سعت ترکيا وخلال العقود الثلاثة الاخيرة الى إنتهاج سياسة خاصة تسعى للمحافظة على عامل التوازن بين دورها و طموحاتها على الصعيد الدولي و دورها و مصالحها المتنامية على الصعيد الاقليمي، هذه السياسة الخاصة و على الرغم من أنها قد کلفت ترکيا في بعض الاحايين ثمنا باهضا و حددت من بعض من تطلعاتها، لکنها بقيت متمسکة به لما درت و تدر عليها من مکاسب إقتصادية تکاد ترکيا احوج ماتکون إليها.
ولئن أثير الکثير من اللغط و الجدل حول العلاقات الترکية ـ الاسرائيلية في ظل حکومة العدالة و التنمية و وصل الامر الى حد تکهن بعض من الاوساط السياسية و الاعلامية"المفرطة في تفاؤلها بصدد ذلك" الى الزعم بأن الامر يکاد يسير في طريق القطيعة، إلا أن الذي توضح و يتوضح لحد الان، هو أن حکومة السيد رجب طيب أردوغان ماضية قدما في التمسك بعلاقاتها"الاستراتيجية"مع اسرائيل و ليست مستعدة أبدا في التفريط بها مهما بلغ بها الامر، بل وانها قد خطت لصالح اسرائيل خطوة مهمة في المنطقة عندما صارت"وسيطا"مناسبا لها مع"أعدائها"العرب و سعت للتقريب بينها و بينهم ونقلت الکثير من الافکار بينهما و کذلك خدمتهم أکثر بتقديم مقترحاتها بشأن تحقيق المزيد من التقارب في وجهات النظر بينهما، لکنها وفي نفس الوقت، کانت بحاجة ماسة لبعض من"التکتيك"السياسي و الفکري الخاص لکي تحقق ماعجزت عن تحقيقه مختلف الحکومات الترکية المتعاقبة على الحکم في ترکيا منذ سقوط الخلافة العثمانية و إقامة الدولة الترکية الحديثة على يد کمال أتاتورك، ومن هنا، بدأت ترکيا العدالة و التنمية تکبر شيئا فشيئا في نظر العرب بشکل خاص و المسلمين بشکل عام، خصوصا بعد العروض الترکية المتقنة في منتدى دافوس بشأن غزة أثر المشادة"النظرية"بين أردوغان و بيريز والتي غادر على أثرها الاول القاعة إنتصارا لغزة، او ماجرى لسفينة الحرية و ماجرى لها و القيامة التي أقامتها ترکيا ولم تقعدها إلا بعد أن هدأت العاصفة، لکن في الحالتين، لم تتأثر جوهر العلاقات السياسية و الاقتصادية و الامنية و العسکرية التي تربطها بإسرائيل ولو شروى نقير، إذ أن کل التوتر و سوء الفهم و التهديدات المتبادلة"خصوصا الصادرة من أنقرة"، کانت على الدوام محددة بالاطار النظري ولم ترقى عمليا في يوم من الايام، ولو لمسافة بوصة واحدة الى الامام، لکنها، ومن خلال هذا الاداء المتقن الذي تفهمته اسرائيل من جانبها، کسبت قلوب الشارع العربي و صار نموذج الاسلام السياسي الترکي بطلا و مثلا أعلى تغنى و يتغنى به العديد من الکتاب و الثقفون العرب.
اليوم و في خضم إشتداد اوار الازمة الليبية و عزم الشعب الليبي على إسقاط العقيد الدکتاتور، نجد أن حکومة العدالة و التنمية تلعب دورا ماهرا و متقنا جدا على الجبهات الثلاثة، فهي تغازل العقيد المهزوم من خلال رفضها لضربه من جانب الشرعية الدولية من جهة اولى، و تغازل المجلس الوطني الانتقالي"الثوار الليبيين"، من خلال تقديم خدماتها لهم بادارة مطار بنغازي من جانبها، من جهة ثانية، و تغازل الغرب من خلال إطلاقها تصريحات مؤيدة لحرية الشعب الليبي و حقانية مطالبه وکذلك إشتراکها في المؤتمر الدولي حول ليبيا و الذي سيعقد في لندن و تشارك فيه 35 دولة، و بإختصار فهي ترقص على ثلاثة ألحان مختلفة و في آن واحد وقطعا هي تکسب قلب و ود العقيد المترنح الذي بدأت نهايته المحتومة تنجلي شيئا فشيئا، وتکسب ود الثوار من خلال خدماتها المدنية التي ستقدمها لهم بإدارة مطار بنغازي، لکنها، لن تتمکن أبدا من کسب ود الغرب بلعبتها هذه، وسوف تدفع الثمن باهضا ولاسيما من جانب فرنسا التي اساسا تتربص بها من أجل عدم قبولها في الاتحاد الاوربي أما بريطانيا و الولايات المتحدة الامريکية، فمن المرجح جدا أن نشهد المزيد من الفجوات الجديدة بينها و بينهما.
التعليقات (0)