يوماً بعد آخر ينكشف للعراقيين بكل أطيافهم وتوجهاتهم مدى خسارة رهانهم على قياداتهم التي زجت بهم في وادِ الأزمات بكل أنواعها الأمنية والإقتصادية والسياسية والصحية والخدمية, فبعدما قدمت هذه القيادات نفسها على إنها هي المنقذ والمخلص للعراقيين من واقعهم المزري تخلت عنهم وتركتهم لآفة الموت والفقر والتيه لتطحنهم رحى الفساد الحكومي والإرهاب المليشياوي والداعشي, فالسيستاني الذي أوصل العراق إلى ماهو عليه اليوم بسبب تدخلاته غير المسؤولة بالوضع السياسي من تبرير للمحتل الأمريكي والإيراني ودعم للحكومة الفاسدة هرب منزوياً في جحره في النجف بعدما رأى فيه بعض العراقيين أنه صمام أمان و يعتزل الرأي السياسي وكأن رأيه سابقاً قدم شيء للعراق وشعبه غير خلق الأزمات !!.
وها هو اليوم مقتدى الصدر الذي راهن عليه أتباعه على إنه " المصلح " يكرر ما أقدم عليه السيستاني, فيذهب إلى إيران ويتركهم لنار المفخخات والعمليات الإرهابية لتحصدهم, بعدما أمرهم بالإعتصام والتظاهر على أسوار المنطقة الخضراء ومن ثم اقتحامها ورفع شعارات تندد بإيران وقادة مليشياتها, ومن ثم ذهب معتكفاً في إيران !! الأمر الذي دفع بإيران ومن ارتبط معها من مليشيات وسياسيين أن يفتحوا الطريق أمام تنظيم داعش –إن لم تكن إيران ومليشياتها هي الفاعل – للقيام بتلك العمليات التي شهدتها مدينة الصدر والشعب وباقي المدن الأخرى في العاصمة بغداد كعقوبة على الهتافات والشعارات المنددة بإيران وبرموزها المجرمين وعلى اقتحام الخضراء حصن ساسة إيران.
وما كانت ردة فعل مقتدى الصدر على ما حصل من إبادة لأتباعه على وجه الخصوص ؟ هو بيان تعزية ويحمل الحكومة مسؤولية عدم حماية أتباعه !! تلك الحكومة التي يوجد لديه فيها تمثيل كبير سواء كان على مستوى الوزارات أو البرلمان, تلك الحكومة التي دعمها ووقف لجانبها طيلة الفترة المنصرمة, فمن الذي قال " الأخ العبادي قوي ورجل شجاع وأنا أدعمه ؟؟!! ومن الذي أرسل وفداً إلى رئيس البرلمان العراقي "سليم الجبوري " ليعتذر منه ويُثبته وأفشل محاولة إقالته .. أليس هؤلاء هم رأس الحكومة التي أسماها مقتدى الصدر بالفاشلة وحملها مسؤولية ما حصل من عمليات إرهابية, هذا موقفه من هذه الحكومة والذي يذكرنا بموقفه من السفاح المالكي الذي لولا مقتدى الصدر لما وصل للحكم في ولايته الثانية, ومسيرات الشكر التي خرجت مؤيدة لحكومته في عام 2011 م عندما انتفض الشعب العراقي ضد المالكي مطالباً بتغييره, فهو يظهر معارضته لها وفي الوقت ذاته يكون هو الداعم القوي لها, والأدهى من ذلك هو سرعة تخلي مقتدى الصدر وبراءته من أتباعه الذين رددوا شعارات ضد إيران ومن الذين أرادوا إعلان العصيان المدني في حين انه قال " إني مع الشعب في ثورته " !!.
أما بالنسبة للدول التي دعمت مقتدى الصدر في حراكه الأخير والتي رأت فيه إمكانية تمرير مشروعها المضاد للتمدد والتغول الإيراني في العراق, نقول لها هذا هو مقتدى الصدر, ترككم وذهب إلى إيران وتغير موقفه بعدما وضع يده بيدكم, فمن ترك أتباعه عرضة للموت خوفاً على نفسه وأمواله وحياة الترف هل يمكن أن يبقى على موقف ثابت أو يكون ذو مبدأ ؟! فرهانكم كرهان أتباعه عليه وهو رهان خاسر.
فهذه هي إيران ورموزها التي تتحكم في العراق, فالرهان على هذه الرموز هو رهان خاسر لأنها تربية إيرانية ولا يمكن لها أن تخرج عن طوع إيران وعن خدمتها, حتى وإن حاول بعضهم ذلك فأنه سرعان ما يتراجع ويتقهقر لأن إيران وكما يقول المرجع العراقي الصرخي في استفتاء " ولاية فقيه أو حكم إمبراطور " ((... إيران نجحت وبأساليب مختلفة في السيطرة الكلية على الرموز الدينية والمرجعيات الفارغة الطائفية الانتهازية الأعجمية وغيرها فصارت تحركها كيفما تشاء ومتى تشاء ومن خلالهم تمّت السيطرة على عموم الشارع العراقي الشيعي والسني… وهذا الأسلوب ممكن أن يتكرر مع باقي المجتمعات الشيعية في باقي البلدان فتحصل السيطرة الكلية والتحريك الجمعي بنفس المنهج والسلوك في العراق فيسير الجميع جاهلا غافلا نائما مخدَّرا نحو تحقيق المشروع الإمبراطوري المزعوم … )).
فمن يعتقد بأن الإصلاح يأتي من شخصيات موالية لإيران هذا من جهة ومن جهة أخرى من يعتقد بأنه يستطيع أن يعول على رمز أو قيادة أو مرجعية ارتبطت بإيران إرتباطاً وثيقاً ويراهن عليها فهو رهان خاسر, لأن هذه الشخصيات لا تملك من المبدأ والثوابت الوطنية أي شيء وولائها وطاعتها لإيران, شخصيات مسلوبة الإرادة وتتحرك وفق إملاءات طهران وتوجيهاتها, ومن يحاول أن يخرج عن طوعها فمصيره سيكون التصفية والإغتيال وتجريده من المنصب والمال والوجاهة فهل تستطيع أن تتخلى هذه الشخصيات عن تلك المميزات في سبيل وطنها وشعبها ؟!.
بقلم :: احمد الملا
التعليقات (0)