الرسول الأعظم
بقلم/ حسام الدجني
بدأ الحرس الثوري مناوراته العسكرية في الخليج العربي منذ أيام، استخدم فيها قطعاً بحرية وزوارق يستخدمها لأول مرة وأطلق عليها اسم "يا مهدي - عج" وهي فائقة السرعة قادرة على تدمير كل أنواع القطع البحرية للعدو المفترض وإغراقها دون أن يكتشفها الرادار.
لم تكن الرسول الأعظم هي أولى المناورات الإيرانية وكذلك لم تكن الأخيرة، فمنذ أن عزمت إيران على أن تكون لاعباً إقليميا قوياً في الشرق الأوسط، وانطلقت من قاعدة أن العالم لا يحترم سوى الأقوياء، بدأت في تطوير قدراتها العسكرية، واعتمدت على الإنسان الإيراني، وقدمت له الدعم الكافي، واستفادت من علاقاتها الدولية والإقليمية، فانطلق مشروع إيران النووي، ووصل اليوم إلى درجة متقدمة، وما زالت إيران تفعل المستحيل من أجل التقدم والرقي خدمة لمصالحها القومية.
حملت مناورة الرسول الأعظم رسائل إلى جميع الأطراف مفادها أن أي حماقة ضد إيران سيكون لها تداعيات على المنطقة برمتها، وقد يشكل إغلاق مضيق هرمز من قبل الحرس الثوري الإيراني، ضربة اقتصادية لكل دول العالم، كون المضيق هو ممر لــ 40% من كمية النفط التي تصدر إلى العالم.
قد تكون الرسالة وصلت إلى الولايات المتحدة، وقد يكون تصريح نائبة وزير الحرب الأمريكي مناورة تكتيكية، حيث تحدثت نائبة وزير الحرب الأمريكي للشؤون السياسية ميشال فلورانوي في مؤتمر صحفي بسنغافورة، "إن الخيار العسكري ضد إيران سيبقى الخيار الأخير للتعامل مع إيران النووية" .
لكنني لم أستبعد أن تكون التصريحات الأمريكية صحيحة، وان الولايات المتحدة والغرب أسقطا من حساباتهم الخيار العسكري في الوقت الراهن، وذلك لسببين رئيسين هما:
أولاً: أسباب تتعلق بعناصر القوة لدى إيران
ثانياُ: أسباب تتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية
أولاً: أسباب تتعلق بعناصر القوة لدى إيران
تمتلك إيران عناصر قوة من الناحية الجيوإستراتيجية، والجيوبوليتيكية، والجيوسياسية.
فمن الناحية الجيواسترتيجية تشترك إيران مع سلطنة عمان في التحكم بمضيق هرمز، ومدى أهمية المضيق الإستراتيجية للغرب، حيث يتم نقل 40% من النفط إلى دول العالم.
كذلك تطل إيران على بحر قزوين الغني بالنفط والغاز الطبيعي، ويجعل إيران لها نفوذ في آسيا الوسطى، وهذا ما يفسر العلاقات الجيدة بين إيران وروسيا الاتحادية.
أما من الناحية الجيوبوليتيكية، تمتلك إيران مقومات وعناصر قوة كبيرة، حيث تبلغ مساحة إيران 1.648.000 كيلومتر مربع، وهي تعتبر حسب تصنيف باوندز من الدول الكبيرة جداً، حيث يبلغ طول حدودها البرية 2450 كم، وطول حدودها البحرية 2500 كم، ومن الملاحظ هنا أن إيران تتعادل طول حدودها البرية مع حدودها البحرية، وهنا إيران تبدي اهتماماً في تطوير قدرات قواتها البحرية والبرية بشكل ملموس.
تشترك مع إيران في حدودها سبع دول هي باكستان وأفغانستان والعراق وتركمانستان وأذربيجان وأرمينيا وتركيا.
يبلغ عدد سكان إيران ما يقارب 70 مليون نسمة، بينما يبلغ تعداد سكان الدول المجاورة لإيران 311 مليون نسمة، يقابل كل فرد إيراني 4.5 أفراد من الدول المجاورة، وهي نسبة مقبولة على صعيد القدرات البشرية، وتشكل عنصر قوة لطهران.
أضف إلى ذلك التوزيع الجغرافي للمفاعلات النووية الإيرانية، ففي حال قررت الولايات المتحدة أو إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية تحتاج إلى سرب هائل من الطائرات لضرب المنشآت النووية في لحظة واحدة، وهذا الخيار في حال فشله، سيلقي بتداعياته على مستقبل النظام أحادي القطبية في العالم.
أما من الناحية الجيوسياسية فتتميز إيران بموقعها الاستراتيجي ومساحتها الكبيرة، وثرواتها الطبيعية التي تؤهلها للعب دور بارز في المنطقة، فاليوم تمتلك إيران أوراق قوة في كل الاتجاهات تستطيع من خلالها إشعال الجبهة الجنوبية في العراق ضد قوات الاحتلال الأمريكي، وتستطيع إشعال الجبهة الشمالية لإسرائيل من خلال حزب الله اللبناني، والجبهة الجنوبية لإسرائيل من خلال حماس والجهاد الإسلامي، وقد تشترك سوريا في أي حرب مفترضة، وستعمل طهران على ضرب المصالح الحيوية الأمريكية في دول الخليج العربي، وتحريك الجاليات الإيرانية في شتى أنحاء العالم.
ثانياُ: أسباب تتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية
الولايات المتحدة اليوم تعيش في أزمة اقتصادية وسياسية وعسكرية، فهي متورطة في العراق وأفغانستان وباكستان، وأصبحت نظرية الرأسمالية لا حصانة لها، وقد تفشل وتنهار في أي لحظة، وقد يكون لظهور منافسين قويين في النظام العالمي أحد أهم التحديات التي تدفع بالولايات المتحدة للحفاظ على قوتها وهيبتها وهيمنتها على الشرق الأوسط، كون روسيا والصين اليوم أصبحوا قوى اقتصادية كبيرة في المنطقة.
وهذا ما يبرر جهود السلام الأمريكية في الشرق الأوسط، حيث ترغب إدارة اوباما من إنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أعتقد أن الخيار العسكري ضد إيران يضعف مقابل الصمود الأسطوري للجمهورية الإسلامية، ولكن هذا لا يمنع من أن يرتكب الغرب حماقة غير محسوبة ضد إيران.
حسام الدجني
كاتب وباحث فلسطيني
Hossam555@hotmail.com
التعليقات (0)