الرد على المرجفين مهمة عظيمة، تكتسب عظمتها من عظمة الرسالة المحمدية وأهميتها في حياة البشر، لذا كان لزاماً على المتصدي لهذه المهمة أن يتحلى ببعض الصفات الطبيعية والمكتسبة للقيام بها على أتم وجه، ونقول طبيعية لأن هناك بعض الأشخاص غير مؤهلين طبيعياً للدخول في نقاش صحيح ومفيد مع المرجفين، حتى وأن أمتلكوا المؤهلات العلمية والنية الطيبة للقيام بالرد، وذلك لنفس السبب اللذي يمنع البشر من أن يصبحوا جميعاً رسامين، أو لاعبي كرة قدم.. أي عدم أمتلاك الموهبة .
أولاً وقبل كل شيء، نود أن ننوه الى أن الرد على المرجف بطريقة النقاش، سواءً أكان هذا النقاش وجها لوجه، أو كتابتاً "كما نفعل في المدونات"، يتطلب منا سبراً مسبقاً لأعماق المرجف، كي نعرف حقيقة من نتناقش معه، فليس كل من يثير شكوكاً حول القرآن أو أحاديث الرسول، صلوات الله عليه، هو مرجف غير حميد أن صح التعبير، لذا بأمكاننا أن نرصد نوعين من مثيري الشبهات (المرجفين) .
النوع الأول هو النوع المحمود، أي المرجف اللذي يثير الشبهة ليعرف الحقيقة . وهنا سنجد هذا الشخص وقد أثار نقاطاً نقاشيةً بطريقة علمية صحيحة، وبأسلوب مؤدب بعيد عن التجريح والتهكم المبتذل .
في هذه الحالة يكون النقاش واجباً محبباً، لما ينتجه مثل هكذا نقاش من فائدة عظيمة للطرفين، ولأطراف أخرى قد تطلع عليه، أما أذا وجدنا المرجف وقد دخل في نقاشات تصل الى درجة النقاش الطفولي، واللجاجة السمجة، والنقاش من أجل السخرية والتجريح فقط لا غير، فهنا نحن امام نوع ثاني من المرجفين، وهو النوع اللذي منعنا شرعاً، وقبل ذلك عقلاً، عن الدخول معه في أي نوع من أنواع النقاش، « وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ »، فكل ما سنجنيه من هذا النقاش هو سباب وبذائة وسخرية لا حاجة لعاقل بها، وعلينا تركه لمن تستهويه هذه التفاهة من الحمقى والجهَال .
قالت العرب في ذم النقاش مع السفيه .
إني لأعرض عن أشياء أسمعها حتى يقول رجال إن بي حمقا
أخشى جواب سفيهٍ لا حياء له فسلٍ يظنُّ أناسٌ أنه صدقا
وقال أبو العتاهية .
والصمت للمرء الحليم وقاية ينفي بها عن عرضه ما يكره
فكل السفيه إلى السفاهة وانتصف بالحلم أو بالصمت ممن يسفه
نحن لانقول بترك المرجف سيء الخلق بالمطلق، فهذا أيضاً بحاجة الى النصح والنقاش، وأحياناً يكون التهكم نتيجة الجهل بالقرآن، والتأثير السيء للمجتمع والأسرة على المرجف، ألا أن لهؤلاء طريقةً خاصة بالتعامل، وهي بعيدة كل البعد عن طريقة السباب واللعن المتبادل .
عن رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وسلم، أنه كان لا يمنعه من المخالقة الحسنة ولين القول للناس كونهم غير مرضيين أخلاقيا أو دينيا، فهو عليه أفضل الصلاة والسلام، قد بعث للناس جميعاً، ونحن أقتداءً به صلوة الله عليه، علينا أن نحاول مع المرجف المسيء بما أمكن، حتى أذا ما أستنفذنا جميع المحاولات العقلانية، كان الأعراض عن المرجف الجاهل، قمة التعقل والحكمة .
دخل على رسول الله، صلى الله عليه وأله وسلم، رجل سيئ الخلق فاحش القول، فاستأذن عليه في بيته، فقال رسول الله: «ائذنوا له»؛ فلما دخل عليه تطلق في وجهه، وألان له الكلام، وانبسط له في الحديث، فسألته زوجه عائشة رضي الله عنها عن ذلك فقال: «أي عائشة! إن شر الناس من تركه الناس أو وَدَعه الناس اتقاء فحشه» . وقال: «إن الله لا يحب الفاحش المتفحش» .
بأبي أنت وأمي يارسول الله . فهل هناك من رزانة، ورجاحة عقل، وثقافة، وخلق، بعد هذه الطريقة اللتي أستخدمها صلوة الله عليه وعلى آله، مع هذا الفاحش اللذي تخشى فحشه الناس ؟ .
لكل ذلك نقول أن معرفة المرجف هي نصف النقاش، ويبقى نصفه الآخر هو السجال على أساس العلم والعقل، ولاشيء غير ذلك، والحكيم هو اللذي يترك الجاهل يقول ما يعجبه، ولايدخل معه في جهله، فيجهل فوق جهل الجاهلين، كما يقول الشاعر .
نسيت أن أذكر هنا نوعاً آخر من المرجفين، وهم المبلبلين، أي أنهم من النوع اللذي يثير النقاش من أجل النقاش، وغايتهم عدم الوصول الى أية نتيجة من أي نقاش، فقط، أثارة البلبلة بين الناس، وهذا أمر في غاية الخطورة، فلطالما أستعمل هذا الأسلوب من قبل قوى الأستعمار العالمي في غزوها الثقافي للأمم، واللذي سهل لها كثيراً غزوها العسكري والأقتصادي، فعندما تفقد أية أمة هويتها وثقافتها وتأريخها، يصبح من السهل جداً أن تفقد بوصلتها، وعندها ستضل الطريق، لتصبح فريسةً سهلة للضباع والذئاب اللتي تنتظر في الأحراش اللتي على جانبيه .
التعليقات (0)