مواضيع اليوم

الرواية والسينما.. وعلاقة دائمة

nasser damaj

2009-06-16 22:16:46

0

الرواية والسينما.. وعلاقة دائمة
بقلم: خليل الفزيع

    لقد أصبحت السينما صناعة ذات مردود ربحي كبير، لأنها تستهدف قاعدة عريضة من الجماهير، وتطورت هذه الصناعة مع الأيام لتبلغ ميزانية فيلم واحد أحياناً مقدار الميزانية السنوية لبعض دول العالم الثالث، وتمركزت صناعتها في بعض المناطق التي احتضنت شركات الإنتاج السينمائي كما هو الحال في هوليود الأمريكية وبوليود الهندية وغيرها، حتى أصبحت صناعة السينما من أهم مصادر الدخل القومي لدي بعض الدول، الأمر الذي دفع هذه الدول إلى اعتبار فنانيها العاملين في هذا المجال ثروة قومية يجب المحافظة عليها، وحمايتها بشتى الوسائل.
    وكانت الرواية ولا تزال مصدراً مهماً من المصادر التي تستمد منها السينما مادتها الدرامية، وهذه العلاقة بين الرواية والسينما بدأت مع بداية الفن السينمائي معتمدة علي فن السيناريو وهو أحد الفنون السردية، وبتحول السينما من الأفلام الصامتة إلى الأفلام الناطقة.. وجد المخرجون والمنتجون في النصوص الروائية أو حتى المسرحية مصدراً مهماً وثرياً لأفلامهم، وعن طريق السينما عرفت الجماهير الروايات العالمية التي لم تكن لتعرف لدي عامة الناس، لو لم تشاهد من خلال السينما، ليس هذا فحسب بل إن بعض الروائيين لم يكونوا ليشتهروا علي المستوي الجماهيري لولا اهتمام السينما بأعمالهم، رغم التحول الذي قد يطرأ علي النصوص الروائية بعد تحولها إلى أعمال سينمائية، وذلك عندما يقدم المخرج رؤيته الخاصة من خلال العمل الروائي حين إخضاعه لتقنيات السينما وهي رؤية قد تختلف وقد لا تختلف مع رؤية الروائي الذي تنتهي مسؤوليته عن النص منذ موافقته علي تحويل روايته إلى عمل سينمائي مستقل بأدواته وطروحاته وأهدافه، وقد قال نجيب محفوظ في أحد لقاءاته الصحفية إنه لا يري حرجاً في اختلاف الأفلام المأخوذة من رواياته عن النص الأصلي لها، طالما هو قد وافق على تحويلها إلى عمل سينمائي يختلف في أدواته وأهدافه عما هو عليه الحال بالنسبة للرواية، وغالباً ما تحدد العقود المبرمة بهذا الشأن، كل التفاصيل المتعلقة بذلك.
    في الأدب العالمي تحولت الكثير من الأعمال الروائية إلى أعمال سينمائية، بل إن بعض هذه الأعمال الروائية قد تم إنجازها سينمائياً عدة مرات عندما عالجها أكثر من مخرج وفي أكثر من بلد، ومن هذه الأعمال: الحرب والسلام، وأحدب نوتردام، والبؤساء، ومرتفعات وذرنج والأخوة كرامازوف وقصة مدينتين، والشيخ والبحر، وقائمة لا تنتهي من الأعمال الروائية التي قدمتها السينما العالمية، نتيجة الرواج غير المحدود للأفلام المستمدة من الروايات، خاصة بعد التقدم التقني الذي طرأ علي الفن السينمائي وما يقدمه من إبهار وتأثير بصري لا يتيحه التعاطي مع الرواية عن طريق القراءة، وإن احتفظت القراءة بميزاتها الخاصة التي لا تتوفر في العمل السينمائي ذي التأثير المباشر، الذي يحد من قدرة العقل على التخيل.
    وفي عالمنا العربي وتحديداً في مصر عاصمة صناعة السينما العربية ومن خلال استعراض أسماء الأفلام العربية نجد أن الكثير منها قد استمد مادته من روايات معروفة ابتداء من محمد كريم أيام السينما الصامتة عندما حول رواية محمد حسين هيكل زينب ، وهو من أوائل كتاب الرواية في مصر، إلى فيلم صامت عام 1930 ثم إلى فيلم ناطق عام 1952 ومروراً بعشرات الأعمال السينمائية التي استمدت مادتها من روايات معروفة، وانتهاء بالواقع المعاصر الذي تدل عليه قائمة الأفلام المنتجة حديثاً في مصر لروائيين معروفين، فقد اعتنت صناعة السينما في مصر منذ بدايتها بالأعمال الروائية التي ظهرت في ذلك الوقت للكتاب المعروفين حينها مثل الدكتور طه حسين والعقاد ومحمد عبدالحليم عبدالله ومحمود تيمور ويوسف إدريس وغيرهم..
