فور إعلان إيطاليا الحرب على الحلفاء في الحرب العالمية الثانية سنة 1941 بدأ نشاط الليبيين بزعامة الأمير محمد إدريس السنوسي لاستغلال الفرصة والعمل على إستقلال ليبيا في حالة هزيمة إيطاليا وتمت أتصالاتهم الرسمية مع السلطات العسكرية البريطانية فى مصر وأعلنوا تأييدهم ومساعدتهم لبريطانيا فى صراعها مع المحور فى ليبيا . وفى 9 أغسطس 1940 أنشىء الجيش الليبى ودرب من طرف بريطانيا والذى شارك في الحرب الى جانب قوات الحلفاء فى حرب الصحراء والتى كانت ليبيا مسرحا لها . ومن حسن حظ الليبيين هزيمة المحور وطرد إيطاليا من ليبيا . وأحتلت القوات البريطانية والفرنسية ليبيا وقسمتها الى ثلات ولايات تدار بأدارات عسكرية . وكانت بريطانيا قد وضعت إستراجيتها للشرق الأوسط بعد الحرب للأحتفاظ بأقليم برقة في ليبيا لتكون مقرا لقواعها العسكرية لتوقعها إنهاء معاهدتها مع مصر وجلاء قواتها منها بعد الحرب ، ولهذا بادر المستر إيدن وزير الخارجية البريطانية بتصريحه التاريخي في مجلس العموم البريطاني بوعد الأمير إدريس السنوسي بعدم عودة برقة إلى الحكم الأيطالي بعد الحرب تقديرا لدور الجيش السنوسي في مساعدة الحلفاء ضد المحور. وقد سلكت السلطات العسكرية سياسة إنفصالية بين ولايتي طرابلس وبرقة فوضعت برامج تعليمية وتجارية مختلفة وإعتمدت عملات مختلفة وأقامت الحدود بين طرابلس وبرقة وتفردت فرنسا بفزان . ففي برقة فرضت الأدارة العسكرية البريطانية المنهج الدراسي المصري وأستوردت أساتذة مصريين وفي طرابلس فرضت منهجا دراسيا فلسطينيا واستوردت اساتذة من فلسطين والسودان ، وأتخذت العملة المصرية للتداول في برقة ووطبعت عملة خاصة عسكرية لطرابلس إسمها المال . ووجهت تجارة برقة الى مصر وقبرص وتجارة طرابلس إلى إيطاليا . واقامت حواجز على الحدود بين برقة وطرابلس إستعدادا لتنفيذ سياستها البعيدة المدى لليبيا التي إتضحت أثناء فترة ما بعد الحرب في مشروع بيفن سفورزا في الأمم المتحدة . .و كانت فزان معزولة تماما تحت الأحتلال الفرنسي وأعلنت بريطانيا إستقلال برقة الذاتي تحت إمارة السيد إدريس السنوسي وعينت السيد محمود المنتصر رئيسا لحكومة ولاية طرابلس أسوة بحكومة برقة قبل إستقلال ليبيا تمهيدا لأعلان التظام الفدرالي بعد قرار الامم المتحدة باستقلال ليبيا قبل اليوم الأول من يناير 1952 .
وفي المجال الدولي كان هناك إتجاه من قبل الدول الكبرى المنتصرة فى الحرب على فرض وصاية دولية من خلال الأمم المتحدة على ليبيا ثم تبلور هذا الأتجاه الى تقسيم الوصايا بين بريطانيا وفرنسا وأيطاليا . و تتطور الصراع وشمل دولا اخرى تطمح فى الوصاية أيضاعلى ليبيا مثل مصر والأتحاد السوفيتى والولايات المتحدة و الجامعة العربية .
وأمام هذا التنافس الدولي تمت أحالة القضية الليبية من قبل الأربع الكبار الولايات المتحدة وبريطانيا والأتحاد السوفيتى وفرنسا فى سبتمبر 1948 على الأمم المتحدة . وبدأت مناقشة المسألة الليبية في الجمعية العامة للامم المتحدة فى أبريل 1949. وقد حضرت تلك الدورة وفود ليبية تمثل برقة طرابلس.وفى هذه الأثناء ظهر مشروع بيفن سفورزا وهو أتفاق سرى كان قد جرى بين وزير خارجية بريطانيا أرنست بيفن ووزير خارجية أيطاليا كارلو سفورزا وفيه تم الأتفاق بين الدولتين فى أن تحصل ليبيا على أستقلالها بعد عشر سنوات ، على أن توضع أقاليم ليبيا الثلاث خلال هذه الفترة تحت وصاية دولية تتولى بريطانيا الوصاية على برقة وتتولى إيطاليا بموجبها ألوصاية على طرابلس وتتولى فرنسا ألوصاية على فزان. ورغم أن بريطانيا لا ترغب في عودة إيطاليا الى طرابلس وتريد الأحتفاظ بكل ليبيا أو برقة وطرابلس على الأقل ، ولكن أمريكا ضغطت عليها لترك طرابلس إلى إيطاليا وذلك لارضاء الرأي العام الأيطالي لأسقاط الحزب الشيوعي الأيطالي في الأنتخابات لأنه أصبح يهدد بتحويل إيطاليا إلى الشيوعية وأنضمامها إلى أوربا الشرقية، وكذلك مكافأة لأيطاليا لأنضمامها إلى الحلفاء وإنقلابها على الحزب الفاشيستي وموسوليني . وقدم مشروع بيفن سفورزا للجمعية العامة للأمم المتحدة ، وقامت المظاهرات في كل أنحاء ليبيا ضد المشروع مطالبة بأستقلال ليبيا ، ففي طرابلس قام المتظاهرون بحرق كل المنشئات الأيطالية كنادي إيطاليا وبنك روما وغيرها ، كما قامت الجامعة العربية بالدعوة إلى إستقلال ليبيا ووحدتها والأنضمام إلى الجامعة العربية . ورغم كل ذلك قدم مشروع بيفن سفورزا للتصويت عليه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 17 مايو 1949 . و كان يتطلب موافقة ثلثى الأعضاء الحاضرين وعددهم 58 دولة لاقراره .وقد قامت التكتلات العربية والأسلامية والدول الأسيوية في الأمم المتحدة بمعارضة المشروع بينما صوتت الدول الأوربية ودول أمريكا الاتينية في صالحه . وقد فشل مشروع بيفن سفورزا بصوت واحد هو صوت مندوب هايتي الذي صوت ضد المشروع ضد تعليمات حكومته . ثم تقدم الأتحاد السوفيتى بأقتراح فى أن تكون له الوصاية على طرابلس بدلا من أيطاليا. وبعدها تقررأعادة طرح المسألة الليبية فى الثلاثين من سبتمبر 1949 أمام الدورة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة وكانت الوفود الليبية وهى تمثل الأرادة الوطنية فى نيل استقلال البلاد حاضرة فى ثلاث وفود - المؤتمر الوطنى البرقاوى والمؤتمر الوطنى الطرابلسى وحزب الأستقلال. وكان يمثل وفد المؤتمر الوطنى البرقاوي السادة عمر فائق شنيب وخليل القلال وعبد الرازق شقلوف ووفد المؤتمر الوطنى الطرابلسى السادة بشير السعداوى ومصطفى ميزران ومحمد فؤاد شكرى بينما مثل حزب الأستقلال السادة عبدالله بي الشريف وأحمد راسم كعبار وعبدالله شعبان ومختار ألمنتصر.
.وفي يوم 19 نوفمبر 1949 طرح مندوب الهند مشروع قرار يتضمن أن تنال ليبيا أستقلالها . ثم جرى التصويت على المشروع يوم 21 نوفمبر 1949 وتبنت الجمعية العامة بالأغلبية نص قرار الأمم المتحدة فى أن تصبح ليبيا دولة مستقلة ذات سيادة فى موعد لا يتجاوز أول يناير 1952 على أن يوضع للدولة الجديدة فى أثناء ذلك دستور تقرره جمعية وطنية . ولهذا كان 21 نوفمبر 1949 أعترافا دوليا بنهاية إحتلال ليبيا وإقامة أول دولة ليبية بقرار من الأمم المتحدة تأخذ مكانها بين الأمم المستقلة ووضع دستورها ليكون الأساس الذى ستبنى عليه دولة الأستقلال.