بقلم/ ممدوح الشيخ
وهم يعتبرون الإشارة للرب في القسم الرئاسي خرقا للدستور الأميركي الذي يفرض حظرا على إدخال الدين في السياسة. وقد رفض القضاء الفيدرالي الأمريكي المطالبة، حيث ينص الدستور الأمريكي أن القسم الرئاسي يجب أن يكون:
"أقسم (على الكتاب المقدس) وأقر بأنني سوف أقوم بتنفيذ متطلبات منصب رئيس الولايات المتحدة بكل أمانة وسأبذل كل جهدي للحفاظ على دستور الولايات المتحدة وحمايته والدفاع عنه".
وهذه ثالث محاولة من مايكل نيوداو لحذف تلك العبارة من القسم منذ عام 2001 وكل محاولاته فشلت.
الكاتبة ريتشيل وايزمن، المتخصصة في قضايا الإعلام والدين، كشفت أنه جرى العرف في الولايات المتحدة أن يقدّم كل رئيس أمريكي منتخب طلبا لرئيس المحكمة العليا قبل حفل تنصيبه يطلب فيه الموافقة على تضمين عبارة "ساعدني يا رب" في القسم، مشيرة إلى أوباما تقدم فعلا بهذا الطلب. وهي لا تعتبر قرار القضاء برفض دعوى الملحدين مستغربا في بلد ينقش عبارة (نثق بالرب) على الدولار لتصبح هذه العبارة جزءا من الثقافة الوطنية.
وبينما يكتسب البعد الديني في السياسة الأمريكية المزيد من الرصيد ويتحول بالتدريج إلى سمة من سمات الهوية الأمريكية، يثير البعد الديني في السياسة في أوروبا العديد من السجالات بوصفه ضيفا "غير مرغوب فيه"!
وتشهد هولندا هذه الأيام فصلا من فصول هذا السجال حول مشروعية حضور الدين وبخاصة في حال تعارض حضوره مع حريات فردية في مقدمتها "حرية التعبير"، فقد أعلن قبل أيام في هولندا أنها تتجه إلى التخلي عن "تجريم الإساءة للذات الإلهية، فقد أصبح متوجبا علي الحكومة إلغاء المادة 47 من قانون العقوبات التي تمنع الإساءة للذات الإلهية. وتساند الأغلبية في البرلمان الهولندي مقترحا لإلغائها، لكن الائتلاف الحاكم منقسم حول المسألة، فالحزب المسيحي الديموقراطي، أكبر أحزاب الائتلاف الحاكم وحزب الاتحاد المسيحي الصغير، يعتقدان أن المادة ذات قيمة رمزية، لكن حزب العمل الهولندي الشريك الثاني في الائتلاف الحاكم، يساند أحزاب المعارضة ويري أن هذه المادة تجاوزها الزمن.
المشهدان يعكسان هوة قيمية وثقافية تتسع بين شاطئي الأطلنطي، وتعكس كذلك توجها أوروبيا في التفكير والممارسة والتوجهات التشريعية يمكن فعلا أن يكون من أخطر ما يتهدد العلاقات بيننا وبين الأوروبيين على كل الأصعدة. ففي ظل الميراث المرير من الإساءة للإسلام في الثقافة الأوروبية من الخطاب الاستشراقي إلى الصورة الإعلامية، وعلى خلفية الصدامات التي شهدتها السنوات القليلة الماضية من "الأيات الشيطانية" لسلمان رشدي إلى الرسوم الدانماركية المسيئة، فإن المعايير السائدة في الثقافة الأوروبية إزاء الدين يمكن عند تطبيقها على الإسلام أن تسبب مشكلات كبيرة.
وإذا وسعنا دائرة النظر مستعيدين النقاشات التي أثارتها محاولة دول إسلامية سن تشريع دولي يجرم الإساءة للأديان، فسيكون بإمكاننا تخيل المشكلات التي يرجح أن تكون بانتظارنا.
وفي الحد الأدنى هذا ملمح من ملامح الاختلاف بين ما هو شرق الأطلنطي وما هو غربه بإزاء القضية الأهم في التاريخ الإنساني، ومن ثم في الاجتماع الإنساني، والتباين في الموقف منها يعكسه بوضوح تام الحكم القضائي الصادر مؤخرا في أمريكا ومشروع القانون المعروض للتعديل في هولندا، والمراد رفع صفة التجريم عنه ليس الإساءة لاختيار فقهي (متشدد أو معتدل)، ولا الانحياز لتفسير معين (راجحا كان أو مرجوحا)، بل المطلوب رفع صفة التجريم عنه "الإساءة للذات الإلهية"!
ولا تعليق!!!
التعليقات (0)