الرقص على آهات الضحايا!
من مميزات العصر الحديث هو السرعة واختصار الزمن في انجاز العمل!... الا في حقوق الانسان فتلك حالة اخرى تخضع للمناقشة الهادئة!...ففي حالة الحقوق الاساسية للانسان تسير الماكنة الزمنية بعكس الاتجاه السائد لان القيمة الفعلية للانسان تسير وفق تناسب عكسي مع القيم المادية وتطورها التي تزداد توحشا حتى انه قد يأتي زمن سوف يفلت الزمام من يد صانعها!.. تحرير الانسان يسير ببطأ اكثر وتحت انغام الجلادين وآهات المعذبين يرقص حكام العالم والمتحكمين به والسائرين بركبهم، بمتعة مثيرة لانعرف كينونتها او طبيعة معالمها الا انه لا يمكن تصور حدوثها لمن يملك الحد الادنى من العقل والمنطق والارادة الحرة فضلا عن القيود التي تحدد طريق السلوك!.
المذابح في ليبيا تقع يوميا وفي انتظار اليوم الاخير من انجاز المهمة التاريخية في ابادة الشعب الاعزل... مازال العالم يناقش هل يفرض حظرا جويا ام لا ونحن امام مذبحة وشيكة؟!...وهل ممكن ان يستفاد من الحظر الجوي ضمن منظومة مصالحه المتنوعة ام لا؟!...هل يقنع روسيا والصين الممتنعتين لحد الان بفرض الحظر الجوي والتدخل ام لا؟! فأذا كان هذان البلدان لا يحترمان حقوق الانسان في الداخل فكيف يمكن توقع احترامهما في الخارج؟!...
الابادة سوف تقع لا محالة في تلك الحالة المآساوية من الجنون البشري الذي مازال يراوح في مكانه وكأنه بقرة راقصة في مدار ساقية حمراء!...
الابادة الاخرى البطيئة في البحرين واليمن تتم بمباركة سرية من اخطبوط المصالح الدولية لكون النظامين خدام قدامى للنظام العالمي الجديد الذي من مميزاته محاربة الارهاب التكفيري وينسى من اين جاءت اسباب ذلك الارهاب واين تقع جذوره!.
ان ترك نصرة المظلومين ايا كانوا ليس فقط خيانة وانحدار ادبي واخلاقي فحسب! بل هي مشاركة فعالة في صنع جرائم ابادة لا يمكن ان يقبلها اي دين او ضمير انساني حي!...ما نلاحظه ان الدول المتحكمة بالعالم مازالت تناقش وبهدوء قاتل، هل يمكن منع طيران الطاغية القذافي ام لا؟!...وتتجاهل قواته البرية واجهزته الامنية والرعاع؟!...هل تترك بحرية لتواجه الابرياء وتتكرر نفس مأساة العراق عام 1991 عندما دفن في المقابر الجماعية عشرات الالاف من الشهداء لكون العملية اسهل وغير مكلفة للجلادين؟!...
من يظن ان القذافي لن يعمل نفس العمل فهو واهم ولا يفهم كيف يتصرف هذا المجنون الذي لاعبه العالم طويلا بسبب تحكمه بالنفط الليبي!...فقراءة تاريخه الاسود سوف تكون كافية لاستقراء مستقبله الاحمر!.
اذا كانت الظروف المحلية الضيقة لا تمنح القدرة على الابادة الجماعية في البحرين واليمن، فالوضع مختلف في ليبيا!...فصحرائها القاحلة قادرة على استيعاب دفن مئات الالاف في مقابر جماعية مجهولة لا تختلف عن مقابر الثوار زمن الاحتلال الايطالي او مقابر جنود الحلفاء في الحرب الثانية!... ومن يريد ان يتأكد فليضع تردده جانبا، فحياة الانسان الواحد في اعلى مراحل التقييم فكيف نضع حياة الملايين في كفة عفريت؟!...ان الشعب الليبي الجريح سوف لن يقبل حتى زيارة تلك المقابر مستقبلا ووضع الزهور على نصبها التذكارية والترحم على اصحابها بل سوف يتجاهل اي ذريعة للتهرب من المواجهة الان! فعقاب الشعوب المادي والمعنوي هو اقوى من اي عقاب آخر !.
