الربيع التالي!
وصف الثورات العربية المعاصرة بالربيع العربي مثاليا الى حد ما وقد يكون الوصف غير دال على الزمن التقليدي وانما بداية عصر جديد ينطلق فيه العالم العربي من غياهب الاستبداد والظلم والقهر،الى عصر الحرية والعدل والمساواة، وادخال لفظة الزمن غير دقيق لان الثورات بدأت في فصل الشتاء وانتصرت خلاله ثورتان بينما كان انتصار الثالثة في الصيف!ولكن الوصف يبقى اقرب مدلولية للثورة السورية التي انطلقت منتصف آذار(مارس) او بعض الاحتجاجات المتناثرة بين الحين والاخر!.
مهما كانت النتائج الايجابية الظاهرة للثورات العربية رغم اهميتها المؤكدة فأنها مازالت غير مؤثرة بشكل فعال من عدة نواح على الطبائع السلبية الموروثة والمكتسبة والتي شاعت في المجتمعات العربية خلال قرون مضت من تخلف وجهل وفساد وانحطاط في ادراك معنى قيمة الانسان العالية وقدسية حياته وكرامته او صعوبة التخلص من مرض السرطان المستشري والمستديم والمتمثل بالطائفية والعنصرية والقبلية والتكفير !... انتهاك حرية الانسان وكرامته وسلب حياته بمختلف الطرق البدائية هو مخالفة صريحة للنصوص الدينية لاي دين وبخاصة الدين الاسلامي وان اي انتهاك او تقصير في الاداء سوف يكون مرفوضا ولا يعبر بحق عن معتقد ديني سماوي لا يقر بالقتل او التعذيب او اي اجراء يسلب حقوق الانسان الاساسية لأي سبب وعليه فأن تلك النصوص المقدسة بروحانيتها المميزة والبعيدة عن الاجتهادات المتعددة هي الاقرب وهي تزيح اساطير القتل والتعذيب وادلة القائمين عليها العقلية والنقلية بسبب الاختلاف!.
انتظار آلاثار الايجابية للثورات المعاصرة وتغييراتها الجذرية لن يكون متاحا الا بعد مرور عقود من الزمن تؤهل لظهور اجيال جديدة مع شروط موضوعية صارمة ومناسبة للمراحل القادمة وتتمثل اهمها في تسلم الادارة والقيادة فئات مخلصة ووفية ومستوعبة لعملية التغيير التاريخي لشعوبها ولاتبغى غير العمل المخلص وسيلة اخرى وهذا ليس مستحيلا مثلما هو ليس سهلا في نفس الوقت!.
استبيان بسيط ومروع!:
تمتلئ الساحة الواقعية والافتراضية بنماذج وعينات لاحصر لها وتكون مصدرا ثريا وغير ناضب للدراسة والبحث والتقييم واستخلاص النتائج والعبر واستعراضها ومقارنتها بتحليل علمي صارم بغية وضع تصورات استقرائية للمستقبل نظرا لاهميته البالغة في تطوير حياة الشعوب نحو الافضل ومسايرة الامم المتحضرة من جانب الامم الاقل حظا،ومن هنا برزت تلك الاهمية الفائقة التي يجهلها كثيرون ان لم يعطوا حقها الطبيعي حق تقدير يوصل الى الحقائق الكاملة ولو بنسبية معينة!.
العينات العشوائية البسيطة وفق الشروط الموضوعية تعطي غالبا ملامح بارزة للمجتمعات وطبيعتها المتغيرة وفق نظام انساني غير متوازن او مدروس نظرا للفوضوية التي يحياها الانسان منذ ان عرف التمدن والتحضر كمرحلة بارزة في تاريخه!.
قناة العربية هي قناة غير مستقلة بالطبع ولها اجندتها الخاصة وهذا ضعف مؤكد وموقعها في الانترنت يعتبر مرتع خصب للطائفيين والتكفيريين والعنصريين واصحاب التفكير الفوضوي والشاذ المنافي للطبيعة الانسانية السوية!...وهذه الفئات تمثل الاغلبية ظاهرا ضمن تعليقات المؤيدين لها او المسموح لهم في ابسط المواضيع التي تكون احيانا بعيدة عن صلب موضوعات التناحر والعداء الشائعة في العالم العربي!.
وكما بينت في مقال سابق عام 2008 انحياز الموقع الغير مستقل الى تلك الفئات والسماح لها بنشر سمومها وعدم وجود حيادية ولو بسيطة في النقل والتحليل من خلال المقارنة مع موقع البي بي سي الاكثر حيادية ولو بنسبة معقولة من خلال المقارنة في موضوع واحد تكثر فيه التعليقات في الموقعين وفي نفس الوقت تقريبا!.
