أقف حائرا ومتعجبا من موقف بعض التيارات الدينية التى تشغب بالدين وتجأر بالصراخ خوفا عليه من أن يسطو عليه الآخرون أو ينال منه المتربصون به الحاسدون أصحابه على ما ينعمون به من رغد العيش والأمان فى الدنيا , وما ينتظرهم من سعادة ومتعة فى الآخرة ! من هنا تراهم يقفون مشمرين عن سواعدهم , شاهرين أقلامهم أو أسلحتهم , أو رافعين القضايا ضد من يتهمونهم بالإساءة للإسلام ,سواء أكان هؤلاء المتهَمون من بين المسلمين , أو من أصحاب الديانات الأخرى ! . ولن أذكر جديدا إن تحدثت عن تهجير البهائيين من بيوتهم فى إحدى قرى مصر , أو من تهجير المسيحيين قسرا من بعض قرى الصعيد , أو من منطقة العامرية بالاسكندرية أخيرا , كل ذلك بدعوى أنهم خطر على الإسلام أو أنهم يبشرون بدينهم , هذا التبشير الذى يخشون أن يتسبب فى أن يتحوّل بعض المسلمين عن دينهم إلى الدين الذى يجرى التبشير به . فى نفس الوقت الذى يفخر فيه هؤلاء بأن الآلاف من الأوربيين يتحولون إلى الإسلام , وبالطبع لم يتم هذا التحول إلا بالتبشير بالإسلام والدعوة إليه جهارا تحت عين الشعوب الأوربية وحكوماتها ومؤسساتها العلمانية , ولم يحدث أن تصدى أحد لهؤلاء الدعاة أو أقام عليهم قضية يتهمهم فيها بأنهم يبشرون بعقيدتهم التى تمثل خطرا على عقيدة الأوربيين المسيحية أو العلمانية , ولم يطالب أحد بإعادتهم إلى أوطانهم . ثم تاتى هذه الهوجة التى حدثت أخيرا ضد السماح بقدوم السائحين الإيرانيين إلى مصر خوفا من نشر المذهب الشيعى بها ! هل هناك خبل وعته أكثر من ذلك ؟ إن التقديرات كانت تشير إلى قدوم أكثر من مليونى سائح إلى مصر , مما يمثل رواجا اقتصاديا هائلا , وأيضا يقوى من الروابط التاريخية بين الشعبين , كما أن هؤلاء السائحين لن يكون شاغلهم الدعوة إلى المذهب الشيعى , ولكن زيارة معالم مصر من فرعونية وإسلامية , . على أننى سأفترض أن هناك من سيحاول الترويج للمذهب الشيعى , ما هى المشكلة فى ذلك ؟ ألا يملك المسلم السنى من قوة العقيدة وأدلتها ما يرد به على المبشير الشيعى, أوأن يستميله هو إلى المذهب السنى؟! بل حتى فى حالة التبشير بالمسيحية , هل يعتقد الإسلاميون المتطرفون أن المسلم فى حالة من الهزال العقائدى بحيث لا يصمد امام التبشير بهذا الدين أو ذاك المذهب ؟ هل يرى هؤلاء أن عقيدتهم ضعيفة المناعة , وأنها لا تصمد أمام الحوار والمناقشة , وبالتالى هى عرضة للاختراق والتلاشى ؟ إن أية عقيدة وفى المقدمة الاسلام إنما انتشرت بالحوار والنقاش بين المؤمنين بها وغير المؤمنين , ثم ما الذى يضير الإسلام السنى لو خرج منه بضعة آلاف ليعتنقوا المذهب الشيعى , او الدين المسيحى , لأنه فى ذات الوقت سيدخل آخرون إلى الإسلام ويعتنقون المذهب السنى عن طريق الاقتناع الحر , لماذا الحجر مقدما على عقول الناس , ومنع الشعوب من التلاقى وتبادل الأفكار والآراء فى هدوء وتعقل وتحضر , ؟ كيف تُحمى العقيدة بإحاطتها بسياج حديدى مكتوب عله ممنوع الاقتراب ؟ على هؤلاء المتشنجين أن يكونوا أكثر ثقة فى عقيدتهم , وأنها ليست طفلا صغيرا يسهل التغرير به والضحك عليه , وان الدين لا يكون دينا صادقا بمجرد الوراثة والتقليد بل بالاقتناع الذى يكون الحوار والتلاقى الإنسانى هو الطريق الوحيد المؤدى إليه
التعليقات (0)