ان كان هناك الكثير من الفضل للتقدم العلمي في مجال الاتصالات في كل هذا الافق المفتوح الذي نتحرك به ومن خلاله..وان كانت الديمقراطية تشكل العامل الفصل في الحرية التي يتمتع بها الاعلامي العراقي في مجال الكلمة..ولكن يبقى لشجاعة الصحافي واخلاصه وانتمائه الاصيل لهموم اهله ووطنه القدح المعلى في كل هذا الاتساع في حرية الكلمة التي تمثل نبض الامة وضميرها ولهم كل الشرف في استلال الادوات الاعلامية من يد الانظمة المعتقة واطلاقها نسمات يتنفسها الجميع عبر الهواء كحاجة وضرورة وهدف في حياتنا اليومية المعاشة..
ومع كل هذا التعاظم والانتشار للاقلام الحرة الشريفة المعبرة عن آمال وتطلعات الشعوب..نجد ان الاعلام المرتزق ما زال يجد له متنفسا في احتكار بعض الدوائر لمصادر ووسائل الاعلام وتسخيرها لخدمة ادامة تموضع هذه الكيانات على رقاب الشعوب مما انتج تيارين متعارضين بالاتجاه والهدف والتوجه اولهما يمثل الاعلام المهني الملتزم المقض المقلق المربك للقوى القمعية المستبدة والثاني يمثل اعلاما ممسوخا وغير مقنع يجد الاعلامي نفسه فيه منبعجا تحت ضغط اللهاث خلف ابتكار الأعذار والمبررات للنظام ، ونرتطم فيه دائما بالكثير من الراسخين في الارتزاق الذين يتملقون النظام بكثير من المبالغة والمهانة ويتسولون لأخفاء أخطائه والحفاظ عليه وعلى مكانتهم فيه لأطول مدة ممكنة.
وان كنا نستطيع التقاط الكثير من ممتهني الكتابة من الصنف الثاني في المواقع الممولة خليجيا يحترفون التسقط المبالغ لتعثرات العملية السياسية في العراق لانتاج مادة قد تثير الرضا في قلب الجهات الراعية وتهدهد غيظا وحنقا مستترا خلف موضوعية زائفة وحرية مقيدة بالكثير من الخطوط الملونة حول النظام وعناوينه..فاننا نصدم بحق عندما نجد كتابا لهم شواخص وشواهد كثيرة في خدمة الحقيقة وهو يسف حد الحضيض بسطور محشاة برغبة عارمة في تملق الانظمة المستبدة الحاكمة..او بصورة اصح ..العوائل الحاكمة باجيالها..في اندفاع محموم نحو حجز مكان اقرب في مساحة الحظوة التي يمثلها رضا المسؤول واستحسانه..
والاكثر اثارة للاسى هو محاولة بناء مواقف سياسية واعلامية بناء على تصريحات نفاقية واضحة لعناوين مجهرية ضئيلة ووضعهم تحت عنوان عريض يحمل اسم العراقيين ضمن كتابات اقرب الى الحملة منها الى النص في تكسب فج على وقع الآم الشعوب بصورة جاوزت
حد المعقول والعرف وتحولت الى تناقض وعناد ممجوج خالف اصول النقاش المهني لقضية بتنا نتخبط في التكيف مع واقعها، الا وهي الحرية الاعلامية وحدود آفاقها. منتجة نصوصا تنأى عن ان تكون حوارات ونقاشات حقيقية فيما نعهده في مثل هذه الحالات لتتشكل كاجزاء من احجية يتشارك ويتبادل فيها الكاتب وشخوصه اكمال الفكرة او الشعار المسبق الاعداد مبشرين بخسوف كلي للعراق يريدونه اقرب واقسى مما يتمنى اولي الامر والنعمة حتى ليكاد المرء يستسلم وينسحب عجزا عن الفهم او التحمل أو قرفا واشمئزازا..
في احيان كثيرة نضطر الى ان نزدرد بامتعاض بعض ما يعارض قناعاتنا الخاصة..وقد يجبرنا المنطق والعرض السليم على تقبل كتابات ورؤى تعاكس التيار السائد خصوصا اذا كانت معتمدة على الفضاء الواسع الذي توفره حرية الرأي او الاعتقاد..ولكن نفس هذه السعة والحرية تجعلنا نتحير في فهم مدى السلاسة التي يتقبل بها بعض المثقفين كل ما يمكن ان يكون في الجهة المتناقضة من العملية السياسية في العراق وطرحه على انه من المسلمات غير القابلة للنقاش بغض النظر عما يمكن ان تسببه من جروح في سمعة المجتمع العراقي وكرامته.
ان مثل هذه الكتابات التي يأكل من جرف مصداقيتها تزاحمها في مواقع معروفة بمعاداتها للعراق والعراقيين قد تشير للاسف الى انغماس مؤسف في مستنقع الارضاء المتملق للجهات الممولة وغياب تام للمسؤولية والالتزام وتجاهل كامل للرأي العام والقارئ الذي يبدو انه خارج الحسابات تماما في هذه المعادلة ..
ان الرسالة السامية للاعلام ودوره الريادي في المجتمع تدفعنا الى استنكار استخدامه لتحقيق انتصارات زائفة لبعض الانظمة السياسية المتهالكة على العراق والعراقيين والامعان في غض النظر عن مدى الضرر الذي يمكن ان يصيب الجمهور المتوجه الى الغد بصبر وتطلع وتفاؤل مع التأكيد على هزلية هذه المحاولات في ظل الانفتاح الاعلامي وسهولة الوصول الى المعلومات من قبل المتلقي ..والعسر المتزايد لاساليب الإعلام التحريضي المتهتك والمتهافت والمخادع ..ولن نجانب الصواب كثيرا ان آمنا بانه لا فرصة ولا حياة بعد اليوم الا للاعلام المبدع والمؤثر الصادق.. وفي نهاية الأمر لن ينتصر الا الاعلام المعبر عن النبل الانساني في اسمى صوره ..والذي يعتمد على النزاهة والمسؤولية الذاتية والالتزام باخلاقيات المهنة وثوابت المجتمع..
التعليقات (0)