مواضيع اليوم

الربيع العربي.. واختلال المواقف

nasser damaj

2012-01-02 13:54:09

0

الربيع العربي.. واختلال المواقف
خليل الفزيع

عندما اجتاحت عالمنا العربي الأحداث التي عصفت بكيانه، لم تكن وليدة لحظة، أو طفرة مفاجئة، بل جاءت نتيجة مخاض عسير، نجم عن ظروف قاسية عاشتها هذه الشعوب، خلال عقود من الزمن، تراكمت بين مفاصلها أدواء أدت إلى الانفخار نتيجة الضغوط التي سببتها تلك الأدواء المستوطنة في عالمنا العربي، والمتمثلة في الظلم وانتشار الفقر والجهل، وإقصاء حرية التعبير، وانعدام فرص العمل، وغياب تكافؤ الفرص بين المواطنين، واحتكار الثروات من فئة قليلة حرمت غيرها من الانتفاع بالمال العام، حتى بلغ القهر بالمواطن العربي منتهاه، فكان ما ليس منه بد، وامتدت شعلة الثورة التي بدأت في تونس، لتحرق ما حولها، ثم انقلت إلى بلدان عربية لتحرق الأخضر واليابس في مصر وليبيا واليمن وسوريا، ولتهز عروشا ما كان لها أن تهتز لو أنصفت شعوبها، ومنحتها حقوقها، ووفرت لها من الأسباب ما يصون كرامتها، ليعيش المواطن فيها آمنا ومستقرا، وقد كشفت هذه الثورات عورات كثيرة كان المعتقد أنها قوية وصلبة، لكن اتضح أنها ضعيفة وهشة، وغير قابلة للصمود أمام رياح الاصلاح التي سقتها معاناة الشعوب بما يوقظها من سباتها العميق.
لكن هل هناك من يرفض ويدين الثورات العربية؟
من الطبيعي أن يرفض هذه الثورات أصحاب المصالح، والمنتفعين من استمرار الحال على ما كان عليه في السابق، ومن الخطأ أن نعتقد بزوال هؤلاء المعارضين بين ليلة وضحاها، بعد أن استمرأوا التلاعب بمقدرات شعوبهم، والكسب على حساب المحرومين والمعوزين، ومن ضربتهم الفاقة بعصاها الغليظة، لتكسر عظامهم، وتشل حركتهم في اتجاه ممارسة حياتهم الطبيعية، وكيف تستقيم الحياة لمن فقد أسبابها، وفقد معها كرامته وحريته وربما إنسانيته الممرغة في تراب الحاجة والعوز والفقر المدقع، في بلده المليء بالخير، وهو خير يجنيه من لا يرحم من في الأرض ليرحمه من في السماء.
من الطبيعي أن ترفض الثورات تلك فئات المنتفعة، الخائفة على مكاسبها، لكن كيف تدين هذه الثورات فئات لا محل لها من الإعراب في سياق الأحداث والظروف في تلك الدول المبتلاة بسرطان ظلم الحكام وبطشهم، وتبديدهم للثروات على حساب المحرومين والمحتاجين والفقراء.
كيف تدين الثورات فئات بعيدة عن واقع تلك الشعوب، لمجرد الحزن لمحاكمة رئيس وهي لم تذق طعم ظلمه، أو آلمها أن تنتهي حياة رئيس آخر شنقا، وهي لم تعرف معاناة ضحاياه من الأبرياء، أو ساءها أن يخلع رئيس وهي لم تدرك ما عاناه شعبه من تهميش وتجاهل وحرمان، أو ورق قلبها لزعيم تخاطفته أيدي الغاضبين حتى قضت عليه، وهي لم تعِ ما سببه لشعبه من عزلة عن العالم، ومن تخلف.. رغم ما لديه من ثروات طائلة توظف في التآمر على الشعوب الأخرى وشراء الذمم، وتدبير المؤامرات ضد بعض زعماء العالم.
ذلك الرفض له مبرراته لدى من ركبوا موجته لأسبابهم الخاصة، لكن هذه الإدانة ممن لا ناقة لهم ولا جمل في الأمر.. هذه الإدانة كيف تستقيم مع رغبات هذه الشعوب في الإصلاح، وسعيها لتحقيق أهدافها في الحرية والعيش الكريم؟.
حقا لقد قيل في الأمثال الشعبية: (النار لا تحرق إلا رجل واطيها) ولو جرب هؤلاء الذين يدينون الثورات العربية ذل الفقر، ومهانة البطالة، وقهر الظلم، لما ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه من إدانة للثورات التي صنعت يقظة الشعوب المستباحة من حكامها.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات