الذكرى الواحد والاربعون لوفاة
شهيد الوطن السيد محمود أحمد ضياء الدين المنتصر
أول رئيس وزراء ليبيا بعد الأستقلال
نتذكرك في هذه اليام العظيمة التي يحتفل فيها الليبييون بأنتصار الشباب الليبي المؤمن بوطنه وكرامته على طاغية هذا الزمان القذافي الذي إبتليت به ليبيا لمدة أثنين وأربعون عاما . نتذكرك يوم 30 ستمبر 1970 الذي رحلت فيه روحك ألى بارئها راضية مرضية ونترحم عليك وندعو الله أن يديم عليك الرحمة والغفران . لقد كنت في طليعة الرواد الليبيين الذين شيدوا صرح إستقلال ليبيا ومجدها وكنت الساعد الأيمن والسند المخلص الوفي قبل وطوال سنوات الاستقلال لمؤسس ليبيا وعاهلها الملك محمد إدريس السنوسي الاول رحمه الله وأسكنه فسيح جناته . لقد عرفت في حياتك بالحكمة وبعد النظر في البت في أمور البلاد وأحترمك كل السياسيين أنصارك وخصومك على السواء . لم تسعى في حياتك السياسية لبناء شعبية كاذبه كما يفعل الساسة الذين يفتقدون صفات الزعامة فقد كان المجد يأتي إليك ولم تسعى إليه , كنت تكره المديح والتطبيل في وسائل الأعلام ولا تعد إلا بما تستطيع إنجازه . ولا تجاري الساسة الذين يقولون ما لا يفعلون .كنت تتمتع بنزاهة فريدة
وحنكة سياسية ثاقبة وخبرة طويلة في الشئون العامة وإخلاص أصيل للوطن وحب كبير للشعب وصراحة صادقة . في نزاهتك وحرصك على المال العام كنت تقول إن من يمد يده بغير حق إلى الأشياء الصغيرة لا يتردد في مد يده إلى الأشياء الكبيرة ’ حكمة يعمل بها الساسة العظام الذين لا يريدون جزاء ولا شكورا في خدمة الوطن والأخلاص في خدمة الشعب . كنت شهما بعيد النظر تعمل بما تؤمن به وتطلب الكمال من شعب لم يصل ألى مرحلة النضوج. وكان خصومك يعرفون هذا فيك فيهاجمونك ويحترمونك . وكان سلوكك الشخصي بعيدا عن الأقاويل . كنت تحب أولادك حبا عظيما وتضحي من اجلهم لأتمام تعليمهم العالي صغارا ورعايتهم كبارا . لا زلت أتذكرك لما كنا في سجن الأعتقال في بورتا بنيتو في أوائل أيام ثورة الواحد من ستمبر المشئومة لم تكن تفكر في نفسك وأنت في السجن رغم مرضك وشيخوختك التي لم تحترمها طغمة ثورة ستمبرالمشئومة . وكان جل تفكيرك في أبنك الأكبر الدكتورعمر محمود المنتصر الذي إستدعته الثورة على عجل من لندن . فلم يغمض لك جفن حتى سمعت أنه رجع إلى بيته أمنا قأرتحت ونمت راضي البال. تحملت المسئولية عن كل ما عملت في الحكم حافظت على التمسك بأخلاصك للملك إدريس في السجن وأمام رجال التحقيق والمحكمة الجائرة التي قدمت لها بغير وجه حق . وقد لاقى كل الطغاة الذين أساءوا إليك مصيرهم المحتوم وأخرهم كبيرهم الطاغية القذافي الذي يتنقل اليوم من حفرة إلى أخرى للنجاة بنفسة قبل أن يلاقي مصيره المحتوم مثل صدام حسين . ان الله يمهل ولا يهمل وسبحان الله الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء . لقد توليت حكم ليبيا في وقت كانت فيه البلاد أفقر دولة في أفريقيا وفي العالم بشهادة خبراء الأمم المتحدة . واستطعت االحصول لهاعلى مساعدة دولية من بريطانيا وأمريكا لمواجهة نفقات التاسيس وتكاليف الأدارة الضرورية للبلاد . ووقعت من أجل ذلك معاهدة أستمرار القواعد العسكرية التي كانت في ليبيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لفترة من الزمن ولم يكن أمامك خيار للحصول على المال اللازم لدولة فتية لا تملك مصادر للدخل لتسيير أمورها . وقد كلفك هذا ثمنا باهضا وأستطاع خصومك في الداخل والخارج الوقيعة بينك وبين الشعب الليبي الذي تحبه وتسعى لخدمته . وما أن تغيرت أحوال البلاد ورزقها الله بالنفط من حيث لا تعلم حتى سارعت بأعلان إلغائك للمعاهدة البريطانية والأتفاقية الامريكية سنة 1964 في حكومتك الثانية . ولم تخرج من الحكومة حتى تأكدت من قبول بريطانيا وأمريكا لجلاء قواتها وتحقق فعلا جلاء أخر جندي بريطاني من البلاد ووعد الأمريكيين بالجلاء في موعد انتهاء المعاهدة سنة 1970 بعد وساطة من زعيم عربي بعدم الضغط على أمريكا بطلب الجلاء العاجل لأنها الدولة الوحيدة التي يأمل العرب في مساعيها لحل القضية الفلسطنية . وقد تم فعلا جلاء القوات الأمريكية في موعدها في سنة 1971 وقد أعطي الفضل لهذا الجلاء تجنيا للطاغية القذافي وطغمته التي شاركت في إنقلاب الفاتح من ستمبر بدلا من تسجيله لك ولزميلك وصديقك الكبيرالمرحوم حسين يوسف مازق وزير خارجيتك ورئيس الوزراء بعد إستقالتك لأسباب صحية . كما أتهمت بتزوير الأنتخابات وكنت أعرف حرصك على نزاهتك في التعامل السياسي . ولا زلت أذكر إنتخابات 1964 وكنت تتابع وانت مريض في لندن وترسل برقياتك المشددة إلى رئيس الوزراء بالوكالة ووزير الداخلية في حكومتك للمحافظة على نزاهة الأنتخابات . وعندما ترامت إليك شكاوي المرشيحين وسجن بعضهم قدمت إستقالتك ألى الملك لعدم إستطاعتك الرجوع للأشراف بنفسك على الأنتخابات بسبب إصرار الأطباء على عدم قطع علاجك الضروري . ولكن الملك إدريس رحمه الله طمنك ورفض إستقالتك ألى حين وطلب منك الأستمرار في علاجك . ولم يهدأ لك بال حتى قمت بحل مجلس النواب المنتخب في غيابك حال رجوعك الى الوطن بعد إتمام العلاج . هذه لمحة مستعجلة عن بعض حسناتك وأنجازاتك الكثيرة . وأسف لعدم الأسهاب فسيرتك تحتاج الى مجلدات وليس كلمة عابرة من شخص عايشك عن قرب . وأسف فلم أعطيك حقك من الرثاء فقد وهن العقل وضعف الجسم وغابت العبارات وجف القلم. لا زلت اذكر إني خرجت لأول مرة من بيتي منذ خروجي من سجن إنقلاب ستمبر لاحضر جنازتك وأودعك الوداع الأخير ولم يكن في ذهني إني سأودع ليبيا أيضا بعد وفاتك لمدة خمسة وتلاتين سنة لم تطأ فيها قدماي ليبيا الحبيبة حتى الأن هربا إختياريا من الذل والهوان ومن حكم زمرة ضالة فاسدة تتحكم في رقاب الناس وحرياتهم .,
بشير إبراهيم السني المنتصر
التعليقات (0)