الربيع العربي يطيل عمر النظام السوداني
على العكس من كل التوقعات بتمدد الرييع العربي نحو الخرطوم . فإن نظام الإنقاذ الحاكم هنا يبدو اليوم أكثر راحة وسعادة ، وقوة قبضة فولاذية مما كان عليه بالأمس. وهو الذي خرج من هذا الربيع العربي بالكثير من الثمار اليانعة التي جاءت لمصلحته بالمجمل دون توقعات وكـدٍ أو جهد منه.
أولى الثمار التي قطفها نظام الإنقاذ كان وصول حزب النهضة (الإسلامي) التونسي إلى الحكم على أنقاض نظام بن علي العلماني الذي لم يكن يخفي قلقه من نظام الحكم الإسلامي في الخرطوم ، وبتعامل إزائه بالكثير من الريبة وعدم الثقة.
والثمرة الثانية التي قطفها نظام الإنقاذ وتلذذ بقضمها وأكلها كانت زوال دولة معمر القذافي ومقتله. وإرهاصات قرب وصول التيار الإسلامي القوي إلى سدة الحكم في طرابلس عبر إنتخابات حرة هي الأخرى تكرس شرعية المد الإسلامي الساعي لملء الفراغ في كافة البلدان التي عصف يها هذا الربيع.
ثم أتى زوال حكم فرعون مصر ؛ وفوز التيار الإسلامي بجناحيه الإخواني والسلفي في إنتخابات نوفمبر التشريعية مؤخرا لتكون ثالثة الأثافي التي سيجلس عليها نظام الإنقاذ متربعا مستريحا في بلاد السودان مركزها وأطرافها.
ويغض النظر عن درجات التعاون مع الليبي والتونسي بعد الربيع . فإن التعاون والتنسيق بين إخوان مصر وإخوان السودان وكافة التيارات الإسلامية حتى الصوفية معروف وتاريخي وإستراتيجي، نظرا لرسوخ العلاقات التاريخية بين الشعبين وما أفرزته وتفرزه على الدوام من تأثير جوهري جراء هجرات معاكسة للتيارات الفكرية والثقافية ؛ وغيرها من كافة جوانب ومناحي الحياة طوعا أو كرها في هذا الوادي على طول المجرى المائي الخالد الذي يصل بينهما.
ولا أحد ينكر أن العلاقات بين نظامي حسني مبارك وعمر البشير قد شابها الكثير من محطات الخلاف والعوالق والبرود المزمن . وأن حسني مبارك لم يكن يطيق الجلوس إلى عمر البشير ؛ ولا كان هذا بأقل كرها لمبارك وضيقا وتبرما منه وإستثقالاً لدمه.
نحن الآن أبناء الحاضر .... والتوقعات لا تبدو محيرة لجهة تأثيرات ما جرى في تونس وليبيا ومصر على مسار الأحداث الداخلية الجارية الآن في السودان . وأهم تلك الأحداث هي ما يتعلق بمستقبل نظام الإنقاذ ؛ ومدى قدرة المعارضة الداخلية بجناحيها السياسي والعسكري في خلخلة أركانه وإزالته من على سدة الحكم ... وكذا مدى قدرة دولة جنوب السودان على لعب دور مؤثر في أحداث السودان الداخلية بعد دخول قوى إقليمية عربية جارة مؤثرة على السودان بمستوى مصر وليبا . ثم ودعم معنوي دبلوماسي إستخباراتي متوقع من تونس على أقل تقدير.
حتما سيضمحل دور دولة الجنوب الذي كانت تأمله بعض العناصر الأفريقية في جنوب كردفان والنيل الأزرق . بل ربما يشجعنا ما جرى على الساحات التونسية والمصرية والليبية لنبش وفهم التراخي الأمريكي والغربي إزاء ماجرى ويجري من بسط لليد الحكومية الحديدية فوق رؤوس وصدور زعامات وقيادات ومنسوبي وأتباع الحركة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق بنحو خاص. ولن تكون حركات التمرد وفصائلها المتعددة في دارفور بأفضل حال من غيرها ؛ وهي التي خسرت الكثير الكثير من جراء سقوط نظام القذافي الذي كان يكيل لها مدد المال والسلاح والإستخبارات والمأوى بلا حساب ....
