مواضيع اليوم

الربيع الغربي قادم .. "الرأسمالية تترنح ..الحكومات عاجزة عن معالجة الازمات الاقتصادية " .

حسن الطوالبة

2012-05-18 08:05:29

0

 اطلق على الانتفاضات العربية مصطلح الربيع العربي , ولكن الانتفاضات العربية استمرت واسقطت بعض الانظمة الموسومة بالديكتاتورية , ولكن كانت الشرارة الاولى لهذه الانتفاضات في تونس سببها الاول هو الوضع الاقتصادي الصعب في تونس ثم في مصر , فالشاب بوعزيزي اشعل النار في جسده بسبب وضعه الاقتصادي . فقد اختلط العامل الاقتصادي بالعامل الديمقراطي والحرية والكرامة الانسانية .

لقد بات واضحا ان الاحتياجات الانسانية هي الدافع وراء الاحتجاجات والانتفاضات سواء في الوطن العربي او في اسيا او اوروبا او الولايات المتحدة .وتشهد الدول الاوروبية انتفاضات ومظاهرات عارمة بسبب الاوضاع الاقتصادية ايضا , فهاهي الجماهير المسحوقة في اسبانيا والبرتغال والمجر وايطاليا وبريطانيا تخرج الى الساحات والشوارع رافعة شعارات ضد البطالة والفقر . ومن قبلها في اليونان التي تسير باتجاه المجهول في ظل الازمة السياسية الحالية عقب الانتخابات التشريعية الاخيرة , التي عقدت الازمة بسبب عدم الاتفاق على تشكيل حكومة ائتلاف في البلاد .

اذا كانت الدول العربية تتخبط في سياساتها الاقتصادية بين الرأسمالية والاشتراكية , واعتمد بعضها وبالذات الدول النفطية على العائدات من النفط , فان الدول الاخرى تعتمد على المساعدات الخارجية والاقتراض من البنوك المحلية والخارجية , وصارت هذه الدول غير قادرة على سداد الين او سداد فائدة الدين , وبالتالي  صارت محكومة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للاعمار , وتنفذ سياساته التي زادت من حدة الازمة الاقتصادية في هذه البلدان , ومنها على سبيل المثال الاردن الذي يعيش الازمة ذاتها سنة بعد اخرى , ويظل العجز في الميزانية سنويا هاجس الحكومات المتعاقبة , وهاجس الملك , اذ يسعى الى نيل المساعدات من الدول العربية الغنية ومن الدول الاجنبية , لسد العجز في الميزانية السنوية لتامين رواتب الموظفين وتمشية بعض المشروعات الخدمية , وليس امام الحكومة غير رفع الاسعار وتحرير المشتقات النفطية ورفع تسعيرة الكهرباء وما سيتبعها من رفع السلع المرتبطة بالكهرباء والنفط .

اما الدول الغربية فقد اعتمد بعضها على فكرة استعمار الدول الغنية بالموارد الطبيعية في عالم الجنوب لديمومة عجلة الحياة لمواطنيها , وعندما اضطرت للخروج من هذه الدول بفعل الثورات والاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتحرر والاستقلال , اخذت تعاني من الازمات الاقتصادية والعجز في ميزان المدفوعات , واضطرت الى الاقتراض من البنوك المحلية , ومنها الدول العظمى الولايات المتحدة ,التي  كان اقتصادها من اعظم اقتصادات دول العالم , ولكنها اليوم تعاني من العجز ومن الديون , وتطبع عملتها بدون غطاء معترف به , وكل اعتمادها على انها دولة عظمى قادرة على احتلال الدول الصغيرة ونهب خيراتها بالقوة العسكرية  .

الازمات والمظالم المنتشرة في النظام الرأسمالي التي وصفها كارل ماركس ما تزال موجودة في هذا النظام الى اليوم , وان اتخذت اشكالا جديدة تبعا لتغير الظروف , ومع ذلك لم يسقط النظام الراسمالي كما توقع ماركس والمفكرون الاشتراكيون , لان هذا النظام لدية قوة التكيف مع الظروف الجديدة وما توفره له الليبرالية الغربية من مرونة ومن امكانية حل المشكلات , والحيلولة دون سقوط النظام برمته .