لقد اخطأت المعارضة الليبية منذ البداية في التردد من ضرورة طلب اي مساعدة عاجلة ومهما كانت في ضرب النظام الباغي والقضاء على قدراته الاجرامية،ومن يريد تلبية النداء فسوف يكون له ذكرا حسنا في الذاكرة الليبية وذاكرة الشعوب الاخرى ومن يرفض فأن الهزيمة النفسية سوف تكون من نصيبه!...فالتردد وعدم الخبرة والخوف من المجهول قد ادى الى استمرار سقوط المزيد من الضحايا!...
لن تكون هنالك اية قوة على وجه الارض قادرة على فرض الامر الواقع على الشعب الليبي الى مالانهاية اذا كان هنالك خوف من سيطرة القوى الكبرى على البلاد مستقبلا،فهي قد سيطرت على المعتوه لعقود طويلة وبسرية تامة وبصورة غير شرعية! فالسيطرة الخارجية اسهل على النظم المستبدة...وبعد النصر على النظام الديكتاتوري، كل شيء سوف يكون ممكنا وتحرير البلاد واقامة السلطة العادلة سوف يؤديان بلا شك الى تأسيس حكم شرعي مستمدها من الارادة الشعبية الحرة ويفرض على حكومات العالم الاحترام كونه متأسسا على شرعية لا يمكن رفضها.
اكثر ما يحز في النفس هو النقاش الهادئ تحت انغام المدافع وسياط الجلادين المستمرة!...المعذوبون في الارض ليس لديهم الان الفرصة للنجاة بحياتهم! واذا فقدوها فأنهم سوف يفقدون كل شيء!... والاخرون في حالة من التخدير الذاتي الاتي من حبوب الشرعية والقوانين الوضعية والمصالح المتناقضة والحوار حولها! متناسين ان الرحمة ومساعدة المحتاج واجبة اخلاقية وانسانية قبل ان تكون دينية وقانونية!...
الموقف المبدأي الحازم:
لم يخلو الوضع الدولي من بعض المواقف المبدأية الحازمة تجاه الانظمة الديكتاتورية والتردد الدولي في مساندة الشعوب الثائرة...فوزير الخارجية الاسترالي كيفن راد والذي كان رئيسا سابقا للوزراء(2007-2010) واسقطته الرأسمالية المحلية نتيجه لرغبته في فرض مزيدا من الضرائب عليها!...كان كالعادة حازما في مناصرته الثابتة لحقوق الانسان والحريات، فقد هاجم وبقوة مجموعة الثمانية الكبار والتي تناقش الوضع الليبي في ترددها الطويل في ايقاف اجرام القذافي عند حده،وقال ان العالم في 2011 وهو مازال يقف مترددا امام اجرام القذافي الذي وصفه بالقصاب وهو يذبح شعبه وبدون رحمة،ان ذلك خزي وعار في جبين العالم وان شعوب المنطقة لن تغفر لهم ذلك التردد المشين حسب وصفه...ان تلك الدعوة الصادقة يجب ان تكون موضع تقدير واحترام بالاضافة الى ضرورة الاسراع بتبنيها كي نمنع من تكرار الجرائم الوحشية التي شوهت التاريخ الانساني.
اذا تركت الشعوب المستضعفة لحالها فأنها لن ترحم الذين تركوها في العراء وحيدة منتظرة بصبر الذبح ،حتى ولو ساندوها بعد حين!...واذا انقذت من الوحوش الكاسرة فأن رد الجميل واجب عليها وهي لن تتردد في ذلك ابدا تجاه مساعدة اخرين ايضا في نفس الحالة.
تسابق وخذلان!
اذا كانت الانظمة الخليجية تسابق الزمن لاخماد الثورة البحرينية التي عرتهم وكشفت مساوئهم امام الملأ ،فعلى الامم الحرة ان تسارع لنصرة الثورات الاخرى بدلا من خذلانها ولو من باب المساواة معها وان كان ذلك لايصح ابدا، فالعمل لاجل نصرة الحق لا يشبه العمل لنصرة الباطل!...فأذا كان التبريرات الوقحة الدالة على وضاعة فكرية وانحطاط ادبي قد صدرت لاخماد ثورة البحرين فلماذا التردد والرقص على آهات المعذبين في عمل هو واجب اخلاقي وانساني يتمثل في نصرة الشعوب الثائرة...
اليأس والخوف والرعب واللامبالاة سوف تكون هي الشائعة لمن يبقى على قيد الحياة...وحينها سوف لن ينفع الندم على الخذلان المشين!.
التعليقات (0)