الربيع السني في العراق : الحقائق والوسائل
عمر عبد العزيز الشمري
لا يوجد هنا في العراق سني واحد راضٍ عما يحصل للكيان السني المستهدف في العراق من مخططات ومؤامرات تهدف لتحجيمهم بل لإخراجهم من العراق وجعل العراق بلداً شيعياً خالصاً فهذه أمور معروفة في العقلية الشيعية ومحفوظة في التاريخ الشيعي الدموي المليء بالفتن والخيانات، فالمادة الرابعة "إرهاب" جاهزة والاتهامات بالانتماء للبعث جاهزة والاجتثاث حاضر والمحاكمات تعمل ليلا ونهارا والقوات الشيعية تداهم كل ساعة منطقة سنية وتعتقل العشرات من أهل السنة في العراق ولا ضمير أو رادعٍ للشيعة فهم مستمرون على هذا النهج التكفيري منذ السويعات الأولى لاحتلال العراق. وللأسف فشل أهل السنة في التصدي لهذا الاستهداف الطائفي وذلك لأسباب كثيرة منها إيمانهم بعدم شق الصف وضرورة مقاومة الاحتلال والاعتماد على الحلول السياسية في مواجهة الاستهداف الطائفي الشيعي ولكن اليوم نحن بحاجة لقراءة واعية وعميقة فالخلل هو خلل في العقلية والتفكير السني فهو مازال رهين الماضي وحبيس الوطنية التي مازالت طريقا يسلكه بعض سياسيو السنة وهم معروفون للعيان لا حاجة لذكر أسماءهم .فاليوم علينا تصحيح مسارنا ووضع خارطة طريق توصلنا لبر الأمان ولكي نحقق هذا الأمر يجب علينا أن نضع النقاط الآتية أمام أعينا فهي وصف لحال أهل السنة في العراق :
1- إن المشكلة الأساسية لأهل السنة هي مشكلة (تفكير) فهم مازالوا يصدقون الشيعة في أنهم إخوة وأن من يقوم باستهدافهم شيعة إيران وليس الشيعة العرب الذي هم أبناء عمومة وتلعب التقية الشيعية (التي لا يعرفها كثير من السنة للأسف) دوراً كبيراً في هذا، إضافة إلى عنصر المصاهرة والقرابة فهو عنصر صعب، وكذلك عنصر التعايش المشترك الذي عاشه أهل السنة مع الشيعة فهذا ما يعتبره السني دليل قوي على التعايش مع الشيعي منذ زمن بعيد وكذلك المصالح مشتركة بين الأفراد التجارية والصناعية والزراعية وغيرها فمن الصعب أن يفكر السني بتركها .
2-إن أهل السنة قد فقدوا الثقة بالنخبة السياسية السنية التي فشلت فشلاً ذريعاً، بل أصبحت ذراعا للقوى السياسية الشيعية تتحكم بها وتضغط عليها وتخلف وعدها معها فرغم الشعور بالندم في العزوف عن المشاركة في الانتخابات الأولى ومشاركتهم في الانتخابات الأخيرة إلا أن السياسيين السنة لم يقدموا لأنصارهم شيئاً يذكر.
3- إن التحرك من أجل الدفاع عن أهل السنة يعتبره كثير من المحسوبين على أهل السنة خطوة من خطوات تقسيم العراق،وهذا الأمر مرفوض من قبلهم .
4 - إن أهل السنة قد ذاقوا الويلات من الحروب والنزاعات التي أنهكتهم واستنزفت قواهم وقد قاتلوا على أكثر من جبهة وأكثر من عدو؛ فقد قاتلوا المحتلين بدون أي دعم عربي وقاتلوا المليشيات الشيعية والقوات الحكومية الشيعية في بغداد وغيرها من المناطق وقاتلوا قتالاً مريراً وخطيراً ضد تنظيم القاعدة الذي كان بمثابة (الفتنة الكبرى) وقاصمة الظهر، فهم بعد كل هذه الحروب والتضحيات يشعرون أن حالهم لم يتغير وإن تلك التضحيات قد ذهبت سدىً وهباءً منثوراً ؛ لذلك هم يرفضون أي قتال جديد مع أي طرف كان .
