مواضيع اليوم

الذين بقرأون .. ولا يقرأون !

nasser damaj

2009-04-22 00:43:40

0

                           فضاء الكلمة

                    بقلم :  خليل إبراهيم الفزيع

           الذين يقرأون.. ولا يقرأون

القول إن العرب لا يقرأون فيه استهانة بالعقول الجادة والباحثة عن الحقيقة في عالمنا العربي, لكن كم هي تلك العقول؟ وما نسبتها مقارنة بالملايين من المواطنين العرب من الخليج إلى المحيط؟ وهل كل العرب علماء ومفكرون ومثقفون وأدباء؟ والأصعب من هذا السؤال.. هل كل الذين يقرأون يجيدون القراءة الحقيقية لما وقعت عليه أعينهم, ولم يلج عقولهم وقلوبهم.
الذين يقولون إن السواد الأعظم من العرب لا يقرأون, يستندون ليس فقط على انتشار الأمية في العام العربي, ولكن أيضا لانشغال العامة ومنهم الحاصلون على قسط لا بأس به من التعليم.. بالبحث عن لقمة العيش في مجتمعات لا تزال تشكو الفقر، حتى وان بدت من الخارج بعيدة عن هذا المنزلق الخطر, وما الفقر سوى نتيجة لانتشار الفساد الإداري, وانعدام الرقابة على المال العام, وتجاوز الأنظمة والقوانين من فئات معينة تبيح لنفسها ما لا يباح, إضافة إلى انعدم حرية الرأي في بعض دول العالم العربي, الممتد بامتداد الآلام العربية المستوطنة، وفي هذه الأجواء ينتشر الفقر، وتنعدم فرص العمل، وتكثر البطالة، وتنمو الأمراض الاجتماعية قبل الأمراض الجسدية.
وحتى معظم الذين يقرأون ليسوا على درجة واحدة من الوعي بالواقع أو الإحساس بما في ذلك الواقع من تناقضات تثير أكثر الأسئلة إلحاحا دون أن تجد الجواب, وهناك أكثر من فئة من القراء: فئة من لا تتجاوز قراءاتهم الأمور الهامشية التي يمرون عليها مرور الكرام وموضوعاتها لا تملك القدرة على طرح أي سؤال عن هذه المسألة أو تلك, وكأن هزيمة الروح قد أصبحت طبعا متوارثا لديهم.. وفئة من يقرأ ليجلب النعاس إلى عينيه عندما يدخل الفراش, ولا يجد مهربا من الأرق إلا بتصفح أحد كتب التسلية التي لا تجهد الفكر ولا تتعب الذهن، فينام عن شوارد الدنيا تاركا لغيره مهمة السهر والاختصام جراء ما يحدث، وفئة أخرى لا تنظر إلى ما هو أبعد من خطوات أقدامها, لتدور في فلك الذات الموغلة في (الأنا), وبذلك تحجب عن نفسها ما تحتويه الآفاق الأخرى من رؤى جديدة تسعى للتحاور والانسجام مع القديم لتأسيس رؤية جديدة مؤثرة وفاعلة في الممارساـت الحـياتية العامة، وهذه الفئة تفوت على نفسها فرص العطاء والمشاركة في الفعل المثمر على وجهه الصحيح، بعد أن حبست نفسها في قمقم الرفض للخير والحب والجمال, بل وللحوار العقلاني الراشد، وفئة من يقرأ ليقال عنه إنه يقرأ, بلا هدف ولا غاية سوى تزجية الوقت, دون محاولة الاستفادة من القراءة كوسيلة للمعرفة أو تنمية الملكات الإبداعية إن وُجِِِِِِِِِِِدَت بوادرها, وهناك من يقرأون لأن واجبهم الوظيفي يفرض عليهم ذلك وفي مثل هذه الحالة تكون الفائدة أو المتعة الذهنية هي آخر ما يفكرون فيه، والفئة الأهم هي تلك التي تنمو معها هواية القراءة لتصبح عادة محمودة لا يمكن الخلاص منها, حتى تتعود على القراءة الجادة, وقلة هم الذين يسكنهم هذا الهم، ويعتبرون القراءة من واجباتهم اليومية التي لا يمكن أن يشغلهم عنها شاغل، فتنعكس قراءاتهم على أفكارهم وسلوكهم الاجتماعي والثقافي, ومن خلال ذلك يمكنهم خلق رؤية ناضجة تتلاشى معها المسافة بين الاجتماعي والثقافي إذ يصبح تجسير العلاقة بينهما تلقائيا ومنسجما مع الذات.
كل ذلك يعني انه حتى مع وجود من يقرأ يصبح وجود من يعي ما يقرأ هو الأهم, فقراءة بعض النصوص ميسورة للجميع, لكن الاختلاف حولها هو الذي يثري مضامينها المجردة, ويضفي عليها ذلك التنوع من الفكر الجاد, والثراء الثقافي المنشود, أما الخطأ في القراءة فهو الكارثة الحقيقية التي تقود إلى أحكام في غاية التعسف للذات وللآخر, ووجه الخطورة في مثل هذه القراءة أنها بقدرة قادر يمكن أن تقلب الحقائق, وتزيف الواقع, وتقدم لعامة القراء نموذجا سيئا لما يمكن أن يكون عليه المثقف, إذا اختار عن قصد أو عن جهل طريق الخلاص من تبعات طروحاته, ولم يعترف بشذوذها وانحرافها عن جادة الصواب.
إن من يحكم على العرب بأنهم لا يقرأون لا أظن انه يقصد القراءة المجردة, بل يقصد حتما ما وراء هذه القراءة من فهم تترتب عليه كثير من المواقف والنتائج التي لا تمس صاحبها فقط, بل تتعداه إلى من سواه, فهل العرب لا يقرأون حقا؟.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات