لم يكن سهلاً مراقبة المشهد من خلال وهج الكاميرات وضوء الشمس الباهر على الريفييرا الفرنسية، لكن فيما كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يعلن مشروعه الطموح لـ "الاتحاد من أجل المتوسط" الأحد الماضي، ظهر خارج المسرح طيف ذئب رمادي يكشّر عن أنيابه تهديداً.
وذكرت وكالة يونايتد بريس انترناشيونال أن هذا الطيف يسمّى "أرغينيكون، وهو اسم الوادي الأسطوري في قلب جبال آسيا الوسطى الذي انطلق منه العرق التركي والذي منه انطلق الأتراك في مسيرتهم بقيادة ذئب رمادي وصولاً إلى أرضهم المعروفة التي استوطنوها.
والذئب الرمادي في أرغينيكون، هو أشهر الأساطير الوطنية التركية ورمز للتفاني في الوطنية. وكانت المجموعة القومية التركية التي خاضت حربها "القذرة" ضد الانفصاليين الأكراد والطلاب اليساريين في السبعينات من القرن الماضي أطلقت على نفسها اسم "الذئاب الرمادية".
والأسبوع الماضي، وجه المدعي العام المدني التركي في اسطنبول اتهامات بالتخريب إلى 86 شخصاً، زعم أنهم أعضاء في "مجموعة يمينية قومية متطرفة" أطلقت على نفسها اسم "أرغينيكون". وتضم المجموعة المتهمة جنرالين متقاعدين، ورئيس غرفة التجارة والصناعة، وزعيم أحد الأحزاب السياسية الوطنية، ورئيس تحرير صحيفة معروفة، ومجموعة من كبار الضباط والمسؤولين الأمنيين في الجيش والشرطة.
وأعلن المدعي العام أيكوت سينجيز أنجين أن المجموعة كانت تخطط للقيام بانقلاب سياسي وعسكري لإطاحة الحكومة المنتخبة التي يرأسها رجب طيب أردوغان. وأردوغان إسلامي معتدل، خفّف من حدة التحالف التركي التقليدي مع الولايات المتحدة وأقام علاقات وثيقة مع إيران وغيرها من الدول الإسلامية الأخرى. وينظر إليه أعداؤه على أنه تهديد قاتل للوطنية العلمانية التقليدية في الدولة التركية الحديثة. وكانت وسائل الإعلام والدوائر السياسية تتداول في شكل كبير منذ أشهر، إشاعات الانقلاب العسكري والتكهنات بأن "الذئاب الرمادية في أرغينيكون" تخطط لشن حملة من التفجيرات والعنف وزعزعة الاستقرار، ما قد يدفع الجيش التركي إلى التدخل.
وهذا التدخل المفترض سيكون الرابع في السنوات الثلاثين الأخيرة. وجزءاً من خلفية هذا التحرك، الانقلاب الهادئ الجاري حالياً والمتمثل بالدعوى المقامة أمام المحكمة الدستورية، والتي تفيد بأن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان، يتعارض مع الدستور العلماني، ويجب بالتالي حظره قانونياً. ومن المتوقع أن تصدر المحكمة الدستورية في الخريف المقبل حكمها في دعوى حظر الحزب التي رفعها المدعي العام في محكمة الاستئناف بعد تحقيق دام ستة أشهر. وقد يؤدي الحكم إلى اطاحة الحكومة وإجبار أردوغان على الاستقالة أو إجبار الحزب الحاكم على إعادة تسمية وإصلاح نفسه، وطرح مئات المسؤولين الإسلاميين الذين عينهم في مناصب حساسة من خلال البيروقراطية. ويعني بالتأكيد أيضاً أزمة دستورية تأتي بعد خمس سنوات من الانتعاش الاقتصادي في عهد حكومة أردوغان التي "تعثرت" نتيجة ارتفاع أسعار النفط والأزمة المالية العالمية. وهذا الصراع على السلطة بين "الدولة العميقة" التقليدية في تركيا، التي تقوم على نظام قومي علماني يحظى بحماية الجيش، وتركيا "الجديدة التي يروّج لها "العدالة والتنمية" الذي يحظى بدعم كبير من مجموعة من المسلمين "المتمدنين" الذين بنوا حياتهم العلمية والمهنية في المدن، ويريدون أن تعكس الدولة اهتماماتهم ومصالحهم عوضاً عن مصالح الجيش.
ويمكن النظر إلى هذا الصراع عبر مشهد الدولة التقليدية التركية المحددة من خلال ولائها لحلفائها في حلف شمال الأطلسي، ورؤية "حزب العدالة والتنمية" الطامح للدخول إلى الاتحاد الأوروبي. غير أن منتقدي الحزب يقولون إنه يخبئ خطة سرية لتحويل تركيا إلى دولة إسلامية. وهذا كان الإطار الذي انطلق من خلاله مشروع "الاتحاد من أجل المتوسط". لقد اقترحه ساركوزي مبدئياً كوسيلة واضحة وشفافة، لوقف مسيرة العضوية التركية إلى النادي الأوروبي، وعرض على تركيا عوضا عن ذلك "الاتحاد من أجل المتوسط".
Copyright (2006) Peyamner.com
موقع وكالة PNA للأنباء
التعليقات (0)