الرغبة في "إبليس"
إبليس، هو لا شك أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس. وإبليس كلمة مشتقة من البلس، وهو انعدام الخير. ويسمى إبليس بالشيطان وأصله شاط لأنه مخلوق من نار، ويسمى بالطاغوت لتمرده على ربه لرفضه أمره له بالسجود لآدم.
ويرمز لإبليس في المتخيل الشعبي الحساني إلى الجمال والقدرة على المراودة والإغراء خصوصا الجمال الأنثوي، إذ يقال نعتا وتشبيها: "فلانة مبلوسة" أو "فيها ابليس" أو "ساكنها ابليس". كما قد يقال " حاجلي فيك ابليس" وهي من أقوى العبارات التي تدل على قمة التعبير في التغزل أو قمة الرغبة في ممارسة الجنس ..
ويأتي ارتباط جمال المرأة عند الحسانيين بصورة إبليس نتيجة لقدرة جسدها الأنثوي على التحول من كيان محسوس إلى جسد يمتلك اللغة "قبل أن تمتلكه" ويدعوها لتمارس تعبيراتها الشعرية العفوية التي يجسدها اندفاع الرجل وبحثه الطبيعي عن الجمال..
فحين يطلق الحسانيون لفظة "مبلوسة" على المرأة الفاتنة، إنما للتأكيد على أن جسدها "الجميل" يحتاج إلى مثل هذا الكلام لكي ينتج نموذجه البصري. لذلك سعت المرأة الصحراوية إلى الإهتمام بمظهرها الخارجي ـ شأن كل النساء ـ على اعتبار أن : " الزينة هي أولا وقبل كل شئ استراتيجية مظهرية لها علاقة وثيقة بالفتنة والغواية كما يقول بورديار"1 .
على هذا الأساس، يتم التركيز على مركز الرؤية داخل العلاقة الأنطولوجية للمرأة بجسدها الذي يمثل رأسمالها الرمزي، ما دام النظر يمثل شرطا من شروط الغواية والتلقي الجمالي المحسوس الذي تمارس من داخله سلطتها الأنثوية.
هو ذا البعد الإبليسي الذي يتحدث عنه الحسانيون في إدراكهم الحسي والمادي لجسد المرأة، والذي وصفوه بلهجتهم الحسانية وعبروا عنه في حكاياهم ومروياتهم الشعبية وهنا أحد الشعراء من بنو حسان يقول:"
مرشوشة بابليس وفمــك مشرك والعاج حمومة
جبت ذاك من امك وامك مغزولة فيه ومبرومة
في حين تبدع إحداهن قائلة في هذه التبريعة2:
عـــــــــــــــندو تبسيمة باني فيها ابليس خويمة
وعلى العموم، فإن الحديث عن إبليس في المتخيل الشعبي الحساني بوصفه صورة رمزية للإغراءات والتأثيرات الجسدية التي تمارسها المرأة الحسانية بالصحراء، هو في حقيقة الأمر إثارة علنية لموضوع الجسد الأنثوي وكيفيات اشتغاله في ثقافة إنسان الصحراء بكل أسئلته الجمالية وتداعياته ورهاناته والإكراهات الناتجة عن أنماط الحظر على الجنس والطابوهات الإجتماعية والدينية التي تمارس عليه، أو ضده..
-1 فريد الزاهي:الجسد والصورة والمقدسفي الإسلام افريقيا الشرق ـ الطبعة الأولى 1999"ص 96
2- التبريعة : شعر النساء باللهجة الحسانية وبتعبير ذ.أحمد بابا مسكة التبريعة قصيدة صغيرة تعبر بها القتيات عن مشاعرهن المصادرة اجتماعيا ودينيا، والتي يمنع التعبير عنها بوضوح وبشكل صريح أمام الملأ".
التعليقات (0)