كلما اقترب موعد مباريات الديربي الكلاسيكي بين الوداد الرياضي و الرجاء البيضاوي، إلا و ارتفعت أسهم المتابعة اليومية في بورصة عشاق الغريمين التقليديين، سواء داخل العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، أو بمختلف مدن المملكة المغربية، أو حتى خارج الحدود المغربية.
هذه المتابعة اليومية قبل أيام من إجراء مباريات الديربي و بعدها كذلك، تخلف مرارا و تكرارا أحداث بعيدة كل البعد عن الروح الرياضية، التي يتم تغيبها عن قصد أو بدونه، فيساهم البعض في تأجيج الصراع الأبدي بين جماهير الغريمين التقليديين، و منه توفير الظروف الملائمة لحدوث خسائر و ضحايا.
ميدانيا، شكلت مدرجات مركب محمد الخامس خلال العقدين الأخيرين، مسرحا لأحداث دامية لا زالت عالقة في أذهان أوفياء الفريقين، و ذلك عندما زاغت فئة للأسف الشديد عن سكة احترام جماهير الخصم الأزلي، و سمحت لنفسها بالانتقام من خسارة فريقها المفضل على أرضية الميدان، عندما تنتهي مباريات الديربي بفريق منتصر و آخر منهزم، أو حتى عندما تنتهي بلا غالب ولا مغلوب، وقتها يتم الحديث عن تدخل للسلطات في إنهاء الديربي متعادلا، لتجنب اصطدام جماهير الحمراء و الخضراء، فيقع العكس عندما تمارس الإشاعة سلطتها القوية في إشعال نيران الاحتجاج المبالغ فيه.
هذا، و تلعب وسائل الإعلام بمختلف أصنافها دورا أساسيا و بارزا في تأجيج الصراع التاريخي بين مكونات الغريمين التقليديين، و ذلك عندما تبدأ في تخصيص صفحات يومية على مدار الأسبوع الذي يسبق مباراة الديربي الموعود، و بعد نهايته أيضا، مع إعداد ملف خاص عن كل ما يرتبط بالديربي خلال عدد نهاية الأسبوع لأغلب المنابر الإعلامية، و تتسابق هذه المنابر في تقديم أفضل تغطية صحفية لقمة القمم.
و ارتباطا دائما بمجال الإعلام و مساهمته في الزيادة من الحجم الطبيعي لمباراة من ثلاث نقاط، لا تتردد فئة منه في العزف على أوتار العناوين المثيرة و المشوقة لإثارة انتباه جماهير الفريقين، قصد تحقيق مبيعات إضافية و مداخيل محترمة، دون أن ننسى سقوطها في مستنقع استعمال مصطلحات و عبارات لا تستعمل إلا خلال المعارك الحربية، الشيء الذي يؤثر سلبا على عقلية و تفكير الكثيرين، فيسمحون لأنفسهم تطبيق تلك المصطلحات و العبارات على أرض الوقع، بكل الوسائل، حتى لو كانت عاقبة مرتكبيها تقود تلقائيا إلى السجن، فذلك أهون من ترك الآخر يستمتع بلحظات النشوة العابرة و استعراض عضلات التفوق.
و مع ظهور شبكة الأنترنيت و انتشارها الواسع و الارتفاع الصاروخي في عدد مستعمليها، أخذ صراع الجارين، أشكالا متعددة و خطيرة في ذات الوقت، ساهم فيها بشكل كبير الحرية المطلقة التي يتمتع بها المبحرون و استعمالهم لأسماء مستعار تخفي هويتهم الحقيقية و مكان تواجدهم، و هو ما يساعد هؤلاء على استعمال كلمات تخدش الحياء، و أوصاف قدحية لا تخلو من التعصب المبالغ فيه، و تحت على الكراهية و إقصاء الآخر و تحرض على العنف، الذي يعاقب عليه القانون المغربي.
غياب الروح الرياضية، إذن، أضحى عنوانا مرافقا لمباريات الديربي الكلاسيكي، و لا يوجد في الأفق أي مؤشر و يبشر على اندثار تلك الآفات الخطيرة الموازية لمجريات الديربي، لعدة عوامل، أولها غياب التأطير من طرف جمعيات محبي الفريقين، ثم كذلك الإهانة التي يتعرض لها جمهور الفريقين من طرف من أنيطت بهم مهمة تنظيم عملية الولوج عبر أبواب مركب محمد الخامس، نهيك عن غياب المرافق الضرورية بهذا الأخير، و الاكتظاظ الذي تعرفه مدرجات الملعب، الشيء الذي يترتب عنه تواجد الجماهير منذ ساعات الصباح الأولى من يوم المواجهة المرتقبة، و بقائهم لساعات طوال داخل المركب في انتظار إعلان بداية مباراة من تسعين دقيقة و تزن ثلاث نقاط لا غير.
هذه العوامل و غيرها كثير، تساهم كل بنصيبها في أحداث الفوضى و الشغب من طرف أشخاص لا يترددون في التعبير عن أحوالهم الاجتماعية، و الهدف دوما هو الانتقام بوسائلهم الخاصة من بؤسهم و فقرهم و القمع الممارس عليهم في حياتهم اليومية، فلا يوجد هناك أفضل مكان لتصريف ذاك الغضب الداخلي من مركب محمد الخامس، خاصة و أن إمكانية الإفلات من العقاب تبقى واردة، لتواجد عدد كبير من الأشخاص في عين المكان.
في الختام، ينبغي في مثل هذه المناسبات الكبيرة، استحضار روابط الأخوة التي تجمع مكونات الفريقين، و أن يعمل الجميع على انتصار الروح الرياضية على جميع المظاهر المشينة التي تخدش الصورة الراقية لديربي يعول عليه الكل لتسويق كرة القدم المغربية نحو الخارج، لكسب ود القنوات التلفزية التي تتسابق لنقل مجرياته بشكل حصري، و جلب مستشهرين و محتضنين جدد لكرة القدم المغربية.
هي إذن مسؤولية جميع الأطراف المتداخلة في هذا العرس الكروي، الذي لا يأتي إلا مرتين خلال الموسم الكروي، و على كل طرف أن يتحمل مسؤوليته الكاملة في إنجاح هذا العرس من عدمه، و تقديم صورة مشرفة عن مغرب التسامح و الروح الرياضية النبيلة.
التعليقات (0)