أركان تحالف كاودا ضد نظام الإنقاذ الحاكم والذي يضم الحركة الشعبية وكبريات فصائل متمردي دارفور
وبالجملة فإن تحالف "كاودا" يشهد الآن أحلك أيامه ؛ ويواجه أصعب مراحلة من جهة القدرة على الإستمرار بفاعلية داخل مناطقة الحيوية . ناهيك عن تنفيذ تهديداته وطموحاته بالزحف العسكري تجاه الخرطوم لقلب نظام الحكم فيها بالقوة . وهو حلم إن لم يكن تبخر فقد بات بعيد المنال. أو ربما تطويه غياهب النسيان عما قريب . ولن نعود نرى منه على مايبدو غدا وبعد الغد سوى فرقعات وتفجيرات وغزوات الإنترنت ؛ والتي تجيء هي الأخرى متنافرة متناقضة غير محبوكة ما بين بيانات عنترية عن تكبيد جيوش الحكومة خسائر فادحة في العتاد والأرواح تارة . ثم بكاء وعويل ومرّ الشكوى من الإغتصاب والسجون والتعذيب وحصد طيران ومدفعية وآلة الحرب الحكومية لأرواح أهل وعسكر تلك الجهات تارة أخرى ..... فلا نعود نصدق أي من هذه البيانات تخرج علينا صادقة وتعبر عن وجه الحقيقة؟
من جانبها أفلحت الأحزاب السياسية في الشمال وعلى رأسها حزبي الأمة والإتحادي الأصل في قراءة الواقع الجديد . فتخللت علاقتها بحزب المؤتمر الوطني الحاكم الكثير من الميوعة التي ذكرتنا بمعالجات "الفتنة الكبرى" على أيام علي ومعاوية ... وها نحن نرى إثنين من أبناء كل من زعيمي الطائفتين (الصادق المهدي) و (محمد عثمان الميرغني) يتقدمان للإنضواء تحت الإضواء الكاشفة للواء الإنقاذ عربونا "من اللحم الحيً" لتوافق خفي بين المؤتمر الوطني من جهة وحزبي الأمة والإتحادي الأصل من جهة أخرى....... بل ونرى في وجه جعفر الصادق بن محمد عثمان الميرغني وسط حكومة الإنقاذ كمالة الوصل مع مصر المتصوفة بعد الوصل مع إخوانها المسلمين والسلفيين.
خلاصة القول أن رياح التغيير في مسيرتها من تونس إلى ليبيا ثم مصر وفي طريقها إلى السودان ... وعبر كل هذه المسافة الطويلة ؛؛؛ نراها وكأنها قد تحولت إلى نسيم نيلي عليل يطيل عمر نظام الإنقاذ . ويجعله أكثر رغبة في اليقاء والإستمرار .. ويزيل عنه ثلوج العزلة العربية الطويلة التي فرضها عليه نظام حكم مبارك . وظل يعانى من تبعاتها منذ مجيئه للحكم عام 1989م . مرورا بموقفه من غزو العراق للكويت .
وحتما سيشهد السودان يعد أن إنفصل عنه جنوبه الأفريقي .... حتما سيشهد خلال المرحلة المقبلة توجها قويا نحو خياراته العربية ، والإنخراط في محور وتحالف إستراتيجي مثمر منتج على كافة الأصعدة مع مصر وليبيا وتونس ؛ وربما تركيا أردوغان التي يهمها أمر جنوب البحر الأبيض المتوسط كثيرا..
التعليقات (0)