لم تعد مقولة «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية» أكثر من شعار مجازي فضفاض، ينفع وقت التنظير، وبيع الحكي، وتجارة المثاليات، لذلك يجب أن لاننساه أبداً، فهو يلزم حين الحاجة.
أما الواقع فيقول: لطالما أفسد الرأي كلاً من الود والقضية معاً. يحدث ذلك الآن كما حدث في السابق، فالتاريخ على سبيل المثال سجل لنا وقائع الخلاف بين جان بول سارتر والبيركامي، وصراعهما المعروف، بعد انحياز كل منهما لرأيه، ما أفسد صداقتهما التي كان من الممكن وقتها أن تخلق مشروع يسار مستقل.
بشكل واضح، تزداد المسافة اتساعاً بين وجهات النظر المتصاعدة، سواء كانت ملاحظات عابرة أو كانت في عمق المبدأ.
فمع اشتعال الربيع العربي اشتعلت الآراء، كحرائق صغيرة تنتهي في أغلب الأحيان إلى خاتمة القطيعة التراجيدية. فما بين المنقسمين إلى مؤيد ومعارض وبين بين، وذلك الذي لا يهتم نهائياً، فروقات كثيرة تؤدي حين الحوارعلى طريقة فيصل القاسم، إلى شروخ يصعب رأبها.
فما يبدأ بـ «تفضل ياسيدي؛ما رأيك بالموضوع»؟ ينتهي بتبادل الشتائم والاتهامات، وربما برشق الماء، أو بأي شيء آخر قريب إلى متناول اليد.
طبعاً لم نكن قبل هذه الفترة بشراً متفرغين لتبادل المحبة والقبلات، لكن تحسب علينا الآن أكثر من أي وقت مضى، ظهورنا كشعوب أميل إلى ممارسة العنف والعنف اللفظي.
إن تباين المواقف، أوصلنا إلى حدود بدأت تروع وتصدع علاقات النسيج الاجتماعي، فالأصدقاء يتخاصمون، والأزواج ينفصلون، والمعارف يتباعدون.
الشروط الموضوعية لتبادل الآراء، ليست منحة إلهية، إنها نتيجة ممارسة وتجربة، ونحن ولله الحمد، لم نتعود التعددية الفكرية، ولم نمارس المحاججة أًصلاً.
بحسب المنظومة الدكتاتورية التي ورثناها وورثتنا تربوياً واجتماعياً وسياسياً، كان الصمت والخنوع أساساً وحيداً للتهذيب، وطريقاً لا مفر منه للسلامة.
المتغيرات التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط، تجعلنا متورطين بجدل يومي، فجميعنا معنيون بإلقاء نظرة نحو المستقبل، وإعلان رأينا به. ربما لم يفت الوقت بعد على محاولة مواجهة الذات، والاعتراف بأن عراك اليوم هو السبيل إلى تعلم فن الاختلاف، والرجوع عن الخطأ، والاعتذار، وحسن الاصغاء، والتعامل مع الآخر المختلف، ودفع الفكر إلى ما هو أوسع من «مع أو ضد».. ليس فقط لأن إرضاء الجميع مشكلة والخلاف مع الجميع مصيبة، بل أيضاً لأن رأياً خصباً بلا مودة، خيرٌ من ود عميق بلا آراء.
التعليقات (0)