5- ابتعاد علماء وخطباء أهل السنة عن الواقع وكأن الأمر لا يعنيهم، ومرد هذا إلى ارتباطهم بما يسمى بالوقف السني الذي أصبح يتحكم بمضمون خطب الجمعة، وهذا الأخير تسيطر عليه حكومة المالكي، وهذه من أخطر الأسباب والوقائع ، فإذا فسد العلماء فسدت الأمة.
6- إن البعض من أهل السنة لا يهتم إطلاقاً لما يحصل من استهداف للمكون السني وكأنه يعيش خارج الزمان والمكان وهمه الوحيد جمع الأموال والسياحة والتسكع وإشباع شهواته .
7- الكثير من أهل السنة ينتظرون أمرا ما يحصل يخلصهم مما هم فيه كانتصار الثورة السورية ودعمها للسنة أو حصول حرب على إيران أو اقتتال بين الشيعة أو غير هذا من الأماني والأحلام التي يفكر فيها كثير من السنة اليوم .
8- بعض آهل السنة يفكر في إطار العشيرة أو الحزب أو المكون الصغير الذي يسعى لخدمته على حساب مكونه السني المستهدف ويرى نفسه أفضل من خدم وقدم لأهل السنة ويغفل عن حقيقة أنه مستهدف لأنه سني وليس بسبب حزبه أو عشيرته.
9 - انعدام ثقة أهل السنة بالدول العربية التي تركتنا لوحدنا نواجه أعداء كثر بلا مناصر أو معين إلا الله ولا حتى مساعدات تعيننا على ما واجهناه من مصاعب ومصائب.
10- بعض مناطق السنة تشهد صراعا من نوع آخر وهي ما تسمى المناطق المتنازع عليها وهي بالذات المناطق المشتركة مع الكرد، فالعرب السنة في تلك المناطق غير مستعدين للدخول بصراع مع الشيعة وترك الخطر الكردي ( متمثلاً بالحزبين الحاكمين ) يهددهم.
11- وجود بعض أبناء السنة المتمسكين بالفكر التكفيري الذي يسحرهم بعلمياته الخسيسة التي هي تستهدف المكون السني أكثر من غيره، بالمقابل هناك من يتمسك بالمقاومة ويرى أنها الخلاص الوحيد رغم أن المقاومة تمر بأزمة حقيقية تتمثل في عدم وجود قبول كبير لها في الحاضنة السنية ليس لذاتها أو لبرنامجها بل هم يعتزون ويفتخرون بها لكن بسبب ما ذكرناه وهو نفورهم من الحرب والقتال إضافة إلى أن المقاومة لم تتوحد للحظة، وهي تمر في مرحلة إعادة تشكيل وتنظيم. بينما نجد هناك من يتمسك بالجيش والشرطة والصحوة باعتبار التطوع في هذه الأجهزة هو الخلاص الوحيد للحد من الاستهداف الطائفي وهذا صحيح من الناحية النظرية بينما فشل من الناحية العملية لأسباب منها تسلط الشيعة على هذه الأجهزة وتضييق الخناق عليها واستهدافها بالاعتقالات من قبل الشيعة تارة وبالاغتيالات من قبل تنظيم القاعدة التكفيري تارة أخرى،إضافة إلى اهتمام بعض أفرادها بالمادة والترقيات أكثر من أي شيء آخر.
وهنالك أسباب أخرى كثيرة عامة أو جزئية ولكن ما نريده من هذا العرض هو فرض الحلول التي تمكننا بعون الله وحوله من إعادة ثقة السني بنفسه ورسم خارطة طريق جديدة لحماية أهل السنة من الاستهداف الطائفي والتكفيري على حد سواء وهذه الخطوات :
1 - تنبيه أهل السنة بأن (الربيع السني) ليس حربا على أحد ولا ثورة تقليدية على نظام حكم كالتي حدثت في مصر وتونس فنحن مازلنا بعيدين بعض الشيء عن هذه الثقافة وكلنا شاركنا بثورة 25 من شباط وتوقفنا عن ذلك وهذا لا يتناسب مع واقعنا بطبيعة الحال لكن يمكن استثماره بشكل آخر كما سأذكر تباعا.
