يأتي على وتر البطء، صيفاً كما لو يزف فرحاً آخر للحياة، أو ربما ينعش الصمت قليلاً لينهج زمام الإبداع، فما مثله صفو ينشد البشرى الآتية على وجه النخل، لها ظلال وارفة تحتشد، ولها نشوة لمتيم عاشق للسفر يسير على حافة الأفلاج، تلك التي يترقرق ماؤها متوغلاً الغابة الخضراء، تفاصيل عذبة تجسد ماضيا يطرق حاضرا. وأيام للتوتر مثل غيم الأفق، ومثلها لا يستقر لها حال، تعبر مدارات او تنثر من ذاتها مطرا. لها حراك الألم، يتجسد بالروح أو يفضي الى أبعد، لتفرز مزيجا من روائع الحياة، تمزج ألوانها بالحدائق الغناء، حين تفرز أزهارا يخالطها السحر والمتعة وصفو الروائح العطرة، كيف للصباحات ان تتندى كنسمة شقية لا تفارق الظلال المحتشدة؟ صباحات تمضي بالقلم ليخط إطلالة أولى، حرية للعبث ربما تسطر رسما لكيان جميل، ربما توغل الابتسامة في كل الحقول أو تتسع لمهد الفراشات الجميلة، حينها ستسطر اشتهاءات أخرى للجمال وللعطر معا. فالصيف جزء من كتابة حتمية بلا سطور، أو مسار من الذاكرة الكتابية، أو مذاق يستشف من الفنون ما يشاء، أو زهر ينبت ما هو أنفع للناس، كتابة أقدر على ترجمة الحياة، لها جزء من المسافة الطويلة، والتي تجد فيها البعد والأسرار.كل قبائل الحروف تنتظم في سياق الهتاف الى السفر، منها من يتقلد مهام رؤى الاستكشاف، فالعالم جزء من أبيات الشعر، وملحمة من الروض جنتها الخلد، ولها جزء قليل من كل الهتافات المنسية، فذاكرة الكتابة تعود بالسطور الى بداية الدوران. تصويب آخر جميل إذا ما تم السفر، لمن ستترك المدن المخملية نشوتها، تصويب للمدى، لأي المدن سترحل بأسرارك؟ ومدن الصيف لها معطف الربيع، لم ينجل الضجيج من المساحات، لها مزيج من الدلالات الفكرية والمنهجية، إرادة ثقافية للشعوب المتعبة والمنهكة، إرادة شعوب لا إرادة المثقف الذي مازال فيه الرمز المنتظر، فالزمن أباح الانتصار للشعوب التي مازالت تتجدد ومنها مازال يترقب، مازال ربيع الشعوب يطمئن على البيعة ولا ينحني، فمن خلال الصيف الساخن ترفض الشعوب مستنقع الهيمنة، وترفض الحزبية المتكتلة، وترفض الانهزام، ومازال الجرح مفتوحا أمام صدر الريح، فالشمس تداعب شغبها الآتي الجميل أو تهوى الحرية.لم يكن الصيف الملهم ليطرأ بجديد، إنها حالة سياسية لا تفضي إلى السحر المريب، فلا تقل بأن الخليفة عائد لينصت من خلف الجدار لكي يسمع مناجاة الأم لبنتها كي تغش الحليب بالماء، ولا تقل كما قال أبو تمام بأن السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب. ولا تقل أشياء كثيرة، فالشعوب تستفيق من العشق العذري المتيم بالقامات والقيادات والرموز المثقلة بالعظمة والتمجيد، والمهيمنة على أنفاس الشعر والصباحات.. الشعوب المكتظة تود ان تصل الى جمالية الحضارة وبعدها الحياتي ونهجها الجغرافي فهي لها الإرادة الثقافية التي في مقام الروح.
التعليقات (0)