الروائية هدى أمون تفتح نوافذ الحنين على الورق :
وجدتُ في الرواية المتنفس الشاسع القابل لطرح العديد من المواضيع الوجودية والفكرية
عمر شريقي
في عالمٍ تموج فيه الحكايات وتتقاطع فيه الذاكرة بالوجدان، تبرز أقلام تنسج من الكلمات حيواتٍ كاملة، تنبض بالحقيقة كما بالخيال، ومن بين هذه الأقلام يسطع اسم الكاتبة والروائية السورية هدى أمون، التي اختارت أن تجعل من الكلمة سلاحًا ناعمًا تقاوم به النسيان، وتستحضر من خلاله تفاصيل الوطن والإنسان.
في هذا الحوار، نغوص معها في عوالم الإبداع، نسألها عن بداياتها، عن المرأة في نصوصها، عن الوطن الذي لا يغيب عن سطورها، وعن الأدب كنافذة للحرية والانتماء، وعن رؤيتها لمستقبل الرواية العربية في زمن التحوّلات.
عن البدايات ولماذا اختارت هدى أمون الرواية تحديدا؟ تقول :
في الطفولة والمدرسة كنتُ مُراقبة هادئة ولكن أعيش غضباً داخليّاً حول ما يستفزني إنسانيّاً وفكريّاً، وتولدت في ذهني استفسارات عديدة، لم أزل في حالة البحث عن كنهها كطبيعة البشر وتقبُّل شرور النفس، كحالة النفاق حيث يتجمّل الشخص أمام الناس بحسن التعامل وهو في الحقيقة متوحش بهيئة إنسان.. ولماذا الأذيّة.. كيف يستمتع البعض بالأذيّة ألا يعلمون أنّ الحياة تدور وسوف تعود أذيّتهم للغير عليهم..! ولماذا تقام الحروب على بلداننا النامية..! هل يستمتع صنّاع الحروب بإفقار وتجويع الشعوب ليتحكموا بالناس عبر لقمة العيش..! ولماذا وجدت فكرة الحرب والعنف أصلاً.. واستثمرها تجار الأذيّة لتحقيق أهداف جشعهم..! ولماذا يستمتع البعض باستضعاف البعض الآخر إنسانيّاً ويتمتَّع بإهانتهم وإذلالهم..! حقاً إن البشر الأشرار أشرس من حيوانات الغابة لأن لديهم عقل يخطط بشراسة..
وتتابع : أسئلة عديدة راودتني وحثّتني على الكتابة والتنفس عبر العالم الأدبي الواسع.. ولم أزل قارئة غير عادية أقرأ بشغف وتأمّل يصل إلى عمق تحليل النص والكاتب.. وأكثر ما كان يأسرني لساعات في القراءة هو شغفي بالقصص والروايات وكنتُ في أيام المدرسة والجامعة أستمتع في البحوث التي تتعلق بالأدب وعلم النفس والخيال، ومنذ عام ٢٠٠٠ بدأتُ بنشر بعض كتاباتي في الصحف المحليّة السورية والعربية ثمّ جمعتُ في عام ٢٠٠٧ كتاباتي في مجموعتي القصصية الأولى (باقة ورد في عيد الحب الصادرة عن دار التوحيدي للنشر في حمص.. وقد تضمنت بعض القصص والنثريات.
أما عن دوافعها إلى اختيار الرواية كجنس أدبي تعبّر من خلاله عن أفكار وهموم أجابت:
بداية أحببتُ الكتابة وجدتُ فيها متنفساً مدهشاً فيها أحاور أفكاري وقناعاتي عبر السرد ومن خلال الحوار بين أبطال رواياتي وهذا عالمي الفكري الجميل.. اتجهتُ نحو كتابة الرواية لأنها تمنحني مساحة أكبر للإضاءة على المواضيع الهامّة وإبراز ثغرات الواقع القاتمة في الأصعدة كافة.. وكانت روايتي (ليل شكسبيري) العمل الروائي الأول لي بعد عدة مجموعات قصصية (باقة ورد في عيد الحب و(أنا وأنت والمجهول) و(أحبك) و (لقاء) و(حلقات متلظية) ومشاركة بعض أعمالي في كتب تجمع كتاب الوطن العربي في سورية ومصر والعراق والأردن.. ونالت روايتي ليل شكسبيري استحسان القراء والنقاد العرب وقد تضمنت ليل شكسبيري في رسالتها عدة مواضيع فكريّة.. وكتبتُ بعدها روايتي الثانية (سيمفونيّة عبّاد الشمس) وروايتي الثالثة ( كارمالوڤ) وروايتي الرابعة والخامسة والسادسة.