2- إن الربيع السني هو ثورة فكرية وإعلامية وثقافية تحرك الجمود والسكون السني ويتم ذلك عبر العلماء والخطباء والمفكرين والناشطين والنخب السياسية والإعلامية وكذلك ينبه أهل السنة إلى حقيقة الصراع مع الشيعة بأنه صراع تاريخي وليس وليد اللحظة وإن هناك أفكار جهنمية يحملها الفكر الشيعي كتكفير من لا يؤمن بالولاية واستحلال دمه والإيمان بظهور المهدي والتمهيد له الذي من شأنه تدمير البلاد والعباد وقتل العرب وهدم الكعبة وغيرها من الأفكار الهدامة التي من الضرورة إطلاع أهل السنة عليها .
3- إن الربيع السني لا يسعى لتقسيم العراق ولا نفكر بذلك البتة حتى في إطار تفكيرنا بخيارات الأقاليم فكيف نفكر بترك العراق وهو بلد الحضارات أو كيف نفكر بترك هذا البلد وقد استشهد من الصحابة في معركة القادسية أكثر من أي معركة أخرى، ولا ننسى أن البصرة والكوفة مدن بناها فاروق الإسلام عمر بن الخطاب و لا يمكن أن نفكر بتركها إطلاقاً؛ ففي هاتين المدينتين ظهر خيرة علماء أهل السنة والجماعة في العقيدة والفقه والأصول واللغة والقراءات والتفسير فمن نحن حتى نتنازل عنها أو ننساها ، وإن الذي نطرحه هو خيار مرحلي بسبب هذه الظروف وليس إطلاقا خيارا نهائيا.
4 - إعلام أهل السنة وتذكيرهم بأن العيش المشترك مع الشيعة كان في ظل حكم سني وقوة سنية حاكمة فيما كان الشيعة محكومين وضعفاء لذلك لجئوا للتقية لإخفاء أفكارهم وطائفيتهم واليوم عندما قوت شوكتهم وأصبح الحكم بأيديهم ظهرت حقيقتهم فالعيش المشترك لم يكن عيشا مشتركا بل مكر وخداع، وعلينا ضرب الأمثال التاريخية لهذه الحقائق .
5 - على أهل السنة أن يعرفوا أن علاقات المصاهرة والمصالح المشتركة يجب ألا تغفلنا عن هدفنا وحقنا وأن لا نجعل هذه العلاقة فوق مصالح أهل السنة وننجر وراءها فكم من سني - وزوجته شيعية - قتل على أيدي الشيعة ولم تشفع له، وكم من سنية طُلقت بسبب دفاعها عن أهلها ومكونها، وكذلك الأمر للمصالح التجارية والاقتصادية وغيرها فالمال يذهب ويأتي ولكن الدم إذا ذهب ستتبعه دماء إن لم نوقفه.
6- إن السياسيين السنة الذين شاركوا في الحكم الحالي والذين خارج الحكم فشلوا جميعاً في وضع الحلول والعلاج لأهل السنة وهذا الفشل لا يعني أنهم فاشلين بالضرورة ؛ بل لأن السني كان يظن إنه بمجرد أن يضع ورقة الاقتراع في الصندوق سيتغير كل شيء بدون يعمل هو بجد وجهد للمساندة والوقوف إلى جانب هؤلاء السياسيين فهم بحاجة إلى دعم شعب قوي ممن انتخبهم حتى يحصلوا على عزيمة وقوة لمواجهة السياسي الشيعي المدفوع من عوام الشيعة فكم مظاهرة خرجت تأييدا لقرارات المالكي ضد المكون السني، فيم أهل السنة يتفرجون ويحملون سياسييهم الفشل كاملا بدون أن يفكر ماذا يفعل هذا السياسي أمام الحشد السياسي والجماهيري والإعلامي الشيعي.!!
7- إن خيار الأقاليم خيار صائب في هذه المرحلة وهو حل مرحلي لا يمكن - إطلاقاً- اعتباره خياراً نهائياً فهو بمثابة انعزال مقاتل عن المعركة لحين استراحته وإعادة جمع نفسه وذخيرته وسيعود ليطالب بحقه كاملا .
8 - إن الربيع السني لا يسعى لجيش حر ولا لأي تنظيم عسكري للأسباب التي ذكرتها، وإذا كان لا بد منه فيجب أن يكون سريا بامتياز و بالتنسيق مع وجهاء أهل السنة ويعرفه أهل الاختصاص وعلينا أن لا نختلف على شكل هذا التنظيم سواء أن كان داخل أو خارج الجيش الحكومي الحالي وأن يبتكر طرق جديدة وفعالة لحماية أهل السنة ويستفيد من دروس المقاومة ودروس الجيش السوري الحر في سوريا ونحميه من أي اخترق ولاسيما من تنظيم القاعدة ومخابرات إيران.
9- تنبيه العرب السنة في مناطق العيش المشترك مع الأكراد إلى أن الصراع معهم ( الأكراد ) هو صراع مصلحة يمكن حله وليس صراع عقيدة دينية أو فكر دموي كالفكر الشيعي فيبتغي مواجهة الخطر الأكبر المتمثل بالفكر الشيعي .
10- صهر التفكير بالعشيرة والحزب والتعصب لهما والعمل على التفكير كشخص سني مسلم الذي هو سبب دخول الجنة وليس العشيرة أو الحزب وتنبيه أهل السنة أنهم مستهدفون لأنهم سنة لا لشيء آخر.
11- تجاوز الخلافات بين القوى السياسية السنية والعمل على عقد مؤتمر يشمل العشائر والأحزاب وهيئات ومجالس العلماء والمقاومة والصحوات الشخصيات السنية يضع في عينه إقامة مشروع سني حقيقي لحماية أهل السنة وانتخاب قيادة سنية قوية قادرة على حمايتهم والدفاع عنهم، مع التأكيد على ضرورة الدعم الشعبي السني لهذه القيادة والثقة فيها الوقوف لجانبها عبر المظاهرات والمنتديات والمؤتمرات وتوحيد الخطاب السني السياسي والإعلامي وتأجيل الخلافات الفكرية.
12- إنشاء قنوات فضائية تسعى لتحقيق هذه الأهداف وكذلك تدشين مواقع على الانترنت للأمر نفسه وكذلك توزيع المجلات المجانية والمطويات والكتب التي تسعى لنفس الأهداف واستثمار غيرها من الوسائل.
13- إنشاء منتديات وهيئات ثقافية لشباب أهل السنة ودفعهم للطريق الصحيح وحمايتهم من الانحراف العقدي والأخلاقي والفكري ومن صحبة السوء ومن استغلالهم من جهات مشبوهة.
14- تنبيه الأخوة العرب وإعلامهم بما حصل لأهل السنة من مجازر ومذابح بحقهم من الاحتلال والشيعة والقاعدة وما اقترفته الأخيرة من جرائم بحق المجاهدين وغيرهم ، وكذلك تعريفهم بالصحوات وسبب وجودها لأن الكثير يظنون أنها جاءت لحماية الاحتلال وقتال المقاومة وهذه نظرة قاصرة وبعيدة عن الحقيقة.
أخيرا أقول : إني لا أدعي إحصاء كل الأسباب أو كل الوسائل التي تنقذنا مما نحن فيه، لكن هذا الغالب الأعم وهذا الأمر سيبقى حبرا على ورق إن لم تكن هناك نية جادة وصادقة لانتشال أهل السنة مما هم فيه . أسأل الله التوفيق والسداد والإخلاص.
عمر عبد العزيز الشمري
كاتب ومدون عراقي
الأحد 9/9/2012
التعليقات (0)