مواضيع اليوم

الراقصون بالسيوف .. ليسوا فرساناً..

محمد شحاتة

2012-06-27 18:48:12

0

إذا رأيت زحاماً من الناس .. وأبصرت وسطهم "رجلاً " يرفع سيفاً وامضاً براقاً .. يلوح به يميناً وشمالاً في حركات مثيرة ماهرة .. فلا تخشاه .. بل قف وسط الجمع واستمتع "بحركاته" فهو لا يعدو كونه " راقصاً ".. والرقص بالسيف عادة عربية أصيلة متجذرة .. باعتبار كونه أداة للحرب والغزو والدفاع والهجوم عند العرب ..
تغيرت الدنيا و اختلفت الأحوال وتبدلت آلة الحرب الرئيسة من السيف إلى البندقية إلى الدبابة إلى الطائرة إلى الصاروخ إلى الحرب الالكترونية والطائرات الموجهة بدون طيار .. و بقي السيف رمز الفروسية العربية موجوداً .. ولكن ليس في أيدي " الفوارس الصناديد " بل في أيدي الراقصين الأجاويد .. يستدعونه في احتفالاتهم وأعيادهم ومهرجاناتهم ..

ولا تنسى اللقطة التي رأينا فيها الرئيس الأمريكي السابق بوش حاملاً سيفاً عربياً يهزه "بخيابة" وهو يراقص ولي العهد السعودي عبدالله آل سعود " الملك حالياً ..
وكما توارى السيف .. فقد توارت معه كثير من خصال الفرسان.. و اختفت معهما أجمل وأفضل آداب ومبادئ وصفات وقواعد الفروسية الحقة .. وأولها وأنبلها أنه حين يسقط السيف من يد الفارس أو يسقط الفارس نفسه عن جواده أو جريحاً ..

فإن نبل الفروسية وموجبات الرجولة تمنع خصمه الذي أوقعه أو أصابه من استغلال الموقف الضعيف الواهن للجريح فيأبى أن يجهز عليه .. بل ينتظر ويمنحه الفرصة للعودة لامتطاء جواده واستلال سيفه إن بقيت له القدرة على مواصلة النزال ، أو الكف عنه بإعلان هزيمته..
ومن أخلاق الفرسان النبيلة تلك التي قدمها بطل مصر في الجودو "محمد رشوان" في نهائي الأولمبياد حين رفض استغلال إصابة خصمه الياباني "ياماشيتا" ، و آثر تجنب ضربه من منطقة الإصابة حتى نهاية المباراة بخسارته الميدالية الذهبية وربحه احترام العالم أجمعه .. ربما نسي العالم البطل الفائز بالميدالية الذهبية "ياماشيتا" وبقي العالم يذكر ويتذاكر أخلاق الفروسية النبيلة التي تخلق بها البطل المصري محمد رشوان إلى اليوم ..
واليوم .. لا تشعر بافتقاد أخلاق الفروسية كمثل هذه الأيام .. من الذين عاشوا عمرهم بطوله وسط آتون الأنظمة المستبدة الفاسدة فلا تكاد تسمع لهم حساً .. ولا تكاد ترى لهم أثراً .. ولا تكاد تلمس لهم لفظاً معارضاً .. فإذا تهاوت الأنظمة وسقطت تحت أقدام الثوار النبلاء .. ترى هؤلاء اندفعوا كالغثاء يتراقصون بالسيوف على أجساد الذين سقطوا مدعين من ألوان الفضيلة .. ومن أفانين البطولة مالم يبلغ معشاره أصحاب الفضل أنفسهم ..
مبارك ونظامه كان موجوداً وعلى مدار ثلاثين عاماً بكامل طاقمه المستبد والفاسد .. انظر للراقصين بالسيوف من منهم تجاسر وأشهر ولو بسيف الكلمة موقفاً وقت الخطر ليستشعر مذاق التضحية ولو بنفسه أو بأمنه أو بحياته جزاء موقفه أو اعتراضه ؟؟
وانظر حين سقط مبارك ونظامه وصار أهون من الهوان في عين الناظرين إليه .. أرتال من الراقصين بالسيوف تجدهم يتحلقون في حفلات رقص حول جسد واهن خائر القوى ، يدعون كل ألوان الفضيلة والبطولة والفروسية والقوة ، ويمعنون في الطعن والسب والقذف ونهش اللحوم والأعراض ، و يدبجون القصائد و المقطوعات "الخزفية" في سبه وقذفه بعد سقوطه وانهياره بينما ستفقد نظرك من الجهد في البحث عن أحد منهم رفع أصبعاً في غرفة مغلقة عليه وحده ليظهر اعتراضه وانتقاده في وجه نظام مبارك قبل الثورة ..
والأمر نفسه تجده منطبقاً في حالة جماعة "الأخوان المسلمون " .. الأخوان المسلمون لم يسقطوا علينا من السماء كالشهب .. ولم يأتونا من وراء الغيب في لحظة قدرية دهرية .. ولم يخرجوا لنا من باطن الأرض .. بل هم موجودن وعلى مدار الثمانين عاماً بشحومهم ولحومهم .. بأفعالهم وبأقوالهم .. بمشاكلهم وبمآثرهم .. بمواقفهم وبقوافلهم ..بكوارثهم ومناقبهم ..

ومع ذلك لا تجد أحداً من محترفي الرقص بالسيوف قد التفت إليهم يوماً ، أو تحدث عنهم ، أو نقدهم ، أو انتقدهم .. بل  تجدهم إذا مروا  عليهم – إذا مروا- كمن يمرون على اللغو ..
وبالأمس حينما تقلد "محمد مرسي" رجل جماعة " الأخوان المسلمون " عرش مصر تجد الهواء و قد تعبأ بالراقصين بالسيوف كالهوام يمدحون " مرسي " حتى يكاد يخيل إليك أنهم قد أجلسوه على يسار العرش – عرش السماء- !!!

ينسبون إليه وإلى جماعته من ألوان البطولة والذكاء والنضال والجهاد والإخلاص والتفاني والإيمان بما يفوق حتى صفات الأنبياء والملائكة الحوام حول العرش ..
وما كان هذا أبداً ما يمرر الحلق .. ولكن المقزز بالفعل ليس في أن يجهل عليك أمثال هؤلاء .. بل أن يجهلوا على رجال مؤسسات في مصر كانوا هم خط الدفاع الأول عنها في ذروة وقت الزلزلة .. رجال مؤسسات تحملوا في سبيل الحفاظ على مصر وصونها من أن تنتهك كما انتهك السودان والعراق وليبيا من قبل ..وكما تنتهك سوريا اليوم .. أقول رجال تحملوا ما لا تطيقه الجبال الرواسي
ومع ذلك يبرز الراقصون بالسيوف ليطعنوا في شرف ، وفي سمعة ، وفي إخلاص من تفانوا وبذلوا الدماء والأرواح والإعمار رخيصة في سبيل نصرتهم والدفاع عنهم ومؤازرتهم .. ياللسخرية ..
في هذه الأيام – الصعبة- صار الراقصون بالسيوف هم الذين يفرزون الرجال .. وهم الذين يحددون مواصفات الوطنية ..

وهم الذين يقررون ويمنحون هذا شرف البطولة وينزعون عن ذاك أكاليل الغار .. وهم الذين يختبرون إيمانك فيجعلون الجنة مآبك إذا سرت في ركابهم .. ويقذفون بك إلى قاع السعير إذا خالف رأيك هواهم ..
حقاً ..
إنه الزمن الرديء ..

              زمن الراقصين بالسيوف ..

                                       على جثمان المروءة ..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !