علي قاسم
لم يكن الموقف الصيني خارج سهام حملة التصويب المركز التي أعقبت التصويت في مجلس الأمن.. وبدت محاولات التشكيك المحمومة بالاستعار وصولاً إلى تتويجها بحملة ظالمة من الاتهامات الباطلة بعد موقفها في الجمعية العامة.
ولأن الصين بكل ماتختزنه في وجدانها السياسي والدبلوماسي.. تمتلك المقدرة على محاكاة الواقع انطلاقاً من المبدئية السياسية والأخلاقية التي تحكم رؤيتها للعلاقات الدولية، فإنها كانت حريصة دائماً على اعطاء مقاربات واضحة لاتحتمل التأويل ولاتحتاج للتفسير.
الموقف الصيني ومالحق به من تأكيدات على أعلى مستويات القرار يؤشر -بما لايدع مجالاً للشك- بأن الرؤية ليست وليدة ظروف آنية، أو هي لاعتبارات مرحلية بقدر ماتعكس توجهاً استراتيجياً كان على الدوام محركاً فاعلاً لقراءة المشهد الدولي.
وهذا مايمكن قراءته في التصريحات التي أدلى بها نائب وزير الخارجية الصيني بعد لقاءاته في دمشق، حين وضع كثيراً من النقاط على حروفها، مذكراً من جديد بمفردات الخطاب الصيني، وبكلمات واضحة تعكس تلك القراءة المتوازنة للموقف الصيني من التطورات والأوضاع في المنطقة والعالم، وهي تفصح عن أبعاد تاريخية وإرث سياسي لايمكن لعاقل أن يتجاهله، ولايجوز تحت أي مسمى تجاوزه.
إن الاحتكام إلى المبادئ في المواقف السياسية يفسح في المجال أمام العودة بالعلاقات الدولية إلى مربعها الأول وإلى سكتها الصحيحة التي حادت عنها، وأضاعت في بعض الأحيان مفردات توازنها، بل كانت خارج السرب في الكثير من التموضعات التي حاولت تركيبها على المشهد الدولي.
واللافت أن هذا الاحتكام هو ما حاولت تلك الحملة أن تصوب عليه مباشرة، مما أفقدها موضوعيتها، وعكس إلى حد بعيد مساحة التهويل فيها، رغم القناعة بأن النيل من موقف الصين أو التشويش عليه لن يفيد، لاعتبارات تتعلق بما تمثله الصين من ثقل سياسي لايقتصر على موقعها داخل مجلس الأمن والأمم المتحدة فحسب، بل في تشابك علاقاتها على المستوى العالمي بمختلف معطياته.
وهذا يتقاطع بشكل جوهري، بل يتطابق في مساحات كبرى مع الرؤية التي قدمتها الصين وتلك المقاربات التي تتبناها تجاه مختلف الأحداث والتطورات في العالم.
لانعتقد أن الصين تحتاج إلى من يوضح موقفها.. ولا إلى التعريف بحضورها على الساحة الدولية، ولا ما تمثله من ثقل نوعي على مستوى المشهد الدولي.. لذلك بدت غريبة تلك المحاولات المحمومة وهي تحاول أن تغمز من قناة مواقفها.. أو تستعر في التطاول عليها.. والأغرب أن هناك قوى وأطرافاً تشجع على ذلك وتمارس سياسة إلغائية غير مسبوقة، اعتماداً على أوهام وتورمات أصابت تلك الأطراف والدول الطارئة والمستجدة في قراءة المشهد الدولي.
الصين اليوم بما تمثله، وصوتها القوي بما يجسده من تبدلات في تراتبية المشهد وحضورها فيه، تدفع بتداعيات لابد من قراءتها.. وبنتائج لابد من أخذها على محمل الجد.. ورؤيتها الأحداث في سورية وتطوراتها تترجم تلك المبدئية والاحتكام إليها ليس من باب التجريب أو المداورة، بل هو انعكاس لقراءة صينية تبلورت وتلاقت مع الصوت الروسي، ليكون التموضع الجديد وفقاً لمعطيات هذين الموقفين والخطاب السياسي الذي ينتج عنهما، تشاركاً كان أم تلاقياً أو تقاطعاً.
الثورة السورية
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=3047
التعليقات (0)