ونسألها عن الموضوعات أو القضايا التي تحرص دائمًا على تضمينها في أعمالها قالت:
هنالك قضايا عديدة موجعة في عالمنا العربي أو الشرقي ويبقى أهمها القضايا الاجتماعية وحق الإنسان في العيش الكريم.. وأسعى إلى تضمين رواياتي عموماً لبعض المواضيع الحياتيّة الاجتماعية والفكرية الإنسانية والنفسيّة والوجودية.. وجدتُ في الرواية المتنفس الشاسع القابل لطرح العديد من المواضيع الوجودية والفكرية والبحث والتأمل.
نسأل أمون عن شخصيات رواياتها هل مستوحاة من الواقع، أم أنها وليدة الخيال بالكامل وأي من رواياتها تشعر أنها الأقرب الى قلبها لتجيبنا :
الواقع هو المنهل الرئيسي لعالم رواياتي، إنَّ الإخلاص للحقيقة في خلق أبطال الرواية والخوض في معاناتهم الواقعيّة المرسومة بدقة ورقّة يُقرّب العمل الروائي من حياة الناس ويشدّ المتلقي للرواية أكثر.. وحتى الشخصيّات الخياليّة أستمد روحها من الواقع حتى لو صغتها بسبكٍ خيالي، الأقرب (ليل شكسبيري) لأنها الأولى ومنحتُ فيها للمرأة قوة جعلتها لا تستسلم للنوائب فلم تستسلم للفقر أو لكل ما يمتحن ضعفها.. تشغلني قضية المرأة ويضنيني التفاعل السلبي للمجتمع معها، فلم تحصل المرأة على حقوقها الإنسانية بعد برغم المظاهر الاستعراضيّة الزائفة العديدة المنتشرة عن نيل المرأة لحقوقها..
المرأة في كتاباتك:
نسأل الكاتبة أمون أن المرأة تحضر بقوة في كتاباتك.. كيف ترين دور الرواية في نقل صوت المرأة العربية أجابت :
المرأة في الرواية تعبّر عن واقع المجتمع ومدى تفاعلها مع محيط قيودها.. وحين تحظى المرأة بحقوقها الإنسانيّة سيتطوّر المجتمع لما يخدم الإنسانيّة وسنحظى بالمجتمع السويّ نفسيّاً وفكريّاً لأن المرأة هي التي تبني الإنسان فعليّاً وإذا عاشت في بيئة تقدرها سينعكس ذلك خيراً على الجميع، وإذا أهانها محيطها وهمّشها وأذلّها سينعكس ذلك سلباً على الجميع فهي نواة المجتمع الأساسيّة واهتمام الرواية بقضية المرأة هو اهتمام بالحياة التي تليق بالإنسان.
وأضافت : الأدب يسعى إلى خلق الصورة السويّة التي ترقى بالواقع الإنسانيّ للمجتمع ولا سيّما واقع المرأة.. وإبراز الصورة المعاكسة التي تشرح المعاناة التي تعيشها شخصيات الرواية.. وغالباً يكون القرّاء من هواة المعرفة والتطور وأهل الثقافة والفكر وهم البناة الأكثر تفاعلاً مع شرائح المجتمع ونواة تحديث الفكر السائد لنمط الحياة والتعامل به بين الناس.. ويعيش القارئ الحدث الروائي عبر اللغة الواضحة والسرد المرهف المدروس والحوار الروائي الواعي الذي يصل إلى أذهان الناس ويلامس مشاعرهم بالإضافة لتجليات الأحداث الواقعيّة أو الفكرية ومنطقيتها وصولاً إلى النهاية المؤثرة.. وقد تتشكل لدى القارئ رؤية معيّنة ربما تساعد في ردم بعض الثغرات الواقعية في الحياة.. فكل رواية هي تجربة حياة كاملة ومن يقرأ كثيراً يعيش أكثر من حياة.
وحول سؤال كيف تصفين أسلوبك الأدبي؟ وهل تحرصين على البساطة أم تعمدين إلى اللغة الرمزية والتجريب ومن الكتاب الذين أثروا في اسلوبك الأدبي تقول :
الكتابة هي وسيلة وصول الرسالة الأدبية إلى المتلقّي عبر اللغة فإذا كانت تلك اللغة غير مفهومة أو رمزيّة لدرجة الغموض، فكيف ستصل إلى المتلقي ولاسيما إلى ذلك الحديث على عالم الكتابة والقراءة .