لقد نمت الاحزاب الاشتراكية في الدول الغربية الراسمالية وقد نشطت وثارت على المظالم التي تحدث في تلك البلدان , ولكن القوة العسكرية والاقتصادية لهذه الدول حالت دون ان تتسلم هذه الاحزاب السلطة في هذه البلدان . ولكن هذه الاحزاب لديها مناصرون ومؤيدون منذ القديم وزاد عددهم مع تصاعد الازمات الاقتصادية في البلدان الراسمالية . النظام الراسمالي موجود في هذه البلدان , ولم ينتصر فيها نصرا حاسما ونهائيا , ولكن النضال ضد تبعات الراسمالية لم يتوقف , وهاهو يزداد اليوم في ظل فشل النظام الراسمالي حل المشكلات والازمات التي تعصف في البلدان الغربية .

ان الدعوة الى العدالة الاجتماعية والى محاربة الظلم والاستغلال ستظل موجودة وقائمة ما دام هناك تباين صارخ في الملكية وفي مستوى معيشة الناس , وما دام هناك استغلال من جانب الغني للفقير ومن جانب القوي للضعيف .

ان الراسمالية الغربية هي نتاج عاملين نشأ في دول اوروبا الغربية . الاول : هو ما سمي بالثورة الصناعية . والثاني : هو الاستعمار . فالاستعمار هو الذي اوجد ازدهار الصناعة في اوروبا الغربية . ولولا الاستعمار لما تمكنت الراسمالية الغربية من حل ازماتها الكبيرة . الاستعمار وفر للرأسمالية المواد الخام الرخيصة , والايدي العاملة الرخيصة ايضا , كما وفر الاسواق الواسعة . وجاءت الثورة التكنولوجية في القرن العشرين لتمكن الراسمالية من تخفيف ازماتها وتحسن المستوى المعاشي لاغلبية الناس في الدول الراسمالية الغربية , مما جعل استمرار الراسمالية في تلك الدول ممكنا وخفف من نقمة الشرائح الاجتماعية الفقيرة عليها .

ان هذه العوامل التي مكنت الراسمالية من البقاء ومن تحقيق الازدهار في الولايات المتحدة والدول الغربية ليست موجودة في بلدان الجنوب , واذا وجدت مثل هذه الاشكال من التقدم العلمي والتقني فانها لا ترقى الى مستوى ما احدثته الدول الغربية  عبر عشرات السنين , وعليه فمن الصعب اقامة نظام راسمالي حقيقي في بلدان الجنوب كالنظام الراسمالي الغربي قبل ان تتوفر هذه العوامل فيها .

ان منظري الراسمالية في دول الغرب يسعون وبشكل محموم وباساليب متعددة الى نشر قيم الراسمالية في العالم كله ,وهدفهم ليس خدمة شعوب العالم الاخرى وتطوير اقتصادها ورفع مستواها المعاشي , بل يفعلون ذلك لان انتشار القيم الراسمالية وبعض ممارساتها في البلدان الاخرى وخاصة بلدان الجنوب المتخلفة اقتصاديا وعلميا وثقافيا وصناعيا وعسكريا , سيوفر للدول الراسمالية الاساسية ظروفا سياسية واقتصادية واجتماعية افضل لاستغلال تلك البلدان وزيادة مصالحهم فيها , سواء باستمرار الحصول على المواد الخام الاولية باسعار رخيصة , او لضمان فتح اسواقها لتصريف بضائعها , ومنع هذه البلدان من التطور حتى لا تنافس الدول الغربية الراسمالية . ومع ذلك فان الدعاية الغربية تصور القيم والاساليب الراسمالية لشعوب الجنوب على انها الطريق الى الخلاص من الفقر ومن التخلف .  

ان دول الجنوب التي تعتنق المنهج الراسمالي انما تعتنق عقيدة ونظاما يؤديان الى عبوديتها للدول الغربية الراسمالية .في حين ان منهج العدالة او الاشتراكية بالنسبة لشعوب دول الجنوب ليست ضرورية لتحقيق  التوازن الاقتصادي والاجتماعي حسب وانما هي لكي تبلغ درجة عالية من التطور الصناعي والعلمي والتقني الذاتي , وهو ضرورة من ضرورات السيادة والاستقلال والحفاظ على المصالح الوطنية الاساسية . وهي الضمانة الوحيدة التي تمكن بلدان الجنوب من انشاء بنى اساسية متقدمة ومن تحقيق التقدم الصناعي والعلمي . وان سيادة الراسمالية في بلدان الجنوب تعني بقاء التخلف والتبعية للغرب وزيادة الفقر فضلا عن فقدان الاستقلال والارادة الوطنية وتهديد المصالح الوطنية الاساسية .     




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !