في 25 كانون الثاني 2011، نزل شباب مصر إلى ميدان التحرير، وأعلنوا الثورة على نظام الحكم. في 11 شباط، أطل نائب الرئيس عمر سليمان على شاشة التلفزيون وأعلن في بيان مقتضب تخلي حسني مبارك عن السلطة وتكليفه المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد. افتتن العالم بثورة الشباب البيضاء، وتغنّى بها، وبدت «انتفاضة الثمانية عشر يوماً» بداية لفجر جديد، غير أنّ الصورة سرعان ما تلبّدت. بعد أقلّ من عام، انتهت انتخابات برلمان الثورة بفوز الإسلاميين بأكثر من ثلاثة أرباع أصوات الناخبين، وتراجع شباب «ثورة اللوتس» إلى الخلف. احتل «حزب الحرية والعدالة» المرتبة الأولى في انتخابات مجلس الشورى، كما في انتخابات مجلس الشعب، وحلّ «حزب النور» السلفي في المرتبة الثانية، وجاء «حزب الوفد» في المرتبة الثالثة، وباتت «الكتلة المصرية» في المرتبة الرابعة. كما احتل الشباب ساحة الميدان، احتلّ الإسلاميون البرلمان، ورأوا أن فوزهم يجسد إرادة الشعب ويعبّر عن اختياره الحر.
انبثق «حزب الحرية والعدالة» من «جماعة الإخوان المسلمين»، بعد أيام قليلة من تنحي مبارك، وكان انتصاره متوقعاً. في المقابل، تشكّل «حزب النور» السلفي بعد مرور بضعة أشهر على انتصار الثورة، وكانت الانتخابات البرلمانية هي أول احتكاك له بعالم السياسة. فاجأ هذا الحزب الفتيّ الجميع بحصوله على نحو ثلاثين في المئة من المقاعد البرلمانية، متصدّراً بذلك المشهد خلف حزب «الإخوان». هكذا خرجت السلفية المصرية من الظل إلى النور، وأظهر انتصارها في الانتخابات مدى تغلغلها في الشارع المصري واتساع شعبيتها. ورث «حزب النور» الجمعيات السلفية العديدة التي ظهرت في ربع القرن الأخير، مثل «الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنّة المحمدية» و»جماعة أنصار السنّة المحمدية»، اللتين برزتا في ميدان الأعمال الخيرية، واشتهرتا بدعوتهما إلى تنقية الدين من «البدع» المنتشرة في مصر، وفي مقدمها «التبرك والتمسح بالأضرحة أو النذر لها والصلاة فيها». يعزو البعض انتشار هذه الحركات السلفية إلى المصريين العائدين من السعودية. علا صوت السلفيين في الانتخابات البرلمانية، وتبنّى خطاباً لم تعهده مصر من قبل. تمثّل هذا الخطاب في سلسلة من الفتاوى التي سجّلتها الصحافة المحلية، أبرزها تكفير الليبيراليين والعلمانيين، واعتبار الانتخابات النيابية معركة بين الحق والباطل. هكذا، وُصف السلفيون بأنهم أهل الحق و وُصف العلمانيون والليبيراليون بأنهم أهل الباطل، فشُبِّهوا بـ»قوم شعيب»، واعتُبِروا من «الجماعات الخارجة عن الدين». أفتى الشيخ محمود عامر بعدم حرمة التصويت لكل من الليبرالي والعلماني والقبطي والمسلم الذي لا يصلي، وقال «التصويت لهؤلاء حرام شرعاً، ومن يفعل ذلك فقد ارتكب إثماً كبيراً، وتجب عليه الكفارة». وخرج المتحدث باسم الدعوة السلفية في انتخابات الإسكندرية عبد المنعم الشحات بطائفة أخرى من الفتاوى العجيبة، مثل: «الديمقراطية كفر»، «الليبرالية كفر وتعني عدم لبس الحجاب»، «التماثيل حرام لأنها تشبه الأصنام»، و»روايات نجيب محفوظ تدعو للرذيلة والإلحاد». تجلّى الموقف السلفي حيال المرأة من خلال هذه المعركة الانتخابية. ركّز دعاة التيار الليبرالي على ملصق لـ»حزب النور» بالدهقلية، وُضعت فيه صورة زوج إحدى المترشّحات للبرلمان بدلاً من صورتها التي اعتبرت «عورة». نفى الحزب ذلك متّهماً أعداءه بـ»فبركة» الصورة، ثمّ عاد و وزّع ملصقاً بديلاً وضع فيه صورة وردة مكان المترشّحة. في المرحلة الثانية من هذه الانتخابات، بقي «حزب النور» السلفي مصرّاً على عدم نشر صور مرشحاته، فترك مكان صورة المرشحة رباب أحمد فارغاً في بعض اللافتات، و وضع مكانها شعار الحزب في لافتات أخرى. من المفارقات الغريبة، يزعم المراقبون أن الحزب يؤمن بأن مشاركة المرأة في البرلمان حرام، غير أنّه أُجبر على ترشيح نساء ضمن قوائمه لأن قانون الانتخابات المصري يفرض ترشيح النساء ضمن القوائم الخاصة بمختلف الأحزاب...
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=6509
التعليقات (0)