على الرابط التالي: http://www.alarabiya.net/articles/2011/10/06/170503.html
ورد ذكر حملة قناة العربية على موقع فيسبوك وتويتر لمنح الطفلة تبارك بطلة الشعب العراقي،وهي لمن يجهلها كانت ضمن مسافري الحافلات على الطريق السريع في غرب العراق والتي اوقفها الارهابيون التكفيريون في يوم 12/9/2011 وقاموا بعمل اجرامي بشع ودال على مستوى فظيع من الانحطاط الفكري والعملي يندر حدوثه في هذا الزمان والمتمثل بأعدام الرجال وفق الهوية المذهبية وترك الاطفال والنساء في العراء ليلا حتى انقذتهم الطفلة المذكورة من خلال اخفاء جهاز الموبايل عن اعين الارهابيين!.
تلك الحادثة البشعة هي مقياس طبيعي بسيط لتقييم مؤهلات كل انسان سوي في الضرورة الواجبة للتعاطف واستنكار ذلك العمل الوحشي الذي تأباه الطبيعة الانسانية المتوازنة،وما عدا ذلك يعتبر شذوذ خطير ودال على انحراف وانحطاط سلوكي وقيمي خطير مهما كانت دوافع العمل وردة فعل المقابل!...وطبيعي سوف تكون تحت خانة ذلك الموضوع جملة من التعليقات وصلت الى 309 تعليق دالة على مواقف اصحابها والتأثير النفسي لتلك الحادثة البشعة عليهم مع اظهار الخلفية الفكرية والاخلاقية لهم.
ماذا كانت النتيجة؟!...الجواب حقيقة مذهلة ودالة على استفحال حالة فقدان جذور الاتصال مع الطبيعة الانسانية السوية! فمن العدد السابق كان هنالك اكثر من 230 تعليقا يصنف في تلك الخانة الشاذة بمستويات متعددة بالطبع!...وهذه تمثل نسبة 75% وهي نسبة عالية بلا شك وتمثل شرائح مختلفة من المجتمع العربي بما فيه العراقيين انفسهم، وقد يكون هنالك نسبة تواجد اعلى في الشريحة المعلقة من بلاد لم تصل اليها شرارة ثورات الربيع العربي وهي تمثل هامش مهم يجب الانتباه اليه لان نسبة المشاركة اقل نتيجة للاضطرابات السياسية وآثارها السلبية على وسائل الاتصال المختلفة او لان للموقع المذكور زواره المميزين!.
تلك النسبة العالية تمثل مستوى مذهل ورهيب من فقدان الطبيعة الانسانية السوية المحبة للخير والسلام واحترام حقوق الاخرين وكرامتهم وحقهم الطبيعي في الحياة الحرة الكريمة في العالم العربي!وعليه فأننا نقف حائرين امام تلك النفوس الراغبة في مشاركة فعل المجرمين او تبرير عملهم تحت مختلف الذرائع والقيم الوضيعة او حتى الشك في الواقعة المثبتة اعلاميا بما لا يدع ادنى مجال للشك والريب وبخاصة في ظل حكومة ضعيفة ليست لها السيطرة على وسائل الاعلام او وسائل السيطرة على المجتمع والعبث بمكوناته لخدمة ديمومة السلطة المطلقة! وصفة الشك بالوقائع الموثقة مثيرة للانتباه ونابعة من تاريخ عريق في التزييف والتحريف!.
التكامل المفقود!
هذه العينة البسيطة من بحر العينات العشوائية هي تبين للجميع الحالة الملحة لربيع اخر بعد الربيع الاول يكون مكملا له حتى يتم استيفاء الشروط الموضوعية للثورة المتكاملة، وبدون ذلك فأن التكامل يبقى مفقودا وغير مستند على ارضية صلبة يقف عليها الجميع كوحدة بشرية راغبة في العيش بتمدن حقيقي وليس كما هو سائد الان من تمدن مزيف لقطعان بصورة بشر!.
ان الحاجة ملحة وضرورية لثورة اخرى تماثل في الادبيات الدينية جهاد النفس كي تهذب من الطبيعة الوحشية لتلك النسبة العالية التي قد تطيح بمنجزات ثورات الربيع العربي وبخاصة في دعوتها لتحرير الانسان والعمل على رفعته من المكانة الوضيعة التي يحياها والتي اظهرت قبحها بالمقارنة مع العالم المتحضر الذي تتصارع سلميا اممه الحرة كي يكون لها مكان في الساحة الدولية التي لا تقبل الجهلاء والمتخلفين وعباد الاجرام!.
اننا امام واقع لا ينبغي تجاهل مخاطر شذوذه الغير عقلانية لانها سوف تؤدي الى تدمير القلة الباقية من الشجعان الاحرار الذين يحاربون السلطة والمجتمع التقليدي لاقامة اساس مجتمع عادل وحر وسوي.
الربيع الاخر هو الثورة الراديكالية الثانية للثورات العربية المعاصرة...ربيعا يزيل آثار الدمار النفسي والقيمي ويؤسس لمرحلة جديدة من الحياة السوية التي ترفض كل عملا يخالف الروح الانسانية العالية.
التعليقات (0)