ويعتبر ذلك سابقة فى تاريخ المنظمة الدولية التي لم يمضي على إنشائها أكثر من أربع سنوات ، واول دولة أفريقية تحصل على إستقلالها بعد الحرب العالمية الثانية ، ونص القرار المتعلق بأستقلال ليبيا على تعيين السيد أدريان بلت الدبلوماسى الهولندى الامين العام المساعد لسكرتير عام الأمم المتحدة مفوضا خاصا للمنظمة الدولية فى ليبيا للمساعدة وتقديم الأستشارة والعون لأدارات الأحتلال والشعب الليبي من أجل بناء الدولة الليبية الجديدة . كذلك أسست الأمم المتحدة مجلسا إستشاريا خاصا ليساعد مفوض الأمم المتحدة فى أداء مهمته يتألف من عشرة أعضاء يمثلون الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأيطاليا ومصر وباكستان ومندوب من كل أقليم من أقاليم ليبيا الثلاث طرابلس ويمثلها الحاج مصطفى ميزران وبرقة ويمثلها السيد على الجربي وفزان ويمتلها السيد محمد بن عثمان ، والعضو العاشر يمثل الأقليات فى ليبيا. وتم بعد ذلك إعداد الخطوات لتنفيذ قرار الأمم المتحدة بخطة تقدم بها السيد أدريان بلت وأقرها مجلسه الأستشارى فى 25 أبريل 1950 وتضمنت أنتخاب المجالس المحلية فى طرابس وبرقة وفزان فى يونيو وتكوين اللجنة التحضيرية التي عرفت بلجنة الواحد والعشرين المؤلفة من سبعة أعضاء لكل ولاية في يوليو 1950 تمهيدا لأنشاء الجمعية الوطنية التأسيسية على أن يكون من ضمن ممثلي طرابلس السبعة ممثلا عن الجالية الأيطالية . . لم يكن الوصول الى أتفاق بشأن تكوين الجمعية الوطنية التأسيسية بالأمر السهل وتطلب ذلك كثير من الوقت فى الوصول الى أتفاق يرضى جميع الأطراف ينص على أن يكون تكوين الجمعية الوطنية التأسيسية بطريق التعيين ، ويتم على أساس التمثيل المتساوي للأقاليم الثلاث ، على أن تتألف الجمعية التأسيسة من ستين عضوا بمعدل عشرين مندوبا لكل أقليم. كان إختيار مندوبى برقة وفزان فى الجمعية الوطنية التأسيسية سهلا وذلك لتولي الامير إدريس السنوسي في برقة والسيد احمد سيف النصر في فزان بتعيين اعضاء برقة وفزان الاربعين . ألا أن ذلك لم يكن يسيرا فى طرابلس لوجود كثير من التنافس السياسى بين الأطراف السياسية و الحزبية . ومن أجل تحقيق إتفاق عام على تعيين مندوبى طرابلس العشرين فقد عهد للشيخ محمد أبو الأسعاد العالم نائب رئيس المؤتمر الوطني أختيار المندوبين بعد التشاور مع الزعامات السياسية والحزبية فى الأقليم . وهكذا تم تكوين الجمعية الوطنية التأسيسية فى نوفمبر 1950 من ستين عضوا يمثلون ليبيا بأقاليمها الثلاث تمثيلا متكافئا من أجل الدفع بمسيرة الأحداث الدولية فى تلك الفترة للحصول على أستقلال البلاد الذى كان حلما يصعب تحقيقه. وفى 25 نوفمبر 1950 بدأت مسيرة كتابة الدستور بمساعدة خبراء الأمم المتحدة وممثلي الأدارات العسكرية المحتلة بأول أجتماع للجمعية الوطنية التأسيسية فى طرابلس بأقرار مبدأين أساسين لتقرير مستقبل الدولة الليبية , أولهما أن تكون ليبيا دولة أتحادية وثانيهما تبنى نظام الحكم الملكى وأن يعرض عرش ليبيا على أمير برقة السيد محمد أدريس السنوسى. وقد تم أقرار ذلك بأجماع الجمعية الوطنيةالتأسيسية فى جلستها بطرابلس المنعقدة فى 2 ديسمبر 1950.
هذا إستعراض تاريخي للمواقف الدولية لقرار الامم المتحة لأستقلال ليبيا و خطوات تنفيذه لكن هذا الأستعراض لا يكتمل دون إستعراض مواقف الشعب الليبي من تنفيذ قرار الأمم المتحدة والأجراءات التي إتخذت شأنه .