وفي رصد للأفلام المصرية المستمدة من روايات بعض الروائيين المشهورين نجد أن روايات إحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ قد سيطرت علي السينما المصرية في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وهناك ثلاثة وأربعون فيلماً استمدت مادتها الدرامية من روايات إحسان عبدالقدوس، بينما كان نصيب نجيب محفوظ حين إعداد هذا الرصد واحدا وأربعين فيلماً، ومن الطريف أن نذكر هنا أن نجيب محفوظ بدأ علاقته بالسينما ككاتب سيناريو قبل أن تلتفت السينما إلى رواياته، وذلك عندما أقنعه صلاح أبوسيف بكتابة سيناريو مغامرات عنتر وعبلة، هي مغامرات كانت موضوعاً لأكثر من فيلم أنتج في مصر وخارجها، وكثيراً ما اعترف نجيب محفوظ وبكل تواضع: إن صلاح أبوسيف هو أستاذه في هذا المجال، مع أن روايات نجيب محفوظ هي الأوفر حظاً من حيث عناية المخرجين بها حتى تم إخراج ستة أفلام عن روايته الحرافيش، أما توفيق الحكيم فإن رواياته كانت مادة لاثنين وعشرين فيلما وبعده يأتي يوسف السباعي بخمسة عشر فيلماً، ومثله من جيل الوسط إسماعيل ولي الدين باثني عشر فيلماً.
    وهناك عدد كبير من الروائيين الذين أخرجت أعمالهم سينمائيا في مصر وغيرها من البلاد العربية، كما هو الحال في سوريا حيث حولت أعمال روائية كثيرة إلى أعمال درامية، خاصة روايات حنا مينه وخيري الذهبي وفؤاد حداد ونبيل سليمان وغيرهم.
    وكما أن لتحويل النص الروائي إلى عمل سينمائي له حسناته لدي بعض النقاد، فإن عيوبه أيضاً لدي نقاد آخرين، فهو من جانب يخدم الرواية ويسهم في انتشارها، ويحقق عائداً مجزياً لكتابها، لكنه من جانب آخر يفقدها هويتها في بعض الحالات حتى ليصعب علي المشاهد القارئ الربط بين الرواية والفيلم المأخوذ عنها، ومع ذلك فإن أعمالاً روائية مشهورة زادتها السينما شهرة وحافظت علي خطوطها العامة، وآخر مثال علي ذلك - ولن يكون الأخير طبعاً - هو الفيلم المنتج عن رواية العطر لباتريك زوسكيند، وهو فيلم يعد من روائع الأفلام الحديثة، وكثيراً ما اعترض مؤلف هذه الرواية علي إخراجها كفيلم لصعوبة ترجمة الروائح إلى صور حية وناطقة، لكنه خضع في النهاية للإغراءات المقدمة له للموافقة علي ظهور العطر إلى فيلم سينمائي رائع.
    وخلاصة الرواية لمن لم يقرأها، هي أن بطلها غرنوي الذي ولدته أمه في سوق السمك، وألقته لكي يموت بين النفايات، كان مصيره غير ما أرادته والدته، حين ينقذه القدر من الموت، ليعيش يتيماً بعد تنفيذ حكم الإعدام بوالدته، ويتمتع هذا الغلام بموهبة فائقة في شم الروائح، وتتبعها، وتفسير معانيها، ويغدو بسببها قاتلاً، وبقناعة تامة بأنه يستمد من أجساد ضحاياه مادته العطرية المنشودة، ويبرع في تركيب أصناف فريدة من العطور التي يستعصي علي سواه الوصول إلي أسرارها وفك رموز كيميائياتها، وهذه الحكاية البسيطة، استطاعت بخصوصية اللغة الرائعة، وقوة السرد المذهلة الغوص في أعماق الشخصية وهواجسها وعقدها وآمالها وغرائزها، فإذا بها رائعة من روائع الفن الروائي، لكن الوقت المحدد للفيلم جعل المخرج يختار جوانب من أحداثها، كلحظة الولادة في السوق، حيث تتفوق الصورة علي النص، وكما يبدأ الفيلم بذروة درامية ينتهي أيضاً بذروة درامية أخري حين ينتهي المطاف بغرنوي أمام الجماهير الغفيرة ليواجه حكم الإعدام، وهذا المشهد الأخير لا يمكن لكاتب أن يجاري الصورة فيه، لقوة تأثيرها وطغيان حركة آلاف الناس في حالة غشيان وذهول أمام هذا الإنسان الضعيف البنية، غرنوي وهو يواجه مصيره لينقذ نفسه بالعطر الذي توصل إلي تركيبته المعقدة، وهو نفس العطر الذي قضي عليه بعد ذلك.
    إن موضوع العلاقة بين الرواية والسينما لا يمكن الإلمام به من جميع جوانبه، في مثل هذه العجالة، وما قدمناه غيض من فيض، لعله يشبع قليلاً من نهم المهتمين بهذا الموضوع الهام بعد أن أصبحت السينما جزءا من حياة الناس، وفي مقدمة اهتماماتهم الثقافية.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات