطنه وحبه لرموزه، تلك الرموز التي استلهم مواقفها في كل صفحة من صفحات الكتاب فكانت علامات مميزة تسير جنبا الى جنب مع كل سطر يروي قصة الزعيم لتذكر برمز آخر في زمن آخر ولكأنه اراد ينصفهم حين تصدى للحديث عن الزعيم . ولقد وجدته في هذا الكتاب مستمعا بارعا استوعب ما حدث به وصاغه بلغة فريدة استدعتها المرحلة التي يتحدث عنها ففيها المفردة التركية والفصحى والعامية وجناس بين اللغتين.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !