وأما الشبهة الثانية التي تعلقوا بها أنه تعالى كان ولا عَالَم ثم خلقه، أخلقه في ذاته أم خارج ذاته؟ وكيفما كان فقد تحققت الجهة.
فنقول وبالله التوفيق: إن هذا شَىءٌ بنيتم على ما تضمرون من عقيدتكم الفاسدة أنه تعالى متبعض متجزىء، وإن كنتم تتبرّءُون منه عند قيام الدلالة على بطلان تلك المقالة وتزعمون أنا نعني بالجسم القائم بالذات، وهذه المسألة بنفس المقالة. وما تتمسكون به من الدلالة يهتك عليكم ما أَسْبَلتم من أستاركم ويبدي عن مكنون أسراركم، أما بنفس المقالة فلأن شغل جميع العرش مع عظمته لن يكون إلا بمتبعض متجزىء على ما قررنا، وأما بالدلالة فلأن الداخل والخارج لن يكون إلا ما هو متبعض متجزىء، وقيام الدلالة وانضمام ظاهر إجماعكم على بطلان ذلك يغنينا عن الإِطالة في إفساد هذه الشبهة والله الموفِق.
وربما يقلبون هذا الكلام ويقولون بأنه تعالى لما كان موجودًا إما أن يكون داخل العالم وإما أن يكون خارج العالم، وليس بداخل العالَم فكان خارجًا منه، وهذا يوجب كونه بجهة منه.
والجواب عن هذا الكلام على نحو ما أجبنا عن الشبهة المتقدمة أن الموصوف بالدخول والخروج هو الجسم المتبعض المتجزىء، فأما ما لا تبعض له ولا تجزؤ فلا يوصف بكونه داخلاً ولا خارجًا، ألا ترى أن العرض القائم بجوهر لا يوصف بكونه داخلاً فيه ولا خارجًا منه؟ فكذا القديم لَمّا لم يكن جسمًا لا يوصف بذلك، فكان هذا الكلام أيضًا مبنيًا على ما يضمرون من عقيدتهم الفاسدة.
وكذا الجواب عما يتعلق به بعضهم أنه تعالى لما كان موجودًا إما أن يكون مماسًّا للعالم أو مباينًا عنه، وأيهما كان ففيه إثبات الجهة، أنَّ ما ذكره من وصف الجسم، وقد قامت الدلالة على بطلان كونه جسمًا، ألا ترى أن العَرَض لا يوصف بكونه مماسًّا للجوهر ولا مباينًا له؟ وهذا كله لبيان أن ما يزعمون ليس من لواحق الوجود، بل هو من لواحق التبعض والتجزؤ والتناهي، وهي كلها محال على القديم تعالى، والله الموفِق
التعليقات (0)