ثم تنفيذ قرار الأمم المتحدة بأستقلال ليبيا إستجابة لرغبات الشعب الليبي في الأستقلال الذي كان يتابع أخبار مداولات الأمم المتحدة حول القضية الليبية ، وكانت المظاهرات تعم المدن الليبية مطالبة بالأستقلال والوحدة و تهتف ضد مشروع بيقن سفورزا . وكانت الجامعة العربية والدول العربية والأسلامية تدعمه وتشد من أزره . وقد إنفجرت الأحتفالات في كل انحاء ليبيا بصدور قرار الجمعية العامة للامم المتحدة بأستقلال ليبيا ، ونشطت الحركات الوطنية والأحزاب الطرابلسية وجمعية عمر المختار في برقة بأعلان سياساتها التي تعبر عن رغبات ومطالب الشعب الليبي في الحكومة التي يرتضيها . ولكن الشعب الليبي صدم لأن تنفيذ قرار الامم المتحدة جرى التلاعب في تنفيذه من طرف بريطانيا وفرنسا وأمريكا ، فقد عملت دول الاحتلال بدعم من امريكا وموافقة المستر أدريان بيلت مفوض الأمم المتحدة على إقناع لجنة الواحد والعشرين التحضيرية بعدم إجراء إنتخابات للجمعية التأسيسية التي ستضع الدستوروإستفتاء الشعب الليبي عليه بحجة ضيق الوقت قبل حلول موعد الأستقلال الذي حددته الأمم المتحدة وهو أول يناير 1951 ، وتأليف الجمعية التأسيسية بالتعيين وبالتساوي بين الولايات وإختيار نظام الحكم الفدرالي وتقسيم ليبيا إلى ثلات ولايات . وقد لاقى هذا القرار معارضة في المجلس الأستشاري التابع للمستر بلت من مندوبي مصر وباكستان وممثل ولاية طرابلس الحاج مصطفى ميزران نائب رئيس المؤتمر الوطني الطرابلسي . وأستقبل من طرف جماهير الشعب التي كان يقودها المؤتمر الوطني الذي يمثل كل أطياف الشعب الليبي بزعامة السيد بشير السعداوي بمظاهرات في كل أنحاء ليبيا ضد النظام الفدرالي المقترح وانشاء الجمعية التاسيسية بالتعيين وبالتساوي بين الولايا ت الثلات. ولكن رغم المعارضة الشعبية القوية كانت هناك مخاوف بين زعماء طرابلس بأن فشل الأتفاق بين الليبيين سيرغم المستر بلت على إعادة القضية الليبية إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي قد تعيد فرض الوصاية على ليبيا حسب مشروع بيفن سفورزا من جديد ، لهذا قرر زعماء طرابلس المنشقين عن المؤتمر الوطني بزعامة مفتي ليبيا الشيخ محمد أبو الأسعاد العالم وزعماء حزب الأستقلال ورئيس حكومة طرابلس السيد محمود المنتصرعلى التضامن مع زعماء برقة وفزان وقبول مبدأ أنشاء الجمعية التأسيسة بالتعيين والتساوي بين الولايات والمصادقة على الدستور الفدرالي وإعلان الأستقلال وتأليف الحكومة الاتحادية وتعيين الولاة . وقد أستمرت معارضة المؤتمر الوطني الطرابلسي وحزب الكتلة الوطنية وجمعية عمر المختار في برقة للنظام الفدرالي حتى أول إنتخابات نيابية التي جرت سنة 1952. وكان على الحكومة خوض حملة إنتخاب أول مجلس للنواب شرسة مع المعارضة لأقرارالنظام السياسي وعدم السماح للمعارضة بالفوز. وأستطاعت الحكومة أن تجند موظفي الحكومة والمشايخ ورجال الأعمال والشرطة المدربة وضباطها الانجليز المحترفين لتشجيع المواطنين خارج مدينة طرابلس والمدن الرئيسية لأنتخاب مرشحيها وفعلا فاز مرشحوا الحكومة في دواخل إقليم طرابلس ليكونوا مع المنتخبين من برقة وفزان الأغلبية في مجلس النواب، وفازت المعارضة بمقاعد مدينة طرابلس . وقد رفضت المعارضة نتيجة الأنتخابات وأتهمت الحكومة بتزويرها ، وقامت مظاهرات ضخمة تطورت الى أشتباكات عنيفة بين الشرطة والمواطنين مما دفع الحكومة إلى حل حزب المؤتمر وأبعاد الزعيم بشير السعداوي وبعض رفاقه الى خارج البلاد ، وإعتقال عدد كبير من أعضاء المؤتمر الحركيين . وفي فترة تالية حلت جميع الأحزاب وأصبحت الأنتخابات في ليبيا تجري على أساس فردي . وبمرور السنوات وافق مجلس الأمة بمجلسيه الشيوخ والنواب والمجالس التشريعية للولايات سنة 1963بألغاء النظام الفدرالي تلبية لرغبات الشعب وأعلان ليبيا دولة موحدة وقد وافقت الحكومة على هذا القرار وصادق عليه الملك إدريس وصدر يوم 25 أبريل 1963 .
التعليقات (0)