الرقابة الأخلاقية في الفضائيات:
ترحيب اجتماعي..والفنانون غاضبون
بقلم/ ممدوح الشيخ
كان ظهور الفضائيات العربية تحولا كبيرا في صناعة السينما، فهي وفرت شاشات عرض تدخل ملايين البيوت دونما حاجة لتصاريح رقابية لا في الدولة التي أنتج فيها الفيلم ولا في الدولة التي تبث منها القناة الفضائية ولعلها أول الآثار الكبيرة للعولمة وتقلص نفوذ الدولة الوطنية في العالم العربي، فهذه الفضائيات التي ولدت الموجة الأولى منها في عواصم غربية لم تكن ملزمة بالمحاذير الرقابية السياسية والدينية والاجتماعية التي تتحكم بما يعرض على شاشات السينمات ومحطات التفلزة الوطنية.
وهناك تحولات عديدة غيرت معطيات البث الفضائي في مقدمتها إطلاق أقمار صناعية عربية (العرب سات والنايل سات)، ثم في مرحلة تالية هجرة الكثير منها إلى عواصم عربية (مدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة ومدينة الإعلام بدبي). وقد ترافقت هذه التحولات مع تغير في المزاج العام في العالم العربي كانت سمته الرئيسة المزيد من التدين والنزوع الأخلاقي المحافظ. والتخلص من بعض "القيود" القانونية الرسمية لم يكن معناه التوصل لنقطة تلاقي وتوافق بين حق المبدعين في العمل بحرية وحق المجتمعات في الدفاع عن قيمها الأخلاقية.
وخلال السنوات القليلة الماضية طفت على السطح ثلاثة ظواهر، الأولى: الجدل حول المشروعية الدينية والأخلاقية لبعض الأفلام (المصير – بحب السيما – مذكرات مراهقة – سوق المتعة – حين ميسرة – الريس عمر حرب – الباحثات عن الحرية – الوعد – بدون رقابة.. .. ..). والظاهرة الثانية: عرض عدد من الأفلام التي لم تسمح الرقابة إلا بعرضها "للكبار فقط". والظاهرة الثالثة إنشاء مجموعات إليكترونية تدعو إلى "سينما نظيفة" أشهرها حركة "حركة المقاومة الإليكترونية (حماسنا)"، ودعوات لمحاسبة مالكي الفضائيات التي تبث أعمالا فنية "إباحية"، وكان هذا متزامنا مع دعوة بالشعار نفسه طرحها فنانون متدينون وفنانات محجبات.
لكن الجدل حول المشروعية أخذ منحى آخر عندما قامت قنوات فضائية بادرت باتخاذ إجراءات رقابية قبل عرض أعمال درامية على شاشتها فجاء الاعتراض مدويا من أصوات في الوسط الفني اعتبرت هذه الرقابة عدوانا على حرية الإبداع.
ومن فيلم "حين ميسرة" إلى فيلم "بدون رقابة" هناك خيط متصل هو معالجة القضايا الشائكة التي قد لا يكون في معالجتها مشكلة من ناحية المبدأ، ولكن المشكلة تحدث حين تتم معالجتها عبر الخوض في تفاصيل مسموعة ومرئية تتصف بالفحش والابتذال، بدءاً من الزنا وصولاً إلى العلاقات المحرمة بين أطفال الشوارع، والمثلية الجنسية.
وقد بدأ رد الفعل الاجتماعي يختلف نوعيا عبر وسائل جديدة للاحتجاج فظهرت حملات على الإنترنت على مواقع مثل الفيس بوك إحداها دعت لمقاطعة فيلم "بدون رقابة" الذي أثار استياء المحجبات في مصر فشن عدد منهن حملة ضد مخرج الفيلم هاني جرجس فوزي، وذلك عقب تصريحات له عن حجاب راندا البحيري في الفيلم.
وهناك تفاوت في الاستجابة لفكرة الرقابة غير الرسمية وبالتالي يعتبرون الدور الرقابي للفضائيات تطورا إيجابيا في أدائها حيث تشهد القنوات الفضائية العربية في الآونة الأخيرة طفرة قيميّة جديدة إذ استعملت بعض الفضائيات مقصّها لحذف بعض المشاهد في إعلانات الأفلام ومنها من امتنع عن عرض الإعلانات من الأساس، وتبدأ قصة المقصّ الرقابي للفضائيات مع فيلم "حين ميسرة" عندما حذفت إحدى القنوات العربية المختصة في العروض السينمائية الكثير من مشاهد الفيلم، الأمر الذي جعل المخرج خالد يوسف يقوم برفع دعوى قضائية على القناة، مطالبا فيها بوقف عرض الفيلم أصلا.
وهو ما تكرر مع فيلم "بدون رقابة" في مشاكل عديدة مع المسؤولين بقناتين مختصصتين، بعد أن رفضت عرض إعلان فيلمه بسبب مشاهده "المبتذلة"، وبعد قليل أصبحت هناك قائمة من المشاكل المماثلة في فيلم "الوعد" وفيلم "رمضان مبروك أبو العلمين حمودة"، حيث طال مقصّ الرقابة الذاتية لإحدى القنوات العربية الجمل الحوارية لبعض أبطال الفيلمين، بدعوى خدش الحياء في الأول والتطاول على الحريات الخاصة في الثاني، بينما الفيلمان عرضا في السينمات كاملين ما يعني أن رقابة الفضائيات قد تكون أكثر التزاما بالمعايير الشرعية. وطبعا لم تسلم الكليبات من مقص القريب بعد أن شهدت السنوات القليلة الماضية موجة كبيرة جدا من العري والإباحية في الكليبات. كذلك بعض الأغاني أخذت نصيبها من الحذف.
ورغم ما يبدو من وجاهة لاعتراضات بعض الفنانين على هذا الدور الرقابي فإن المبدأ موجود بأشكال مختلفة حتى في أكثر الديموقراطيات عراقة وإن تم تطبيقه بشكل مختلف، فهناك ضوابط في هذه الدول تحدد المواعيد التي يجوز فيها عرض أفلام تحوي مشاهد عاطفية أو مشاهد عنف لا يجوز لغير البالغين مشاهدتها من خلال الإلزام ببث تحذي من أن العمل الذي سيعرض "ممنوع دون سن الـ18".
والباب الذي انفتح بمبادرة من بعض القنوات لا يستبعد أن يتحول إلى اتفاق ضمني أو ربما ميثاق شرف بين القنوات الفضائية والمشاهدين وبخاصة أن سلاح المقاطعة يمكن أن يتطور أثره ليلحق أضرارا ملموسة بعوائد هذه القنوات من الإعلانات.
التعليقات (0)