وتابعت : قرأت للعديد من الروائيين القدماء كألكسندر دوماس الكبير وتأثرتُ بأسلوبه السردي الذي يجذب القارئ إلى أروقة رواياته ويتميّز بالعزف الماهر على مشاعر القرّاء، وكان ألكسندر دوماس الأب يركز على إمتاع القارئ بتقديم قصة مشوقة، أكثر من اهتمامه بالتقييمات النقدية، كان يكتب للجماهير، وليس للنخبة المثقفة، ومن أقواله: الكتابة عمل شاق، ولكن يجب أن تستمتع به. وقرأت لدستويفسكي وتأثرتُ بالتركيب المعقد لشخوص رواياته، كما تأثرتُ بأدب إيڤان تورغنيف وشكسبير باولو كزيلو وغابرييل غارسيا ماركيز وأجاسا كريستي وإيميلي برونتي ومن الأدباء العرب طه حسين وجبران خليل جبران والعديد العديد من الكاتبات والكتاب في الوطن والعالم فعالمهم الأدبي هو عالمي الجميل
نسأل الكاتبة هدى عن تتعاملها مع النقد؟ وهل أثر في مسارك الأدبي سلبًا أو إيجابًا تقول:
بالنسبة للنقد كل أديب نضجت رؤاه وذائقته الأدبية تتعمق لديه ملكة النقد و يصبح بإمكانه تمييز العمل الأدبي الجاد من سواه.. وهنالك من يبني ويُثري الأدب بلغة أدبية حكيمة تُضيف للكاتب وعمله وهنالك من يهدم بسبب فهمه السلبي الخاطئ للنقد البنّاء الذي لا يخفى على كاتب ولا يقف ضده من يسعى إلى الجودة في نتاجه الأدبي.. والنقد عموماً في سلبيته أو إيجابيته يصبُّ في مصلحة الكاتب وعمله الأدبي.. فلا خوف من لومة لائم أو ناقد في عالم الأدب لأن الاستمرار والتقدم هو الفوز الحقيقي للأديب.
وحول تعليق القراء هل يحظى بالمتابعة أجابت :
حظيَت كتاباتي ولاسيما رواياتي باهتمام بعض الأدباء والنقاد في بلدي سوريا والعالم العربي.. وهذا أسعدني وسررتُ أيضاً بردة فعل إحدى طالبات الجامعة بعد أن قرأت روايتي وأخبرتني عن مدى تأثرها بأحداث الرواية حيث قالت: "لقد بكيت مع أبطال الرواية في الأحداث الحزينة وضحكتُ معهم في لحظات مرحهم ولم أستطع ترك الرواية برغم أنني كنت قد قررت قراءة فصل واحد فقط ولكن لم أكتفِ وشدني السرد إلى متابعة الأحداث إلى نهاية الرواية.." وتكررت ردة الفعل العفويّة هذه من قبل العديد من القراء وهذا ما زاد ثقتي بأنني أمضي على الطريق الصحيح في مجالي الروائي.
تنظر الكاتبة أمون واقع الرواية العربية اليوم؟ والتحديات التي تواجه الكاتبات تحديدًا تقول:
الواقع العربي بسلبياته السياسيّة يؤثر على الأدب عموماً كما يؤثر على مختلف المجالات الإبداعية والثقافية وضمن الظروف السلبيّة نجد أن البعض يحاول إحباط المبدع الحقيقي وثني عزيمته.. ووضع المرأة أشد بؤساً، إن تألقت كثُرت محاولات إحباطها من قبل بعض محدودي الفكر.. إنَّ الاهتمام بالرواية العربية يحتاج إلى الاهتمام بكتَّاب وكاتبات الرواية ومنحهم التقدير الذي يستحقونه في حياتهم وليس بعد مماتهم.. وردة بالحياة خيراً من تلال ورد بعد الرحيل.. الغرب يمجدون مبدعيهم ونحن نحبط مبدعينا مع الأسف، ونحاول محوهم بدلاً من الاهتمام بهم وترجمة أعمالهم لوصولها إلى العالمية..!
وحول الجوائز الأدبية ومدى ايمانها بتلك الجوائز قالت :
لا أحد ينكر أهمّية الجوائز ومساهمتها في انتشار العمل الفائز ولكن العمل الذي يصل إلى القراء ويحظى بإعجابهم فقد نال أعظم جائزة.. ولكن الوضع المادي للكاتب في هذه المرحلة الحرجة سياسيًّا يؤخر انتشار كتبه لذا فهو بحاجة إلى الاهتمام الحقيقي بأعماله.
التعليقات (0)