الروائي ابراهيم أصلان:
رحيل
«دون كيشوت» الشعب المصري يترجّل عن حصانه
رحل والد «مالك الحزين» و«عصافير النيل» و«حكايات فضل الله عثمان» رحل الروائي المتمرس في أبوة الأعمال القصصية والروائية المشعة بسواد حزنها، والمتألقة بمداد صورها الشرقية المصرية الفكرية المُثلى بإنسانية أبطالها، والحُبلى ببؤس أحداثها، وبعمق دلالاتها وحراكها.
مات الروائي المصري والعربي الكبير ابراهيم أصلان في السابع من الشهر الجاري من العام الذي أهل علينا... مخلفاً وراءه إسماً كبيراً، أعمالاً شهيرة، مبادئ نادرة.. وسبعة وسبعين عاماً من نبض الزمن.
وُلد ابرهيم محمد أصلان في محافظة الغربية بالمدينة طنطا في العام 1935. بعدها انتقلت أسرته إلى حيّ إمبابة الشهير في محافظة الجيزة. ولم يحظ بتعليم منتظم في درب الدراسة، تربى في القاهرة وكان لحي إمبابة وحي الكيت كات حضور طاغ على مضامين أعماله.. فكتب في بداية مشواره الأدبي مجموعته القصصية الأولى «بحيرة الماء» وعمل في بادية حياته في هيئة البريد «كبوسطجي»، ثم عمل في أحد المكاتب المخصصة للبريد.. الأمر الذي ألهمه كتابة مجموعته القصصية الثانية «وردية ليل».
وقد كان للراحل أصلان علاقة جيدة بالأديب يحيى حقي، حيث لازمه حتى فترات حياته الأخيرة، ولاقت أعماله تشجيعاً كبيراً من قبله ومن قبل الكاتب نجيب محفوظ والناقدة لطيفة الزيات اللذين رشحا أصلان لمنحة تفرغ في نهاية الستينات من القرن الماضي.
روايته «مالك الحزين» أدرجته ضمن كبار الروائيين، واستحقت هذه الرواية إدراجها ضمن أفضل مئة رواية في الأدب العربي، وحققت له شهرة واسعة على الصعيدين النخبوي والشعبي معاً.
حتى أن الفيلم السينمائي المصري «الكيت كات» الذي جَسَد هذه الرواية، اعتبر من أبرز علامات السينما المصرية في التسعينات من القرن العشرين.
شغل ابراهيم اصلان منصب رئيس القسم الأدبي في «جريدة الحياة اللندنية»، وترأس تحرير «سلسلة آفاق عربية». وقد عرف في حياته المهنية الصحفية جولات وصولات عدة، كان من بينها الصدام الذي حدث بينه وبين «صحيفة الشعب» التي تصدر عن «حزب العمل» بسبب نشره رواية حيدر حيدر «وليمة لأعشاب البحر» التي مثلت «تحدياً سافراً للدين، ودعوة إلى الإلحاد» وفق تقويم الكاتب في «صحيفة الشعب» محمد عباس الذين شنّ حملة شهيرة على أصلان وعلى الرواية بحد ذاتها. وقد شكل هذا الصدام أزمة كبيرة للراحل انتهت ذيولها منذ سنوات قليلة.
بالمقابل، أسس ابراهيم أصلان مع عدد من الأدباء والفنانين حركة «أدباء وفنانين من أجل التغيير». وكان من أوائل المثقفين الذين انضموا إلى حركة «كفاية».
يعتبر النقاد والمثقفون والروائيون العرب، أن كتابات أصلان، شديدة الغنى والبساطة على حد سواء. صادقة الشجن، تغرد في وضح النهارات البائسة والليالي الضائعة.. وثمة من يرى كتابة أصلان تمارس الإنتماء البيئي والشرقي والمصري للناس، وتمارس في الوقت ذاته الانتماء الفكري والتمثيلي واللغوي للذات. أي ذات ابراهيم الذاتية في النبض الروائي الأسمر.. وفي الروي الواقعي الأقسى.. لذلك كان نثره شاعرياً، أو كان يكتب مروية الأحداث بمفردات وتصاوير شاعرية لا يتقنها إلا كبار الأدباء حول العالم.
لقد نال أسلوب ابراهيم أصلان في سكب شخصيات أعماله على الورق، ضمن مفصليات الأمكنة والأحداث والأزمنة، إعجاب القراء في البلاد العربية كافة، وآثار دهشة معظمهم إزاء التورية البسيطة التي تختزنها كل كلمة من كلماتها، وكل قصة من قصصه ورواياته القليلة العدد، (روايتان) والمتميزة التمدد والانصهار في لغة الانسان - الإنسان.
كان ابراهيم أصلان مثل دون كيشوت - كما كان يسميه الروائي الجزائري وايسني الأعرج- وكما كان يطيب لابراهيم سماع هذه التسمية - يمتطي حصان الشخصيات العميقة ويدور بها في كل هضاب النيل، وكان أيضاً يرى «عصافير النيل» ضاحكاً - باكياً.. مصوراً تغريبة النبض المصري في زحم الحياة.
نال جوائز عديدة في حياته، منها «جائزة طه حسين» من «جامعة المنيا عن رواية «مالك الحزين» في العام 1989. و«جائزة الدولة التقديرية في الآداب» في العام 2003 - 2004. وجائزة «ساويرس» عن كتاب «حكايات فضل الله عثمان» في العام 2008.
كان سعيداً قبيل وفاته، أنه شهد بأم عينه، حرية الشعب المصري في تكريس الارادة والتغيير، وكان ينتظره وهو يغالب مرضه بالكتابة.. خبر جيد من خلال ترشيح «الاكاديمية المصرية للفنون» له للفوز «بجائزة النيل».
من أعماله القصصية والمختلفة الأنماط:
- يوسف والرداء
- خلوة الغلبان
- شيء من هذا القبيل
ولد في 3 آذار 1935 ومات في 7 كانون الثاني 2012. وقد أحدث رحيله صدى حزيناً بين الأدباء والقراء العرب.. خصوصاً وهو الذي «رسم بكتاباته الأزقة والحواري في منطقة امبابة وحرك مفاهيم الارتباط بين الروح والأرض والواقع».
غادة علي كلش
التعليقات (0)